في زمن مليء بالأحداث السياسية المضطربة داخل العالم الإسلامي، ظهرت طائفة من رحم المذهب الإسماعيلي الباطني، هذه الطائفة قادت عمليات في غاية الحساسية وفي قلب صفوف أعدائها ألا وهي طائفة الحشاشين الذين استطاعوا أن يغتالوا كل منافسيهم تقريبًا.
وفي ظل الأحداث السياسية المضطربة داخل العالم الإسلامي، تواجدت خلافتان، الأولى عباسية معروفة ولها الأحقية في اتباع المسلمين لها، والأخرى فاطمية عبيدية ومشكوك في أصلها ونسبها، التي تمتلك أفكارًا باطنية منافية للعقل والدين، في هذا الزمن تواجد كذلك خنجرًا أوروبيًا والذي أحدث داخل العالم الإسلامي جرحًا عميقًا واستطاع أن يكون دولة في إحدى أطهر وأنفس وأقدس البقاع العربية، ألا وهو بيت المقدس.
ويصدقكم (آدم) القول أنه الآن ينتابه القشعريرة بينما يستعد لكي يقص لنا هذه القصة الكبيرة المليئة بالأحداث والدماء على حد سواء.
سقوط الحشاشين (الجزء الرابع):
سقطت الدولة الخوارزمية التي كانت تحت حكم السلطان جلال الدين منكبرتي بن محمد الخوارزمي، هو أيضاً خال لسلطان مصر المستقبلي المظفر سيف الدين قطز محمود بن ممدود، وقتل هو شخصياً على خلفية الأمر، ولكن لمن سقطت هذه الدولة؟ الإجابة هي المغول، السيل الجارف الذي عبر إلى الغرب إلى بلاد المسلمين وكانت الدولة الخوارزمية هي البداية فقط، واستطاعوا أن يخضعوا غرب فارس بأكمله.
ولم يهدءوا بعد حملتهم هذه، وقد أرسل الخان الأكبر (الذي كان يحكم حينئذٍ من بكين) حملة جديدة هي الأشرس بقيادة هولاكو مزودة بأوامر لإخضاع كل دول المسلمين حتى البعيدة منها مثل مصر، وعندما قاد هولاكو حملته عام 1256م/654هـ كانت القلاع الإسماعيلية أولى أهدافه، شنّت الجيوش المغولية هجمات على قواعد الإسماعيلية في رودبار وكوهستان، ولكن نجح الإسماعيليون في صدّ تلك الجيوش، وأفشلوا الهجوم ضد قلعة غيردكوه فشلاً ذريعاً، لكن شيخ الجبل ركن الدين خورشاه (زعيم الإسماعيليين) كان يؤمن بعدم جدوى المقاومة أمام الغزو المغولي؛ فحاول إقامة السلام معهم لإنقاذ دولته.
أرسل مبعوثاً إلى قائد المغول في همدان يعرض عليه الاستسلام والخضوع للدولة المغولية، لكن القائد المغولي اقترح أن يقدم ركن الدين خضوعه لهولاكو شخصياً، فأرسل أخاه شاهنشاه كحلٍ وسط، وفي نفس الوقت حاول المغول التقدم في رودبار؛ إلا أن الإسماعيليين تمكّنوا من صدّهم، غير أن هذه المقاومة الإسماعيلية لم تفلح في منع المغول من السيطرة على عدة مراكز إسماعيلية في كوهستان، حيث نجح المغول في اقتحام قلعتي (تون وخوان) وأعدموا كل من يزيد عمره على عشر سنوات، رفض هولاكو سفارة شاهنشاه وطلب مقابلة ركن الدين شخصياً لتقديم الاستسلام مقابل أن يضمن هولاكو سلامة الإسماعيليين.
فقرّر ركن الدين تسليم نفسه، وأمر جميع أتباعه بالنزول من القلاع ،وبالفعل أُخليت قلعة ألموت في ديسمبر 1256م\ذي القعدة 654 هـ، وعلى كل حال ففي عام 1256 م سارع البرابرة من المغول إلى تسلّق جدران قلعة ألموت التي بقيت صامدة بوجه أقوى الغزوات، وأبدى هولاكو إعجابه بمعجزة البناء العسكري للقلعة، ثم أمر جنوده بهدمها، ولم يستثنِ المكتبة، لكنه سَمح لمؤرخ في الثلاثين من عمره يُعرف بالجويني بدخول المكتبة، تمكّن من دخول هذا المكان العجيب الذي يحتوي على آلاف الكتب والمخطوطات النفيسة، ولم يكن الجويني يملك إلا عربة واحدة تُدفع باليد.
