الأمويون هم السلالة الإسلامية الأولى التي حكمت بعد العهد الراشدي، وامتدت خلافتهم من عام 661م وحتى عام 750م.
ويعدّ معاوية بن أبي سفيان هو مؤسس هذه السلالة، الذي كان على ولاية الشام في خلافة عمر بن الخطاب، وقد انتقلت الخلافة إلى الفرع السفياني بعد وفاة الحسن بن علي.
وانتهت الخلافة الأموية بخلافة مروان بن محمد بن الحكم، حيث سقط الحكم الأموي على يد العباسيين، وقد كان للأمويين ولاة على الأمصار في الدولة، ومن هؤلاء الولاة الحجاج بن يوسف الثقفي الذي تولى الحجاز.
ثم تولى العراق وبقي فيها عشرين عامًا حتّى مات ، ويعد الحجاج من أشهر الحكام التي تم انتقادهم في التاريخ والذي كان سبب في خلاف اهل العلم هل هو من الصالحين أم من الظالمين المستبدين .
من هو الحجاج بن يوسف ؟
اسمه أبو محمد الحجاج بن يوسف بن أبي عقيل بن الحكم الثقفي سماه والده كليب هو من سمى نفسه الحجاج وأمه أسماها الفارعة بنت همام بن عروة بن مسعود الثقفي .
مولده ونشأته:
ولد الحجاج بن يوسف الثقفي في سنة 661م، ونشأ في ظل عائلة كريمة من عائلات ثقيف، وكان والده رجلاً مميزاً؛ إذ كان مطلعاً على العلم وفضائل الآداب.
حتّى أنَّه كرّس حياته لتعليم أبناء الطائف القرآن الكريم، دون تلقي أجر على عمله هذا، ومن هذا المنطلق حفظ الحجاج كتاب الله على يد والده.
ثم ولج إلى حلقات أئمة وكبار العلم من الصحابة والتابعين أمثال: عبد الله بن عباس، وأنس بن مالك، وسعيد بن المسيب، وغيرهم، وبعد ذلك انخرط في تعليم الصبيان شأنه في ذلك مثل شأن والده.
بداياته السياسية:
بدأ الحجاج طموحه السياسي في بلاد الشام وعندما وصل إلى الشام التحق بشرطة إمارتها التي كانت تعاني من مشاكل عديدة منها سوء التنظيم وعدم الالتزام بالنظام وقلة عدد المجندين.
وقد ظهر على الحجاج التزامه وإظهار قوته وعزيمته وبدأ ينبه أولياء الأمر إلى الأخطاء الواقعة وقد رأى فيه قائد الشرطة صفات القائد الفذ فمنحه مكانه مرموقة وقد كان الحجاج شديد يعاقب مرؤوسيه لأي خلل أو خطأ.
ثم قدم قائد الشرطة الحجاج إلى الخليفة عبدالملك بن مروان فما كان من الحجاج الآن حمى الدولة الأموية من السقوط واسمها من جديد.
وقد سير عبدالملك بن مروان الجيوش لمحاربة الخارجين عن الدولة بقيادة الحجاج الذي كرهه ولاية الزبير.
وعندما علم الحجاج بعدم رغبة أهل الشام بالخروج في الجيش أمهلهم ثلاثة أيام فمن لم يخرج منهم يقتله و يهدم بيته ويأخذ ماله.
فخرج معه الأغلبية بالإجبار وفي 73ه أراد عبدالملك بن مروان أن يتخلص من عبد الله بن الزبير.
وعندها جهزا جيشاً عظيماً بقياده الحجاج لمحاربته في مكة وسار الحجاج بعد أن اكتمل جيشه إلى مكة وحاصر عبد الله بن الزبير هناك وبدأت الحرب بينهما والتي دامت عدة أشهر وهزم فيها بن الزبير .
عزله من الحجاز:
وفي عام 75 ه عزل عبدالملك بن مروان الحجاج من الحجاز وولاه على العراق لمدة عشرين عاماً والذي خطب فيها خطبته الشهيرة التي توعد وهدد فيها أهل العراق في حال تخلف أحد منهم أو أعرض عن أوامر بني أمية .
