“احتضن كل نفس تأخذه، احتفل بحياتك، عشها لا تمت قبل موتك؛ إن السعادة الحقيقة تكمن في الامتنان، لذا كن ممتناً، كن حياً وعِش كل لحظة”

بهذه العبارة البسيطة النابعة من القلب انهت منيبة مزاري أحد خطاباتها الحماسية والتي هي مشهورة بها والملهمة للآخرين.. فيتوالى بعد هذه الكلمات التصفيق الحار تقديراً لها ولمكانتها وكلماتها وأعمالها التي بمثابة نجمة تلمع وسط ظلام سماء خالية من النور فيأتي نور الإلهام منها.

images 2021 02 16T174439.815

منيبة مزاري في إحدى لقائاتها

منيبة مزاري هي امراة باكستانية الجنسية ذات الثلاثة وثلاثين عاماً ،وهي مقدّمة تلفزيونيّة وناشطة اجتماعيّة مشهورة بفنّها وخطاباتها الحماسيّة والملهمة، ممّا أدّى إلى اختيارها ضمن قائمة “بي بي سي” لأكثر 100 سيّدة تأثيرًا لعام 2015م
كانت عارضة الأزياء الأولى لشركة “توني آند جاي” الباكستانيّة على كرسيّ متحرّك، إلى أن أسّست علامتها التّجاريّة الخاصّة “Muniba’s Canvas”.
وفي ديسمبر 2015م، اختارتها الأمم المتّحدة كأوّل سفيرة للنّوايا الحسنة لباكستان.

ولكن كل هذا النجاح بل وأكثر منه بكثير لم تصل إليه بسهولة أو في ليلة وضحاها بل دفعت مقابله ما هو أكثر من ألم وتمزق روح والوقوف علي حواف اليأس لمرات عدة، إن النجاح لا يأتي لأي أحد بل هو لا يأتي بل يسعى إليه بقدمين حافية علي طريق من الجمرات حتي تصل له وتحقق فوزك وذاتك.

أحياناً تحدث بعض الأمور السيئة في حياتنا فنكره الدنيا كلها بسببها إن مُشكلة معظم البشر إن لم يكن كلهم أنهم يسمحون للمشاكل أن تدخل في عقولهم بل وتصبح حياتهم وتعيش معهم، ولكن إن الحياة لا تقف علي مشاكل، إن المشكلة الكبيرة بحق والتي لن تستطيع أن تتعامل معها هي حينما ستكون موتك

غير هذا فواجه المشكلة إما أنت أو هي وهذا ما كانت تدركه منيبة مزاري من داخلها وتؤمن به حق الإيمان

منيبة مزاري ولدت في أسرة باكستانية متوسطة الدخل لكنها متحفظة جداً وهذا حال غالبية الأسر الباكستانية حيث لا يستطيع الأبناء قول كلمة “لا” لوالديهم، تزوجت في سن الثامنة عشرة وبأمر من والدها وبعد عامين من زواجها تعرضت لحادث سيارة حيث وقعت سيارتها في إحدي الخنادق بسبب غفو زوجها أثناء القيادة بطريقة ما.

ونتيجة لهذا فقد أصيبت بالعديد من الإصابات فقد كسرت عظام ركبتيها و ذراعها الأيمن وعظام الكتف والترقوة ولكن الإصابة التي غيرت حياتها بحق وأثرت فيها بقوة كانت إصابة عمودها الفقري فقد فقدت حبلها الشوكي تماماً فتحولت من فنانة تهوي الرسم وتحبه إلي فتاة بأيدي لا تتحرك ولا تستطيع فعل شيء وبسبب عمودها الفقري أخبرها الأطباء أنها لن تستطيع السير مجددا ومما زاد الأمور سوءًا أنها وبسبب نفس الإصابة فلن تستطيع الإنجاب أبداً ولن تكون أماً.

images 2021 02 16T174346.534

منيبة مزاري

إن الهزيمة هي تلك التي تنبع من داخلك فإذا انتصرت علي ذاتك فأنت القوي فليس المرء بقوة عضلاته وبناء جسده، إن القوة هي قوة الإصرار والمدائبة؛ في عالم البشر الهزيمة تبدأ من الداخل وكذلك الفوز يبدأ من الداخل بغض النظر عن الظروف والمواقف.

وهذا ما كانت تؤمن به منيبة فكانت تؤمن بنفسها وذاتها ، من داخلها تشعر أن شيئا أفضل في انتظارها
وعلمت أنه إذا لم تشف ذاتها بنفسها فلن يتمكن أي طبيب من فعل هذا فبدأت بنفسها وطلبت أن ترسم لأنها شعرت من داخلها أن قد استاءت بسبب النظر لجدران المستشفي البيضاء، فرسمت وهي علي فراش موتها.

وقالت أنه كان أعظم علاج خضعت له دون أي كلمة أو تلفظ أي حرف استطاعت أن تخرج كل ما في قلبها، الجميع كان باستطاعتهم رؤية الألوان في هذه اللوحة وحدها فقط من تستطيع رؤية الحزن والألم بها

إن قوة المرء ليست بوجود شخص ما بجانبه ولا وجوده بتواجده، من يتعلق بالناس يخسر الشيء الوحيد الدائم معنا أفكارنا فكل الناس تموت أما صاحب الفكر لا يموت لذلك قررت منيبة بعد رسمتها علي فراش موتها أن هذه هي اللحظة التي عليها أن تبدأ العيش فيها لأجل نفسها لا لأجل أحد أو لتصبح قدوة لأحد.

وقررت التغلب علي مخاوفها واحدة تلو الأخرى وأول ما حررت روحها منه هو زواجها ثم قررت و لكونها لن تستطيع أن تكون أماً ثانية أن تتبنى أحد الأطفال وبالفعل تبنت طفلاً رضيعا ولأن الأشخاص الجالسين علي كراسي متحركة يعتبرهم البعض أنهم أناس غير مثاليين في عالم مليئ بالمثالين فقررت أن تظهر للناس أكثر بدأت الرسم، وانضمت للتلفزيون الوطني الباكستاني قامت بالعديد من عروض الأزياء
والآن هي تتحدث عن حقوق النساء والأطفال.

هناك بعض الأشخاص إذا أصابتهم مصيبة تلو مصيبة تلو الأخرى يغلب عليهم التشاؤم والهزيمة وروح اليأس ، إن مقاومة الظروف تحتاج لإيمان راسخ كالحجر وكذلك فإن كل الظروف مهما كانت لا تستطيع ردع إنسان من تحقيق ذاته طالما آمن بنفسه.

images 2021 02 16T174416.039

المُلهمة منيبة مزاري

“لن تستطيع أن تمنع طيور المصائب أن تطير فوق رأسك ولكن علي الأقل لا تسمح لها أن تبني عشها داخل عقلك” مثل صيني

كتبت/ نورهان خالد أحمد