قرر الجويني أن من أول واجباته إنقاذ كلام الله؛ فأخذ يجمع على عجلٍ نسخ القرآن؛ حتى أمضى الوقت في نقلها، أضرمت المكتبة والتهمتها النيران على مدى سبعة أيام بلياليها؛ ولتضيع مصنفات لا يُحصى عددها؛ فلم يبقَ منها حتى نسخة واحدة، لا عجب مما فعلوه هنا في ألموت، فما سيفعلوه في بيت الحكمة ببغداد أفظع بكثير، وما إن اعتقل المغول ركن الدين أخذوه إلى قراقورم ليقابل الإمبراطور المغولي مونكو خان، أثناء الطريق اضطروه ليأمر ضباطه في كوهستان بتسليم قلعتهم إلى المغول، ففعلوا بعد أن أمَّنهم هولاكو على حياتهم، وبمجرد تحرّك ركّاب ركن الدين بإتجاه قراقورم قتلوا الآلاف من سكان القلعة، ولم يلبثوا حتى قتلوا ركن الدين وأسرته؛ ولم يستطع الفرار من القتل إلا إبنه (شمس الدين محمد).
قام المغول بجمع أعداد كبيرة من الإسماعيليين بحجة إحصاء عددهم، فقُتلوا جميعاً، استمروا بإقامة المذابح الرهيبة في كل مكان وجدوا فيه الإسماعيليين؛ فضلاً عن هدم قلعة ألموت؛ لتنتهي بذلك دولة الإسماعيليين في فارس، ولم ينجُ من الإسماعيليين إلا من اعتصم بجبال فارس، ثم قامت الحصون الأخرى، ففتحوا أبواب قلاعهم، واشتبكوا مع التتر في معارك قويّة طاحنة، قتل فيها اثنا عشر ألف إسماعيلي، وثلاثون ألف تتري ولم يتمكّن المغول من السيطرة على قلعة غيردكوه إلا عام 658هـ.
اقرأ أيضًا: دولة المماليك.. حكاية السلطة والفساد الذي قاد إلى السقوط
سقوط طائفة الحشاشين في الشام:
شاركت طائفة الحشاشبن في الشام غيرهم من المسلمين في التصدي للتهديد المغولي، وحاولوا كسب ثقة سلطان مصر والشام المملوكي الظاهر ركن الدين بيبرس البندقداري بإرسال السفارات والهدايا ولم يبد بيبرس في بداية الأمر عداء نحوهم، غير أن بيبرس لا يمكن أن يتوقع منه التسامح إزاء استمرار وجود جيب مستقل في قلب الشام، ففي عام 1265م أمر بجمع الضرائب والرسوم على طائفة الحشاشين ولم يكن باستطاعة طائفة الحشاشين الذين اضعفوا في الشام واثبطت عزيمتهم نتيجة مصير إخوانهم الفارسيين أن يبدوا أي مقاومةً تذكر، فأصبحوا هم يدفعون الجزية بدلا من أخذها من أمراء الدول المجاورة وسرعان ما أصبح بيبرس هو الذي يعين رؤساء الحشاشين ويخلعهم بدلًا من ألموت، التي سقطت بالفعل.
ففي عام 1270م إستاء بيبرس من موقف رئيس الحشاشين المسن نجم الدين فخلعه وعين بدله سريم الدين مبارك، وكان الرئيس الجديد يحكم من منصبه كممثل لبيبرس وأسثنيت مصياف من سلطته وجعلت تحت السيطرة المباشرة لبيبرس، ولكن سريم الدين استطاع أن يضم مصياف إلى أملاكه فعزله بيبرس وجاء به سجيناً إلى القاهرة حيث مات مسموماً هناك، واستولى عام 1271م/669هـ على قلعتي العليقة والرصافة وسقطت قلعة الخوابي في العام نفسه لتسقط بقيه القلاع عام 1273م/671 هـ لتنتهي بذلك دولة الحشاشين في بلاد الشام، طوى التاريخ صفحة طائفة الحشاشين، ويمكنكم قراءة القصة كاملة والأجزاء السابقة من خلال:
اقرأ أيضًا: رحلة طائفة الحشاشين في الشام.. قصة صراع ومؤامرات
اقرأ أيضًا: طائفة الحشاشين.. جذورهم الإسماعيلية وتحدياتهم السياسية
اقرأ أيضًا: طائفة الحشاشين.. قتلة في الظل وحلفاء في العلن
كتب: مصطفى خالد.