دعونا نُدَلل أنفسنا قليلاً بتأمل بسيط من عقولنا فيما يحدث حولنا يومياً وننظر له بطريقة مختلفة من زاوية جديدة.
سمعت قصة ذات مرة تقول ”ذكرت العرب أن أفعى دخلت ورشة نجار اعتاد ذلك النجار على ترك عُدَّتُة علي الطاولة وكانت الأفعى تتجول ليلاً في الورشة فمرت الأفعى فوق المنشار فجُرحت بأسنان المنشار الحادة وكَرَدْ فعل طبيعي من الأفعى ولطبعها الهجومي قامت الأفعى بِعَضْ المِنشار حتي تنفس سُمّها عليه فجُرِح فمها فاعتقدت الأفعى أن المنشار قد هاجمها فلجأت لسلاحها الأخير الفتَّاك وقامت بلف نفسها حول المنشار محاولةً أن تعصره فتقتله أو تخنقه فتقطعت الأفعى والمنشار بقي منشار ”
لو أمعنّا النظر في تلك القصة قليلاً لوجدناها تشبه قصتنا مع الدنيا فالبشر كالأفعي والورشة هي الحياة والمنشار هو كل تلك الأحداث التي نمر بها يومياً فتخدش أرواحنا وتؤلم قلوبنا أثناء سيرنا وسعينا في هذه الحياة.
ولكن أَنسينا قوله تعالي لنا {لَقَدۡ خَلَقۡنَا ٱلۡإِنسَٰنَ فِي كَبَدٍ}البلد4، إن الله عزوجل لم يُرد بالدنيا أن تكون دار استقرار أو دار سلام بل أرداها دار إزعاج وانزعاج كي نعلم أنها دار إقامة مؤقتة حتي الأنبياء ما سلموا من المنغصات قال تعالي {وَكَذَٰلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَيَاطِينَ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ} الأنعام :112
فالله له حكمة من هذا فقال تعالي: {وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لَّفَسَدَتِ الْأَرْضُ} البقرة:251.
فربط الله عزوجل بين المنغصات وبين صلاح أمر الدنيا.
فمادامت الحياة قائمة ستبقى المصائب والهموم تأتي كل يوم، سيبقى الفشل في الدراسة وفي المشاريع كل يوم، سيبقى المرض والموت يطرق أبوابنا كل يوم فنحن لا نستطيع أن نغير هذه الأمور فليس لنا يدٌ فيها ولكن يمكننا أن نصبح أفضل بالرغم من إحاطتنا بكل هذا.. كيف؟ من النظرة!!!! النظرة التي ننظر بها للحياة
قد قال الدكتور مصطفي محمود رحمه الله شيئا في منتهي العظمة يقول إنه إذا وصل الإنسان لمرحلة الإدراك بأن كل شيء يحدث له ومعه من هموم ومصائب وغيرها هو بيد الله وبحكمة منه عزوجل سيصبح راسخاً ثابتاً في الأرض كالجبال لا يهُذُّه شيء.
فالخدش البسيط هو مجرد درس حتى لا يأتي جرح أعظم وعلينا أن نكمل طريقنا وحياتنا مقتنعين أنه إذا لم نصب بالخدوش والجروح والآلام إذاً هناك شيء خاطئ في حياتنا.
إن الذين لم يفهموا الحياة يعيشون في وهم ظنا منهم أن الأرض كلها علي مؤامرة ضدهم بل وإنها لا تدور إلا لتذهب بهم إلي الجروح والمصائب وكأنهم لم يخلقوا إلا للمعاصي والإخفاقات، لكن هل اعتراضنا علي مصائب الدنيا سيجدي نفعاً؟ويوجد حلا!! إن أبسط تشبيه لاعتراضنا أنه مثل الصراخ في الصحراء لن يستجيب له أحد وكذلك لا يسمع أحد ولكننا نرهق أصواتنا وحناجرنا و نفوسنا.
