كانت لي نوايا منذ زمن أن أدير مرجل الأفكار الذى كان بيد القهار الجبار الذى منحني فيه قوة الخيار ، فبها أستطيع أن أحوك ثياب الحياة إما بخيوط الظلام أو بخيوط الأنوار.
فهناك من يديره و ينسج ثياب المعصية بخيوط التمرد و الضلال والتشرد ثم يبيعها فى أسواق السذاجة بين الأبرياء الأتقياء بإسم الحرية و البشرية منذ قرون و يغر الناس بمكيدته، كما تغر أشعة الشمس التى تنسج لباساً فضياً فى مرجل الصحراء لمن شد ظمأه و هو يتبادر إليه مغتراً بمكيدته ليُعدم وجود الظمأ فى عدم الأمل الذى ينعكس بذرات الرمل.
اعلم أيها القارئ أن ليس لقلمي منوال الناس الموطوء فى وصف الشىء سواء كان عظيماً أو عادياً ولا لشفتيّ أن تلفظ نفس العبارات الموروثة المنشودة (أى بيت من قصائد الجمود الخالص) من جيل إلى جيل بدون انقطاع .
فلعيونكم نفس المنظر لكن بصور مختلفة، ولأسماعكم نفس القصة لكن برواية مختلفة .
فتعالوا معي فى هذه الرحلة الممتعة النادرة، و إليكم بأحسن مما يوحى إليَّ من الخواطر و مما تمخضّ فيَّ من المشاعر عن مصر و ما فيها من الآثار الفرعونية و الإسلامية و أناشيد ربيع جِدّها و مناحات خريف خمولها علام شهدتها عيوني ثم نشدت عقلي بالتدبر و التأمل و دعت رسول الضبط ليدون كل ما خطر ببالى أثناء الجولة.
أنا وليد العلم والمعرفة و وريث الفكر و الإبتكار؛ لذا نبدأ من حيث المعرفة تتمخض بعقول العباقرة والجهابذة، ثم تتوزع زبدها بين جياع المعرفة والعقل أى مراكز الدرس والتدريس و معابد العقل والتفكير .
فكما يقال لليل نهار و للسفن بحار و لهذا الليل الذى تغمد على عقول كل البشرية تقريباً شرقاً وغرباً و عجماً و عرباً نورٌ منبعه مراكز التعليم والتعلم و من أبرزها الأزهر الشريف أكبر مركز للتعليم والتعلم في العالم كله الذى يُعدّ الحصن الحصين المتين للدنيا والدين.
لنسمع العالم كله سوى مصر، كيف يرون فى هذا الحصن والمكان الذى قد تسمرت فيه عموده، والفضاء الذى تتعالى فيه منارته التى تهتدي بها الهائمون و يستيقظ بدويها النائمون، و يتمتع بروعة أزهارها المبصرون و برائحتها الشامون منذ أكثر من ألف سنة.
لا تقطر من عين القلم دمعة إلا و بطياتها كنز الأسرار، و لا تترك بنات شفتي الناس خدرها إلا و وراءها سياسة الأفكار.
فها من عين قلمي تقطر دموع متتالية و ترسم صوراً عجيبة و مختلفة من غيرها قبل أن تجف، ففى خريفها تولد معانى الربيع.
فهذا يعني أن ليس لقلمي منوال الناس الموطوء فى وصف الشيء سواء كان عظيماً أو عادياً و لا لشفتى أن تلقى نفس العبارات التقليدية الملقاة فى ذيول الأسماع منذ قرون.
لتبصر عيونكم الرسوم التى رسمها جفاف دمعة تسكبها عين قلمي.
فهذا هو الحصن أمامي الذي قد تم بنائه بيد جوهر الصقلي الفاطمي فى بداية عهد الدولة الفاطمية فى مصر؛ لنشر تعاليم المذاهب الشيعي الإسماعيلي الخاطئة الضالة التى كان أساسها إساءة إلى أصحاب النبي و إلى جنابه (صلى الله عليه وسلم).
حدث لي أمر عجيب عندما كنت أقرأ تاريخه ، فلقد طرأت على قصة عمر (رضي الله عنه)،
و انسجم تاريخ هذا الحصن مع الحصن الذى كان بداية الخطوة التى اتجهت إلى النبي (صلى الله عليه وسلم) و أصحابه بإرادة إساءة إلى سيّدنا رسول الله (صلى الله عليه وسلم) و أصحابه (رضي الله عنهم) فلم تطل حياة خطوات الإساءة حتى يصادفها احتضارها،
و برق فيه رمق الإيمان والحشمة والجلال فقط برؤية سيد الكونين (صلى الله عليه وسلم )، ونال شرفا من الله لم يسبقه أحد و صار حصنا للإسلام الذى صان الناس من الضلال و حررهم من الإذلال و دمر الروم والفارس اللتين كانتا أعداءاً للإنسانية والإسلام.
ها هو الحصن الأزهر لقد كانت خطواته الأولى التي اتجهت إلى النبي (صلى الله عليه وسلم) و أصحابه بإرادة إساءة إلى سيّدنا رسول الله (صلى الله عليه وسلم) و أصحابه (رضي الله عنهم)، فقدر الله و تلعثمت خطواته و لقيت احتضارها و كان قدر الله الذى نعرفه الآن بإسم صلاح الدين الأيوبي المجاهد فى سبيل الله المحب الصادق لرسول الله (صلى الله عليه وسلم ).
ثم أذن فى مئذنة هذا الحصن الحصين بعد مائة سنة السلطان ظاهر بيبرس أذان العبادة الجسدية والعبادة العقلية.
منذ ذلك الحين إرتقى إزدهار هذا الحصن الحصين و عكف فيه جهابذة الدين (أي الفقهاء والقراء والأدباء والمحدثين) و ولد فيه العباقرة في كل فينة و حين،
فأبانت للعيون جدرانه دارسة لكن الحكم التى رسمت عليها السنوات للعقول دارسة مدروسة.
بقلم :- فيروز الهندي