فتوحات رغم الاستبداد:
الحجاج بن يوسف الثقفي أحد أبرز الأمراء في تاريخ الدولة الأموية الذين أثاروا جدلاً واسعاً عند المؤرخين والباحثين.
فقد كان صورة مجسمة للظلم، ومثالاً بالغًا للطغيان، وأصبح ذكر اسمه يستدعى في الحال معاني الاستبداد، ومع ذلك حدثت في عهده أعظم الفتوحات، ووصلت رايات المسلمين إلى حدود الصين والهند!
فقد كان يرسل الجيوش المتتابعة، ويختار لها القادة الأكفاء، مثل قتيبة بن مسلم الباهلي، الذي عيّنه الحجاج والياً على إقليم خراسان سنة 85هــ/ 704م.
وعَهِدَ إليه بمواصلة حركة الفتوحات؛ فأبلى بلاء حسنًا، ونجح في فتح العديد من النواحي والممالك والمدن الحصينة بآسيا الوسطى.
كما استطاع أن يصل إلى مدينة كاشغر الواقعة على حدود الصين المجاورة لإقليم ما وراء النهر،مما أدى إلى انتشار الإسلام في هذه المناطق وأصبح كثير من مدنها مراكز مهمة للحضارة الإسلامية.
كذلك بعث الحجاج بن يوسف الثقفي بابن عمه محمد بن القاسم الثقفي لفتح بلاد السند، وكان شابًّا صغير السن، ولكنه كان قائدًا عظيمًا، نجح خلال فترة قصيرة لا تزيد عن خمس سنوات (89- 95هــ/ 707- 713م) في أن يفتح مدن وادي السند (باكستان الآن).
وكتب محمد بن القاسم بعدها إلى الحجاج يستأذنه في فتح إمارة قنوج أعظم إمارات الهند التي كانت تمتد بين السند والبنغال، فأجابه إلى طلبه وشجعه على المضي، وكتب إليه أن سِر فأنتَ أمير ما فتحتَه.
أيضاً كان الحجاج بن يوسف يتابع سير حملات قادته ويوفر لها ما تحتاجه من مؤن وإمدادات، ولم يبخل على قادتها بالنصح والإرشاد؛ حتى حققت هذه النتائج العظيمة، ووصلت رايات الإسلام إلى أعماق آسيا.
فها هي سيرة الحجاج بن يوسف عجيبة للغاية فيها قتل الأئمة والتابعين كسعيد بن جيبر وعبد الله بن الزبير من جانب وفيها فتوحات عظمى امتدت حتى وصلت إلى الصين والهند من جانب آخر!
إصلاحات الحجاج :
وفي الفترة التي قضاها الحجاج في ولايته على العراق قام بجهود إصلاحية عظيمة، ولم تشغله الفترة الأولى من ولايته عن القيام بها، وشملت هذه الإصلاحات النواحي الاجتماعية والصحية والإدارية وغيرها.
فأمر بعدم النوح على الموتى في البيوت، وبقتل الكلاب الضالة، ومنع التبول أو التغوط في الأماكن العامة، ومنع بيع الخمور، وأمر بإنشاء الجسور، وأنشأ صهاريج لتخزين مياه الأمطار، وأمر بحفر الآبار في المناطق المقطوعة، ومنع هجرة أهل الريف إلى المدن.
ومن أعماله الكبيرة بناء مدينة واسط بين الكوفة والبصرة، واختار لها مكاناً بين الكوفة والبصرة والأحواز لتكون عاصمة الخلافة، فجعل القسم الشرقي منها لسكن الجيش الشامي حتى لا يفسده العراقيون، والقسم الغربي جعل فيه دوائر الدولة.
وكان الحجاج يختار ولاته من ذوي القدرة والكفاءة، ويراقب أعمالهم، ويمنع تجاوزاتهم على الناس.
وقد أسفرت سياسته الحازمة عن إقرار الأمن الداخلي والضرب على أيدي اللصوص وقطاع الطرق.
ومن أهم إنجازات الحجاج هو تعريبه للدواوين، مما مكّن العرب للمرة الأولى من شغل الوظائف الإدارية في الدولة بعد أن كانت حكراً على الفرس.
