سمعنا وقرأنا كثيرا عن زيجات سياسيه ، اريد بها انهاء حروب أو اتمام وحدة بين بلدين أو تكوين حلف بين بلدين ضد بلد آخر .
وقرأنا كثيرا عن بذخ بعض الاعراس وعظم المهور المقدمه للعروس .
لكن يظل عرس الأميرة المصريه قطر الندى . ابنه حاكم مصر خمارويه وحفيدة مؤسس الدوله الطولونيه احمد بن طولون هو الأشهر فى العالم العربى .
وربما على المستوى العالمى .
ولازال إلى الان يتغنى الشعب المصرى بليله الحنه للأميرة قطر الندى . وهو لا يعرف شيىء عن تلك الأميرة ولا عن زوجها من خليفه المسلمين وامير المؤمنين العباسى
المعتضد بالله .
فهيا نتعرف عن تلك الزيجه وما احاطها من صراع سياسى وعسكرى.كانت البدايه عندما عين احمد بن طولون نائب الوالى على مصر من فبل الخليفه العباسى . اما الوالى زوج ام احمد بن طولون فقد جلس فى بغداد وبجوار قصر الخليفه فى سمراء أو كما يجب أن تقراء . سر من رأى .
ليكون بجوار صناع المؤامرات والأحداث فقد كانت الخلافه العباسيه القويه قد ولت ولم يبقى منها إلا الاسم فقط واصبح الخلافاء العوبه فى يد الوزراء وقادة الجند الاتراك يعينون من شاؤا ويعزلون من ارادوا بل يغتالوا ويسجنوا الخلافاء العباسيين . فقد ذهب زمن هارون الرشيد المجيد حيث القوة والوحدة والعظمه للدوله وخليفتها .
نعود إلى احمد بن طولون . فقد احسن إدارة مصر بالحذم والقسوة تارة والسياسه تارة ، وكان اهم ما يشغله ويعمل على تحقيقه هو ارسال خراج مصر إلى بغداد ومعه الكثير من الهدايا إلى الوزراء وقادة الجند وكل صاحب نفوذ فى البلاط العباسى ،
حتى يرضوا عن احمد بن طولون ويطلقون يدة فى إدارة شئون مصر والنوبه ثم برقه اى ليبيا .
المقبرة السعيدة
كان الشعب المصرى يأن تحت طلابات وضرائب وهدايا رجال الحكم فى بغداد ، حتى انهم اشتكوا مرارا لواليهم احمد بن طولون قسوة العيش وقله الموارد حتى انهم لا يجدوا مسجد فى الفسطاط أو القطائع يكفى المصليين.
فكان يجيبهم ان ميزانيه الدوله لا تسمح ببناء مسجد أو سبيل أو مستشفى .فخراج مصر يذهب معظمه للخليفه ورجاله والبقيه لمرتبات الجند .
وبينما يسير احمد بن طولون هو ورجاله فى رحله صيد عن تبه فرعون ومكنها الان قلعه صلاح الدين الايوبى .
سقط حصان احمد بن طولون داخل حفرة عظيمه . ظهر بعد أن صعد منها بن طولون أنها مقبرة فرعونيه كبيرة لاحد الملوك السابقيين.
وكانت تحتوى المقبرة الفرعونيه على كنز عظيم من الذهب والفضه .
ومن يومها اعتدلت ايام احمد بن طولون .
فقد ارتضى الاهالى وبنى مسجد لا تلتهمه النار ولا يدمرة الفيضان .
وكان جامع احمد بن طولون اعجوبه الزمان فى هذا الوقت .
كما انشاء احمد بن طولون عدة اسبله لخدمه الناس وانشاء بيارمستان اى مستشفى كبيرة لعلاج مختلف الامراض . كما انشاء اسوار جديدة لعاصمه ملكه القطائع وهى أحد اجزاء مدينه القاهرة الان .
كما حصل احمد بن طولون على حكم مصر منفردا له ولاولادة من بعدة بعد أن دفع الكثير من الأموال للخليفه ورجال بلاطه .
كما ساعد الجيش المصرى الطولونى فى قمع ولاة الشام الخارجين على الدوله العباسيه . وضم احمد بن طولون الشام إلى ملكه فى مصر .
وقام الخليفه الموفق بالاستعانه بالجيش المصرى الطولونى للتغلب على ثورة الزنج التى كادت أن تسقط الخلافه العباسيه .
وأصبحت مصر والدوله الطولونيه تناظر بل تتفوق على بغداد والدوله العباسيه قوة وعظمه وثراء .
وابتسمت الايام لاحمد بن طولون واولادة واحفادة .
اوصى احمد بن طولون قبيل موته
بحكم دولته لابنه خمارويه وعضد ملكه بمجموعه من القواد الاقوياء الاكفاء. فتم انتقال سريع للسلطه بعد موت احمد بن طولون واغتال رجال بن طولون ابنه الاكبر الذى عارض توليه أخيه خمارويه.
الزواج السياسى .
شاهدت بغداد قوة وثراء مصر والشام فارادت ان تعيدهما إلى حظيرة الخلافه مرة اخرى.
ودارت رحى الحرب بين العباسيين والطولونيين .
لكن الحرب لم تحسم الخلاف فكانت سجال بين الفريقين نصر يعقبه هزيمه وهزيمه يعقبها نصر .
