المشهد الأول

(ثلاثة من الأصدقاء متقدمين في العمر يحمل كل منهم سيجارة يشاهدون برنامجا عن التدخين في التلفاز ويتبادلون الحوار)

راشد: أتتذكرون أيام دراستنا الجامعية ؟
سعيد: نعم.. وكيف ننسى تلك الأيام الرائعة الجميلة، وهل تمحى أيام الشباب من الذاكرة ؟!
حسن : ما أسرع الأيام! ها نحن تقترب أعمارنا من نهايتها ومازال صوت أستاذ الأحياء يتردد في سمعي وهو يحذرنا من التدخين واضراره.
سعيد : ( نعم، نعم يا شباب كل سيجارة تدخنها تنقص من عمرك لا أعرف لها فائدة واحدة، لماذا يقبل عليها الناس، لماذا يعيشون بسببها في مرض وكـــــــآبة ؟
راشد: وكـــــــــــآبة (بصوت خشن) هكذا كان ينطقها رحمه الله .
حسن : نعم مات وهو يدرس الطلبة رغم إنه لم يكن مدخنا يقولون أصابته سكتة قلبية .. سكتة قلبية !!عجبا … لم يكن مدخنا ( بصوت منخفض )
راشد: و نحن المدخنون يمتد بنا العم….ر …ر .(يتقطع صوته فجأة )
راشد وحسن : طبييييب….إسعاف….يا اهل البيت…..

المشهد الثاني

(غرفة طبيب ,,يحاول الطبيب جاهدا إنقاذ حياته والأهل والأصدقاء يتابعونه بنظرات القلق والتوتر) أصوات ألم مختلطة ( كيف … متى …. لماذا )
هل وصل الطبيب ؟ من كان معه عندما سقط ؟ سينجو إن شاء الله… بسرعة إنه يلفظ أنفاسه الأخيرة ….افعلوا شيئا .. مازال يتنفس ….

الطبيب: (بحزن) البقاء لله لا أمل للأسف، لعن الله السيجارة .
لم يبق في جسده موضع لم يسلم من السرطان الذي سرى في كل أعضائه
راشد وحسن : رحم الله صديقنا كيف دمرته السيجارة بهذه السرعة ليتنا استمعنا لنصيحتك يا معلم الأحياء ولكن ماذا يفيد الندم ؟! فات الأوان

المشهد الثالث

(المحاكمة)

يظهر المتوفى في صورة شبح وفي الزاوية تظهر السيجارة يطارد شبح المتوفي السيجارة ( سعيد) والعكس تحاول السيجارة الفرار ثم يمسك بها قائلا : أنت من قتلني ,,لن تفلتي مني،لن اترك حقي…..تعالي يا قاتلة .. هل تظنين أنك ستفلتين من العقاب أمامي … تحركي … هيا بنا الى ساحة المحكمة)

(قفص اتهام وشرطي يدفع بالسيجارة إلى داخله ويواجه سعيد القاضي)

– سعيد :سيدي القاضي اسمح لي .. اسمح لي ان اقدم شكواي ضد هذه المجرمة الذي سلبتني حقي في الحياة وقتلتني … إن السيجارة (القاضي يقاطعه)
– القاضي: من أذن لك بالحديث؟! للمحكمة آداب وقوانين تمنعك من الحديث إلا بعد أن يؤذن لك… فليجلس الجميع هادئا …..أيها الحاجب ناد على القضية والحضور.
– الحاجب: قضية رقم (3) دعوى مقامة من متوفي ضد السيجارة وشركات التبغ يتهمهم فيها بالتسبب في إصابته بالسرطان الذي أدى إلى وفاته .
– الحاجب : المتوفي….حاضر,, ,السيجارة….حاضر..
مندوب شركات التبغ…..حاضر مندوب الدعاية والإعلان : حاضر
الشهود(راشد ),حاضر….. ( حمد ) حاضر ..
– الحاجب (بصوت عال) … محكمة
– القاضي : أيها المتوفى قدم شكواك نحن نستمع إليك ..
– المتوفي(سعيد ): سيدي القاضي,, على مدار خمسين عاما وتحديدا منذ كنت أدرس في الجامعة بدأت مصيبتي الكبرى ….. في طريقي للجامعة كنت أرى الإعلانات ذات الألوان المبهجة منتشرة في كل مكان… في الشارع …في الصحف… في التلفاز…. فوق الجسور…..ألذ مذاق .. متعة لا تنتهي كثيرون – وأنا منهم – جذبتهم الألوان وشعروا بالرجولة وهم يتابعون الدخان في الهواء …الأفلام …المسلسلات .. الأصوات المحذرة نادرا ما نسمعها لقد صمتت كل الأصوات أمام إغراءات شركات التبغ التي جعلت من المدخن فارسا على حصانه … هكذا صورته الإعلانات … الشباب له بريقه… السيجارة عنوان رجولتهم