ونجح كذلك في إصدار الدراهم العربية وضبط معيارها، قام بإصلاح حال الزراعة في العراق بحفر الأنهار والقنوات، وإحياء الأرض الزراعية.
واهتم بالفلاحين، وأقرضهم، ووفر لهم الحيوانات التي تقوم بمهمة الحرث؛ وذلك ليعينهم على الاستمرار في الزراعة.
نقط أو تشكيل المصحف:
ومن أجلِّ الأعمال التي قام بها الحجاج أمر بتشكيل المصاحف لتسهيل القراءة ونُسب إليه تجزئه القرآن، ووضع إشارات تدل على نصف القرآن وثلثه وربعه وخمسه، ورغّب في أن يعتمد الناس على قراءة واحدة، وأخذ الناس بقراءة عثمان بن عفان، وترك غيرها من القراءات، وكتب مصاحف عديدة موحدة وبعث بها إلى الأمصار.
أراء العلماء والمؤرخين في الحجاج:
أجمع المؤرخون على أن الحجاج بن يوسف الثقفي كان سفاحًا، ترك وراءه بحرًا من الدماء منها دماء المتقين والصالحين من المسلمين، ولم يُعلم شيء أشدّ على الله من سفك دم المسلم، وقد قيل فيه الكثير من الأقوال،
وفيما يأتي بعض مما جاء في كلام المؤرخين:
قول الذهبي في الحجاج : “أهلكه الله في رمضان سنة خمس وتسعين كهلًا، وكان ظلومًا جبارًا ناصبيًا خبيثًا سافكًا للدماء، وكان ذا شجاعة وإقدام ومكر ودهاء، وفصاحة وبلاغة وتعظيم للقرآن، قد سقت من سوء سيرته في تاريخي الكبير، وحصاره لابن الزبير بالكعبة ورميه إياها بالمنجنيق وإذلاله لأهل الحرمين، ثم ولايته على العراق والمشرق كله عشرين سنة، وحروب ابن الأشعث له وتأخيره للصلوات إلى أن استأصله الله فنسبه ولا نحبه بل نبغضه في الله فإن ذلك من أوثق عرى الإيمان، وله حسنات مغمورة في بحر ذنوبه وأمره إلى الله، وله توحيد في الجملة، ونظراء من ظلمة الجبابرة والأمراء”.
قول الجصاص في الحجاج : “ولم يكن في العرب ولا آل مروان أظلم ولا أكفر ولا أفجر من عبدالملك ولم يكن في عماله أكفر ولا أظلم ولا أفجر من الحجاج وكان عبدالملك أول من قطع ألسنة الناس في الأمر بالمعروف”.
قول ابن كثير في الحجاج: “وقد كان ناصبيًا يبغض عليًّا وشيعته في هوى آل مروان بني أمية، وكان جبارًا عنيدًا، مقدامًا على سفك الدماء بأدنى شبهة، وقد روي عنه ألفاظ بشعة شنيعة ظاهرها الكفر كما قدمنا”.
وفاته:
بمرض الأكلة التي وقعت في بطنه ، فدعا الطبيب لينظر إليه فأخذ لحماً و علَّقه في خيط و سَرحه في حلقه و تركه ساعة ثم أخرجه و قد لصق به دود كثير .
و سلّط الله عليه الزمهرير ، فكانت الكوانين تجعل حوله مملوءة ناراً و تُدَّنى منه حتى تحرق جلده و هو لا يَحُسُّ بها ، فشكا من حاله و ما يعاني من شدة الألم إلى الحسن البصري .
فقال له الحسن البصري : قد كنتُ نهيتُك ألا تتعرّض إلى الصالحين فلججت .
فقال له : يا حسن ، لا أسألك أن تسأل الله أن يفرّج عنّي ، و لكني أسألك أن تسأله أن يُعجِّل قبض روحي و لا يطيل عذابي .
و بقي الحجاج على هذه الحالة و بهذه العلة خمسة عشر يوماُ ، و توفي في شهر رمضان سنة : 95 هجرية.
كتب: محمود الصافي