توقفنا في الجزء الأول عند بداية عصر محاكم التفتيش بعد خيانة الأمير أبو عبدالله لأبيه ثم عزله ومن ثم هروبه تاركا خلفه المسلمون وكل من هو مسيحي غير كاثوليكي يواجهون ابشع أنواع التطرف والاضطهاد الديني.
واليوم نستكمل ما بدأناه فهيا بنا لنتعرف أكثر عن الأندلس المفقود…
أظلت سحب الكراهية والتطرف والإرهاب سماء إسبانيا أو الأندلس سابقًا .
أعلنت الملكة إيزابيلا ألا يسكن معها فى شبه الجزيرة الإسبانية إلا مَن كان مسيحيًا كاثوليكيًا فقط فلا مذاهب أخرى غير الكاثوليكية ولا أديان أخرى ستسكن إسبانيا فلا إسلام ولا يهودية.
وعلى مَن يريد أن يتمسك بدينه عليه أن يترك ويهجر إسبانيا وأن يترك حقوله وأملاكه فقط يهرب بنفسه وأهل بيته.
ونقض الملك فرناندو ما تعهد به للمسلمين عندما استولى على غرناطة من إنه لن يتعرض لأتباع أي دين وخاصة المسلمين ولن يعتدي على ممتلكاتهم ولا دور عبادتهم بأي سوء.
بشرى
إحدى قرى مدينة غرناطة تعيش فى هدوء وسلام، أغلب سكانها من المسلمين لكن بها المسيحيين واليهود أيضًا ،يعيشون فى ود وتعاون ومحبة ،يزرعون الكروم وكثير من المحاصيل الأخرى ،لديهم اكتفاء ذاتى ويدفعون ما يتقرر عليهم من ضرائب لحاكم غرناطة بلا غضب ،فهم يعلمون حق الدولة التي تحميهم وتجعلهم يعيشون فى أمن وسلام.
لكن مع سقوط غرناطة ، اجتمع كبار القرية وعلى رأسهم العمدة صفي الدين الذي ورث منصبه هذا عن أجداده, الذين قدموا إلى هذا المكان وهو خاوٍ على عروشه ،فزرعوا فيه الأشجار وأجروا الأنهار وبنوا البيوت والدور حتى تحولت قرية بشرى إلى ما يشبه المدينة الصغيرة متعددة الثقافات والديانات.
فكان بها دور للعلم ومكتبة ملحقة بمسجد القرية الكبير مسجد الأمويين ، وأيضا دار لتصنيع الحديد فكل ماهو حديد لأغراض الزراعة يصنع فى القرية.
اجتمع كبار القرية ومن ضمنهم الأمير فيليب من أعيان قشتالة ، لكن لأن عائلته غيرت مذهبها غضب عليهم وتم اضطهادهم ومصادرة أملاكهم في قشتالة.
فترك الأمير فيليب قشتالة وجاء منذ زمن ليعيش فى قرية بشرى فى سلام هو وأسرته الصغيرة بعيدًا عن صراعات المذاهب والأديان.
وبعد نقاش طويل من كبار القرية دعي فيه شباب القرية لقتال كل ماهو إسباني وقطع الطرق وعدم دفع الضرائب لدولة إسبانيا التي احتلت غرناطة واستولت عليها بالخديعة وأيضًا تسليح جميع سكان القرية والاستعداد لقتال الغزاة الأسبان.
لكن شيوخ القرية وعلى رأسهم العمدة صفي الدين تحلوا بروح التفاؤل والسلام , وعقدوا العزم على إرسال محتسب القرية كوهين بضرائب القرية إلى حاكم غرناطة الجديد دليلا على طاعتهم واعترافهم بالسلطه الجديدة وعدم رغبتهم فى إثارة أي مشاكل مع السلطة الجديدة.
وذهب محتسب القرية كوهين الى غرناطة حاملًا أموال الضرائب المعتادة إلى حاكم غرناطة الجديد من قبل الملك فرناندو والملكة إيزابيلا (فيجو قائد الجيش السابق).
ورغم أن صفي الدين كان عمدة القرية إلا أنه أحد شبابها ، فقد تزوج منذ خمس سنوات فقط من ابنة عمه فاطمة بعد قصة حب تعرفها القرية كلها.
فقد كان أبيه وعمه فى حالة خصام دامت عدة أعوام بسبب عدة أشجار من الكروم ،هي في أرض هذا أم ذاك.
ولم تعود العلاقات إلى طبيعتها إلا عندما أنقذ صفي الدين عمه من يد القشتاليين فى إحدى غزواتهم على قرى غرناطة بشكل مفاجئ وتصدى أهالي قرية بشرى وأظهر صفي الدين بسالة وشجاعة نادرة وقدرة على المبارزة ومعرفة بفنون الحرب.
تلك الغزوة استشهد بها هشام أبو صفي الدين وكان عمدة القرية ، وتم قهر وهزيمة الأسبان شر هزيمة تسامعت بها كل الأندلس من أقصاها إلى أدناها فكيف لقرية وبعض الفلاحيين والقرويين المسلحيين بالفؤوس والمناجل أن تهزم جيشًا حديثًا وتقاومه حتى يأتي جيش غرناطة ويلحق الهزيمة الكاملة بجيش قشتالة وأرجون.
لهذا عندما عاد صفي الدين مع أهله إلى بشرى تنازل له عمه عن منصب عمدة القرية وزوجه ابنته المحبوبة فاطمة.
عاد المحتسب كوهين إلى القرية التي كانت في انتظاره على أحر من الجمر ، وبعيون باكية قال لهم كوهين أن القائد فيجو كان من ضمن الجيش الذى هزمته القرية منذ زمن.
وأخبرهم أنه لم ينسى يومًا ما فعلته قرية بشرى وهو -أي القائد فيجو- لديه أوامر صارمة من الملكة إيزابيلا بألا يسكن في إسبانيا إلا مَن كان مسيحيًا كاثوليكيًا فإما أن تتنصر القرية أو تهاجر إلى حيث يريدون .
صدمت القرية وران صمت رهيب على الجميع…
إلى اللقاء في الجزء الثالث من الأندلس المفقود.
كتب: أحمد عبد الواحد إبراهيم