حتى اقتنع الطرفين انه لابديل عن حلول سياسيه لخلافاتهم.
وهنا ظهرت فكرة زواج اجمل قتيات البيت الطولونى وهى اسماء بن خمارويه والمعروفه بقطر الندى من ابن الخليفه المعتضد بالله .
لكن الخليفه غير العرض ليكون هو العريس وليس ابنه وارسل الف الف درهم من الفضه مهرا للعروس الجميله درة البيت الطولونى .
قطر الندى .
جهاز وفرح وعرس اسطورى .
أراد خمارويه ان يظهر قوة ومجد وثراء دولته الطولونيه أمام العالم الاسلامى كله .
بل أراد أن يظهر أن الخليفه بمهرة القليل فقير ومعدم أمام عظمه وثراء ابنته ودولته حتى يعرف القاصى والدانى من هم الطولونيين ومدا ثراء دولتهم وعظيم مكانتهم .
فقام خمارويه بستدعاء شهبندر تجار بغداد ووضع تحت يديه الف الف دينار ذهبى من أجل جهاز العروس قطر الندى .
فخرج الجهاز اعجوبه من العجائب التى لم تتكرر وقد اسهب المؤرخون فى وصف جهاز العروس الجميله
قطر الندى
ومما ذكر عن هذا الجهاز . ان به دكه كبيرة من الذهب الخالص وضع فوقها اربع قطع كمظله تتدلى منها اربع جواهر كعناقيد العنب تخطف الابصار.
واذا ما جلست الاميرة على تلك الدكه الذهبيه وضعت ارجلها على كرسى صغير من الذهب حتى لا تلامس ارجلها الصغيرة الناعمه الارض .
وكان بهذا الجهاز ١٠٠ مبخرة من الذهب المكفت بالفضه وبها عطور واعشاب تم استيرادها من الهند .حتى تستمتع الاميرة وزوجها الخليفه بنسمات وروائح الغابات الاستوائية.
كما كان بالجهاز ١٠٠ هون من الذهب الخالص لطحن الورود والقاءها فى طريق الاميرة قطر الندى .
هذا غير الملابس الموشاة بالذهب والفضه والجواهر الثمينه.
وفى المجمل قد بلغ ثمن هذا الجهاز فى بعض المراجع إلى الفين الف دينار ذهبى .
هذا غير المنحه التى اعطاها خمارويه الشهبندر بغداد وقدرها ٣٠٠ الف دينار ذهبى .
ولم يكتفى خمارويه حاكم مصر بذالك بل أقام الافراح والليالى الملاح فى كل المدن المصريه اربعون ليله تقام فيها مؤائد الطعام للعامه ويستمعون لالوان المغانى والمعازف.
واكثر من ذالك فقد تكلف خمارويه بحنه وعرس كل فتاة مصريه خلال تلك الفترة .
وليكون كل شيىء اسطورى فقد أمر خمارويه ببناء قصر للاميرة فى كل مكان ستستريح فيه .
من الفسطاط المدينه السابقه عن القاهرة .
إلى بغداد . مرورا بالمدن الشاميه التى تزينت وارتدت ابهى حله لتستقبل ابنه حاكم مصر والشام وزوجه خليفه المسلمين وحاكم الارض فى هذا الوقت .
وكان بصحبه الاميرة فى رحله سفرها اعمامها وعماتها وقادة الجيش المصرى الطولونى وأخوها ابو العساكر.
وجموع الجيش المصرى ولفيف من الفقهاء والأدباء ورجال الحكم والسياسه والأعيان فى مصر والشام والجزيرة العربيه .
نهايه حزينه لاسطورة جميله .
ما ان وصلت الاميرة قطر الندى إلى بغداد حتى استقبلها الخليفه بحفاوة بالغه لكنه كان أشد تقديرا وفرحا بجهازها . الذى حوله إلى دنانير ودراهم استعان بهما فى اسقاط حكم الدوله الطولونيه . واعادة الشام ومصر مرة اخرى إلى حضن الدوله العباسيه .
وقد اوغر هذا الجهاز الاسطورى الذى استنفذ ميزانيه الدوله المصريه الطولونيه صدور كل رجال الدوله والعامه والخاصه.
وبعد عدة سنوات قليله حدثت مطالبات ماليه من جنود وقادة الجيش الطولونى .
وعندما لم ينصاع خمارويه لمطالب قوادة وبفعل دسائس الخليفه المعتضد بالله زوج ابنته قطر الندى .
قام حرس خمارويه باغتياله فى قصرة بدمشق .
وعندما تم القبض عليهم ادعوا انهم فعلوا ذالك لان الامير العظيم خمارويه كان يشرب الخمر ويفعل الفواحش .
وما أن سمعت قطر الندى ما حدث لابيها حتى حزنت حزن عظيم .
واصابتها سهام الحساد .
وتوفيت بعد عدة شهور من موت ابيها فى عز شبابها وهى لم تبلغ العشرين من العمر .
لكن اسطورتها واسمها صار مرادف للأفراح والعرائس والأيام السعيدة .فسبحان من له الدوام
وهكذا هى الدنيا لحظات من السعادة
وسط أعوام من الحزن .
كتب .احمد عبد الواحد ابراهيم