إن الدنيا لا تشعر بنا ولا بمشاعرنا فالوحيد الذي سيقف معك هو “أنت” فكن قوياً من الداخل حتى لا تستطيع أي قوة علي وجه الأرض أن تسقطك أرضاً فاجعل قوتك تقهر الجبل عندما تصعده، فحارب الدنيا بعقلك لا بصراخك ولا يكفي أن تمتلك العقل وأنت تجهل كيفية استخدامه فحياة يقودها عقلك خير من حياة يقودها كلام الناس .
لا ولن يسلم مِنّا أحد من الحزن فالحزن جُبِل عليه الإنسان ربما نحزن من أوجاعنا، أو مصائبنا أو لفقد حبيب علينا أو بالفشل في شيء حاولنا النجاح فيه وربما الماضي أوْغَل فينا فأيقظ ما كان نائماً بداخلنا.
فكل يوم فيه حزن وكل شيء فيه حزن حتى الأبناء والزوجة والمال والنجاح يقول الله تعالي {ٱلْمَالُ وَٱلْبَنُونَ زِينَةُ ٱلْحَيَوٰةِ ٱلدُّنْيَا} الكهف:46 ولكن بهم ألم وفرحة كما بهم سعادة.
كل شيء له باب سعادة وآخر حزن فلولا الضد ما علمنا طعم الضد أي فلولا الحزن ما علمنا نعمة السعادة
ولا تظن إن ابتلاك الله أنه يكرهك حاشا لله فالله يذيق الإنسان طعم النعمة حتى تعلم وتفكر وتتدبر بها وتجد بديلاً للنعمة هذا هو منهجه الربّاني لتربية عبادة إن الله يبتليك لتبحث عن النور يغلق لك باباً حتى يرسل لك رسالة بأن هناك ألف باب حولك التفت إليه فهذا هو الله.
لا تعتمد على أحد في إنجاز عملك بل بادر وتحرك فإن المبادرة شيء غاية في الأهمية فأنت خلقت للسعي والمحاولة والكسل هو عقوبة الدنيا لمن لا يعمل فاعلموا واعملوا فقد وعد الله عباده قائلاً {قُلۡ هَلۡ يَسۡتَوِي ٱلَّذِينَ يَعۡلَمُونَ وَٱلَّذِينَ لَا يَعۡلَمُونَۗ} الزمر :9.
فدلل نفسك إن السعادة أغلى من أن تقتلعها من جذورها بينما الهم والحزن يأتيانك على طبق من ذهب بلا طلب ولكن السعادة اجر وإسع خلفها ولا تتوقف فمن رحمة الله عزوجل علي عبادة أن السعادة تكمن في أشياء بسيطة ربما جلسة مع الأصدقاء أو النظر في وجه والديك أو مكالمة من حبيب أو كوب قهوة في شرفة منزلك وغيرهم من الأشياء البسيطة جدا التي يمكنها أن تدخل الفرح والسرور على قلب إنسان وإذا كثر كلام الناس واشتدت عليك المصائب فانظر للقرآن متمعناً فيه فما أروعة قال تعالي {فَقُولِيٓ إِنِّي نَذَرۡتُ لِلرَّحۡمَٰنِ صَوۡمٗا} مريم: 26
فأعظم أسلحتك هي الصمت لا تدافع حتى عن نفسك، إن مجادلة الجهلة خسارة بكل معاني الكلمة ولو تكلمت فلن يصمت الناس بل سيزيدون، فلا تُقرب أحد منك بالقدر الذي يؤلمك إجعل دائماً مسافة بين قلبك وقلوب الآخرين تكون مسافة آمان لك فالقلوب لو اصطدمت لن تعود كما كانت والأرواح لو جرحت لا تلتئم.
قال علي بن أبي طالب “واحرص علي حفظ القلوب من الأذي، فرجوعها بعد التنافر يصعب”
قال عزوجل { إِنَّ ٱللَّهَ يُدَٰفِعُ عَنِ ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ} الحج38.
مثل بريطاني شهير «لا تتوقف عندما تتعب، توقف عندما تنتهي».