– القاضي(مقاطعا):  أين الجريمة فيها تقول ؟! كف عن العبارات الرنانة التي لا تفيد أريد تهمة واضحة …إذا عجزت عن تحديد التهمة بوضوح نؤجل القضية حتى تستعين بمحام يتحدث بلسانك.
– سعيد: لا لا لا سعادة القاضي التهمة واضحة وضوح الشمس والجريمة ثابتة لا تحتاج أدلة ومحامين … ألا يكفيك وقوف القتيل بين يديك ( يشير إلى نفسه )
– سيدي القاضي … لقد تآمرت شركات التبغ فيما بينهما مع شركات الدعاية بطعني أنا والملايين من الأشخاص المخدوعين طعنات أدت للوفاة متأثرين بالسرطان وغيره من الأمراض التي تسببها .
– القاضي: أيها الحاجب ناد على الشهود.
– الحاجب: الشهود يتقدمون ( يتقدم حسن وراشد مع الطبيب نحو القاضي )
– القاضي: قولوا والله العظيم نقول الحق
– الشهود: والله العظيم نقول الحق
– القاضي: هل ما ذكره المتوفي من تهم السيجارة و شركات التبغ صحيح
– الشهود: نعم كل ما ذكره صحيح
– القاضي: وما دليلكم؟ … الطبيب : لدي تقرير طبي عن وفاته .( يقدمه للقاضي الذي يطالعه ثم يسلمه للحاجب
– راشد وحسن : لقد كنا أصدقاء طفولة على مدى خمسين عاما بدأنا خلالها رحلة التدخين المشؤومة ؛ معا كنا نحترق بالسيجارة في آن واحد وللأسف كذلك كنا بجواره أثناء سقوطه وقت مرضه وكذلك لحظة وفاته متأثرا بالسرطان .
– القاضي:(للسيجارة) ماذا لديك من ردود على التهم الموجهة إليك؟
– السيجارة: سيدي القاضي أنكر تماما كل التهم جملة وتفصيلا وألتمس من سيادتكم الاستماع إلى مندوب التبغ وتأجيل شهادتي لبعض الوقت حتى أتمالك أعصابي وأتمكن من الرد على تلك التهم الباطلة
– القاضي: لا مانع…….فليتقدم مندوب شركات التبغ إلى المنصة

– مندوب شركات التبغ: سيدي القاضي لو تفسح لي المجال بمزيد من الوقت لأتحدث بشيء من التفصيل.

– القاضي: تفضل الوقت معك .. طالما في خدمة العدالة .. فقط لا أريد سوى الحقيقة .. الحقيقة فقط لا غير.
– مندوب شركات التبغ: سيدي القاضي نحن تجار وأي تاجر لا هم له سوى أن يروّج بضاعته وأن يحقق من الأرباح ما يضمن له الاستمرار في السوق مهما كلفه ذلك من دعاية تصل ببضاعته إلى جميع فئات المستهلكين
– القاضي: (مقاطعا)…لكنّ بضاعتكم مميتة … قاتلة. مدمرة
– المندوب: وهل خدعنا أحدا؟! لقد أعلنا بالتفصيل عن سلعتنا وكذلك ذكرنا مكوناتها وقد بالغت الدول في تقدير الضرائب علينا ورفع أسعار السجائر ووضع صور منفرة على علبة الدخان وتحذيرات من وزارة الصحة بأن التدخين سبب رئيسي لأمراض السرطان والرئة وغيرها من الإجراءات الاحترازية … والنتيجة كما ترى سيدي السيجارة في كل فم ..ذكور .. إناث … كبار … صغار .. متعلمون … جهلاء .. ما ذنبنا؟ ما ذنبنا ؟ نحن نحاكم بلا ذنب بلا ذنب سيدي .. تركتم الجاني بلا عقاب.
نحن لسنا الجناة. نحن لسنا الجناة . نحن لسنا الجناة
– القاضي: ماذا تريد أن تقول؟ …. اختصر حديثك .
– المندوب: باختصار يا سيدي التهم كلها باطلة من يدخن هو المسؤول عن أفعاله وتصرفاته إن كان هناك جاني فهو المدخن بلا جدال سيدي …التدخين حرية شخصية
– القاضي: يكفني ما قلت …الآن ننتقل إلى المتهم الثاني .. أيها الحاجب ناد على مندوب شركات الدعاية والإعلان .
– الحاجب : مندوب الدعاية والإعلان يتقدم للمنصة .

