في زمن مليء بالأحداث السياسية المضطربة داخل العالم الإسلامي، ظهرت طائفة من رحم المذهب الإسماعيلي الباطني، هذه الطائفة قادت عمليات في غاية الحساسية وفي قلب صفوف أعدائها ألا وهي طائفة الحشاشين الذين استطاعوا أن يغتالوا كل منافسيهم تقريبًا.

وفي ظل الأحداث السياسية المضطربة داخل العالم الإسلامي، تواجدت خلافتان، الأولى عباسية معروفة ولها الأحقية في اتباع المسلمين لها، والأخرى فاطمية عبيدية ومشكوك في أصلها ونسبها، التي تمتلك أفكارًا باطنية منافية للعقل والدين، في هذا الزمن تواجد كذلك خنجرًا أوروبيًا والذي أحدث داخل العالم الإسلامي جرحًا عميقًا واستطاع أن يكون دولة في إحدى أطهر وأنفس وأقدس البقاع العربية، ألا وهو بيت المقدس.

ويصدقكم (آدم) القول أنه الآن ينتابه القشعريرة بينما يستعد لكي يقص لنا هذه القصة الكبيرة المليئة بالأحداث والدماء على حد سواء.

الرجل الذهبي لطائفة الحشاشين (الجزء الثالث):

يعرف الرجل الذهبي لطائفة الحشاشين بشيخ الجبل رشيد الدين سنان بن سلمان بن محمد، الذي ولد بقرية عقر السودان التي تقع في الطريق بين مدينتي البصرة وواسط، كان أبيه رجلًا من طبقة النبلاء والصفوة بمدينة البصرة، وبسبب صغر سنه وعدم وعيه، كان قلبه مدينةً بلا أسوار والتي قد غزتها الدعوة الإسماعيلية، فترك قريته هاربًا من أبيه متوجهًا إلى ألموت لينال الرعاية والتعليم، فلما حان وقته تم إرساله إلى الشام، واستطاع سنان من خلال ذكاءه وتفانيه الوصول لزعامة الفرقة في عام 1162م.

رجل طائفة الحشاشين الذهبي

رجل طائفة الحشاشين الذهبي

كانت فترة حكمه تمثل عصرًا ذهبيًا للفرقة في بلاد الشام؛ حيث فرض الإسماعيليون نفسهم كقوة مستقلة وسط النزاع بين الدولة الزنكية والتي تزعمها وريث السلطان نور الدين محمود بن زنكي، والأيوبية الوليدة بزعامة السلطان أبو المظفر الناصر صلاح الدين يوسف بن أيوب والصليبية بزعامة ملك بيت المقدس كونراد دي مونفيرا، وكان أول مهماته التي أرادها بعد وصوله للحكم هو دعم قوة فرقته فأعاد بناء قلعتي الرصافة والخوابي واستولى على قلعة العليقة.

اقرأ أيضًا: طائفة الحشاشين.. جذورهم الإسماعيلية وتحدياتهم السياسية

رشيد الدين وصلاح الدين:

وقعت أول محاولات طائفة الحشاشين لاغتيال صلاح الدين في ديسمبر 1174م/568هـ بينما كان يحاصر حلب، وتمكنت بعض طائفة الحشاشين من التسلل إلى معسكر صلاح الدين وقتل الأمير أبو قبيس وتلا ذاك عراك قتل فيه عدد كبير من الناس ولكن صلاح الدين نفسه لم يصب بأذى، وحدثت المحاولة الأخرى في 22 مايو 1176م\572هـ عندما كان صلاح الدين يحاصر عزز حيث تمكن بعض الحشاشين المتنكرين بزي جنود جيش صلاح الدين من التسلل لمعسكره ومهاجمته.

تمكنوا من قتل العديد من الأمراء ولكن صلاح الدين نفسه لم يصب سوى بجروح بسيطة بفضل الدروع التي كان يرتيدها، زقد اتخذ صلاح الدين بعد هذه الأحداث احتياطات واسعة للحفاظ على حياته، فكان ينام في برج خشبي أقيم خصيصا له ولم يكن يسمح لاحد لا يعرفه شخصياً بالاقتراب منه، يرجع بعض المؤرخين أسباب هذا العداء إلى تحريض كمشتكين حاكم مدينة حلب، كما أن هناك قصة يرويها بعض المؤرخين، وطبقًا لهذه القصة فقد قام عشرة آلاف فارس من النبوية (وهي طائفة دينية معادية للشيعة في العراق) بالإغارة في عام 1174م-1175م على مراكز الإسماعيلية في (الباب) و(البوزعة) حيث ذبحوا 13 ألف إسماعيلي.

رشيد الدين وصلاح الدين

رشيد الدين وصلاح الدين

انتهز صلاح الدين فرصة ارتباك الإسماعيليين وأرسل جيشه عليهم يغزو سارمين ومعرة مصرين وقتل معظم سكانهما. وقد يكون قد قام بذلك أثناء مسيره شمالا باتجاه حلب، وفي أغسطس 1176م تقدم صلاح الدين في أراضي الحشاشين تحدوه الرغبة في الانتقام وضرب حصار حول مصياف (كبرى قلاع الحشاشين) ولكنه لم يلبث أن فك الحصار وانصرف، ويعزي مؤرخ صلاح الدين عماد الدين سبب الانسحاب إلى وساطة أمير حماة خال صلاح الدين الذي ناشده جيرانه الحشاشون التدخل لصالحهم، بينما يقدم مؤرخ آخر سببًا أكثر اقناعًا وهو هجوم الفرنجة على سهل البقاع وما ترتب على ذلك من حاجة ملحة لحضور صلاح الدين هناك.، وبعد هذه الوساطة أصبح هناك سلامًا نسبيًا بين صلاح الدين وسنان.

في 28 أبريل 1192م/588هـ تمكنت طائفة الحشاشون من توجيه ضربتهم الكبرى باغتيال المركيز كونراد من مونفيرا ملك بيت المقدس بينما كان في صور، تخفى مغتالوه في زي رهبان مسيحيين وشقوا طريقهم إلى خلوة الأسقف والماركيز وعندما سنحت الفرصة طعنوه حتى الموت، ويذكر بعض المؤرخين تعاون صلاح الدين مع طائفة الحشاشين لتنفيذ الاغتيال، والبعض الآخر يقول أن الملك ريتشارد قلب الأسد ملك إنجلترا هو من كان وراء ذلك، وهذا بسبب الصراع الداخلي بين كونراد وغي دي لويزينيان ملك بيت المقدس السابق والذي خسر معركة حطين وتوفيت زوجته الملكة سيبيلا (الحاكمة الشرعية) على أورشليم، مما أفقد غي شرعيته لكي يحكم، وكانت عملية الاغتيال هذه هي آخر منجزات سنان الذي توفي عام 1192م/588هـ.

اقرأ أيضًا: رحلة طائفة الحشاشين في الشام.. قصة صراع ومؤامرات

ما قبل نهاية طائفة الحشاشين:

بدأ العد العكسي لنهاية طائفة الحشاشين بوفاة سنان، التي مرت بمرحلة قوية أبلت الطائفة فيها بلاءً حسناً، حيث واصل خلفاء سنان علاقاتهم الطيبة مع خلفاء صلاح الدين من الأيوبيين في الشام، وفي الوقت الذي كانت علاقتهم متشنجة بشكل كبير مع الصليبيين فقاموا بإغتيال ريموند ابن بوهيموند الرابع في كنيسة في طرطوس عام 1213م/610ه‍ـ، الأمر الذي أثار غضب بوهيموند الذي سارع في إلقاء الحصار على قلعة الخوابي إلا أن حكام دمشق وحلب الايوبيين لم يتأخروا في نجدة طائفة الحشاشين وإجبار الفرنجة على التراجع وفك الحصار، وفي غضون ذلك تمكنت طائفة الحشاشون بطريقة ما من تحصيل أتاوات (الجزية) من بعض الأمراء النصارى.

اقرأ أيضًا: هل يعود صلاح الدين الأيوبي ليحرر القدس من جديد؟

ففي عام 1227م بعث الإمبراطور فريدريك الثاني قائد الحملة الصليبية السادسة (1228-1229) وملك القدس بسفارة إلى زعيم النزاريين، وقد أحضر سفراء فريدريك هدايا بلغت قيمتها 80000 دينار، ولاقت محاولات فريدريك الثاني مع طائفة الحشاشين معارضة فرسان الإسبتارية، الذين سارعوا إلى الهجوم على القلاع النزارية وتكبيد الحشاشين خسائر مادية فادحة.

طائفة الحشاشين

طائفة الحشاشين

وفي حلول سنة 1228م أقام الطرفان (حلف تعاوني) تدفع بموجبه طائفة الحشاشين مبالغ مالية لفرسان الاسبتارية مقابل دفاع الاسبتاريين عن قلاع النزاريين من اعتداءات القوات الصليبية في أنطاكية وطرابلس، وقد تطور الأمر إلى تعاون الطرفين (الحشاشين والإسبتاريين) في حملة شنوها من قلعة الحصن سنة 1230م ضد أمير أنطاكية بوهيموند الرابع.

وكان هذا التعاون قد أثار غضب بوهيموند الخامس أمير أنطاكية، فقام بكتابة إلى البابا غريغوري التاسع يشكو فيه تحالف الاسبتاريين مع طائفة الحشاشين، ورد البابا على رسالة بوهيموند بأنه سيرسل لفرسان الإسبتارية لكي يكفوا عن ذلك، وفي تلك الأثناء كان هناك خطراً عظيماً قادماً من الشرق الأقصى، أكل الأخضر واليابس وصبغ الأراضي التي مر بها بلون الدم، فلنحبس أنفاسنا لما هو قادم في الجزء الأخير، وسنتعرف كيف أتت النهاية المأساوية لطائفة الحشاشين.

اقرأ أيضًا: السلطان السابع الملك الصالح نجم الدين أيوب

كتب: مصطفى خالد.