يخطو شاب بملابس غربية نحو المنصة ببطء يسأله القاضي عن اسمه ووظيفته ، ثم يطلب منه أن يقسم على قول الحق .

القاضي : ما أقوالك على التهم الموجهة إليك من المتوفى بأنك متسبب في وفاته ؟
( المندوب يتظاهر بالسعال ثم يخاطب القاضي )
– سيدي القاضي في الواقع أنا لا أعلم شيئا عن سبب وجودي بالمحكمة ولا التهم المنسوبة لي .
– القاضي : أنت متهم بالتسبب في قتل الملايين من البشر عن طريق نشر إعلانات ترويجية عن التدخين .
– مندوب الدعاية : قتل … تدخين …. إعلانات .. الأمر لا يبشر بالخير ، لا .. لا ..سيدي القاضي ؛ دعني أوضح لكم جميعا طبيعة عملنا … لنا علاقة خاصة مع التجار وأصحاب الشركات .
– القاضي ( مقاطعا ) وضح لنا هذه العلاقة كي تنكشف حقيقة الأمور وتتحقق العدالة .
– المندوب : سيدي القاضي الأمر باختصار أننا كشركات دعاية يقتصر دورنا على إقناع الجميع بشراء المنتج الذي تطرحه الشركات من خلال دعاية مميزة تجعل الجميع يقبل على شرائه ، شعارنا لكل المنتجين ( نحن الأفضل وإن لم نكن الأوحد .
– القاضي : أريد مزيدا من التوضيح .
– مندوب الدعاية الأمر بسيط ، تقدم لنا الشركات منتجاتها فنكسوها بأبهى الألوان ونزينها بأعذب العبارات وأكثر المناطق تشويقا ، ثم نقدمه للمستهلكين من خلال وسائل الإعلام المتنوعة كي يصبح مرغوبا من الجميع .
– القاضي ( مقاطعا ) : حتى وإن كان المنتج مدمرا ؟
– المندوب متعجبا : وما علاقتنا بذلك ؟ لو طلبت منا الشركات أن نقدم السمَّ على أنه عسل لفعلنا ، دورنا دعاية من أجل مزيد من الربح ، الربح فقط لا غير ولا شأن لنا بالمنتج وعيوبه وأضراره .
– القاضي منفعلا : عد إلى القفص ودعونا نستمع إلى المتهم الرئيسي .. أيتها السيجارة هل استجمعت قواك؟ هل جاهزة للرد على التهم الموجهة إليك ؟.
السيجارة: نعم …سيدي, بعد شهادة المندوب لن أزيد … فقط كلمات قليلة ….سيدي القاضي لم ارتكب جرما هؤلاء البشر عجيب أمرهم يتلذذون بفعل كل ما يؤذيهم …يحرقون أموالهم …يدمرون صحتهم .. يشوهون الطبيعة المحيطة بهم ….يلوثون الهواء بدخانهم ثم يلقون بالتهم علينا فهل انا مذنبة يا حضرة القاضي ، هل أنا مذنبة ( تتظاهر بالبكاء )ومندوب الشركات يربت عليها .
– القاضي: الحكم بعد المداولة .
يظهر الحاجب وهو يحمل أوراقا ويقف خلف القاضي

( الجميع يقف انتظارا للنطق بالحكم )

– الحاجب بصوت عال : محكمة .
– القاضي : بعد الاطلاع على أوراق القضية والاستماع إلى أقوال الشهود والمتهمين قررنا ما يلي :
أولا : إخلاء سبيل السيجارة ومندوب الشركات ومندوب الدعاية والإعلان ثانيا : إعدام المتوفى بعد إلزامه بدفع مصروفات القضية …. رفعت الجلسة ..
– السيجارة والمندوبان يلوحون بعلامة النصر مرددين … يحيا العدل

يتم الإعداد لعملية الإعدام للمتوفى الذي يصيح مرددا قوله تعالى (مَّنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ ۖ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا ۗ وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِّلْعَبِيدِ )

– بينما يقوم مندوب الدعاية بالتقاط صورة للحدث بهاتفه
مرددا بصوت عال : ربما تنفعني الصورة في إعلانات قادمة .

 

ستارة

 

 

كتب/ هشام أحمد