هنا القاهرة جملة حماسية شهيرة قالها المذيع أحمد سالم وكانت أولى الكلمات التي انطلقت عبر الإذاعة المصرية في افتتاحها عام 1934م.
عرفت مصر البث الإذاعي في عشرينيات القرن الماضي على يد مجموعة من الهواة الأجانب.
وفي عام1926م، سمحت الحكومة لهم بإنشاء محطات إذاعية أهلية، وتم إنشاء العديد من المحطات في القاهرة والإسكندرية بموجات مختلفة تحت أسماء مختلفة منها الأميرة فوزية، وراديو صايغ، وراديو فؤاد، وراديو مصر الملكية، وراديو فاروق، وراديو فيولا، وراديو سابو و،راديو القاهرة، وراديو ماجستيك، وراديو فريد، وانتشرت أجهزة الاستقبال لهذه المحطات في المقاهي، والمحلات العامة، وأصبح لها جمهورها في فترة قياسية.
وكانت المحطات ناطقة بعدة لغات مثل: الإنجليزية والفرنسية، والإيطالية للأجانب والعربية للمصريين.
وكان معظم أصحاب تلك الإذاعات من التجار الذين استغلوها للترويج لبضاعتهم مثل: محطة راديو فؤاد التي أنشأها عزيز بولس، ومحطة راديو فاروق التي أنشأها تاجر أجهزة الراديو إلياس شقال.
وكانت المحطات ضعيفة الإرسال لا تغطي أكثر من الحي الذي تذيع منه، ومعظمها أقيم في غرفة أو شقة صغيرة.
وكانت تتعرف على رغبات مستمعيها عن طريق الخطابات، وتراوح إرسال معظم المحطات ما بين ساعتين وأربع ساعات يوميًا.
وتقدمت شركة ماركوني البريطانية بمشروع إلى الحكومة المصرية؛ لإدخال الإذاعة المركزية إلى مصر بحيث تغطي أنحاء البلاد جميعًا.
وفي21يوليو1932م وافق مجلس الوزراء برئاسة إسماعيل صدقي على المشروع، وقد نص الاتفاق النهائي للمشروع على أن تفوض الحكومة المصرية شركة ماركوني البريطانية في إنشاء محطة للإذاعة اللاسلكية لحساب الحكومة، وتتولى الشركة إدارتها لمدة عشر سنوات قابلة للتجديد.
وبدأت شركة ماركوني في إقامة محطات الإرسال والتقطت مراكز الاستقبال في لندن، وباريس، وروما، وفلسطين الإرسال المصري بوضوح كما أقامت الشركة خمسة استوديوهات.
وفي 31مايو1934م استمع الناس إلى صوت أحمد سالم أول مذيع بالإذاعة المصرية يقول: هنا القاهرة يعلن بدء البث الإذاعي، وقد أقيم لهذه المناسبة احتفال كبير.
وقد نشبت خلافات بين الحكومة المصرية وشركة ماركوني مما حدا بالحكومة إلى أن تفسخ عقدها مع الشركة في الرابع من مارس عام 1947م.
وبدأت في تمصير الإذاعة في الجانب البرامجي والإداري.
وهكذا عرفت مصر الإذاعة في البداية على أيدي مجموعة من الهواة الأجانب ثم أقامت شركة ماركوني البريطانية الإذاعة المصرية، فكان لها الفضل في معرفة مصر بالأنظمة الإذاعية وبناء الاستوديوهات، ومحطات الإرسال والاستقبال اللاسلكية.
وتولى الإذاعة عدد من الرؤساء وكان سعيد باشا لطفي أول رئيس للإذاعة المصرية من عام 1934 إلى 1947م.
وعلى مدى تاريخها حمل رواد الإذاعة على عاتقهم نشر الثقافة والإبداع بين جموع الشعب المصري، وكان منهم على سبيل المثال وليس الحصر محمد محمود شعبان ” بابا شارو” وصفية المهندس أول صوت نسائي إذاعي انطلق ليس في الإذاعة المصرية فحسب بل في إذاعات المشرق العربي كله.
وقد حفر الكثير من عمالقة الإذاعة المصرية أسماءهم وأصواتهم في أذهان وآذان المستمعين على مر السنين من خلال تقديم مضامين هادفة ذات رسالة ومن هذه البرامج:
ساعة لقلبك / على الناصية / كلمتين وبس / همسة عتاب / ربات البيوت / غنوه وحدوتة / تسالي / قال الفيلسوف / لغتنا الجميلة / طريق السلامة / أغرب القضايا / زيارة لمكتبة فلان كما قدمت الإذاعة العديد من الأوبريتات والصور الغنائية مثل قسم وأرزاق / السلطانية / الدندورمة /علي بابا والأربعين حرامي / ألف ليلة وليلة.
كما قدمت الدراما الإذاعية التي أثرت في وجدان المصريين ونمت روح الخيال لدى المستمع وقدمت الابتهالات وقراءات عدة للقرآن الكريم بأصوات العديد من المقرئين منهم: الشيخ محمد رفعت والشيخ محمد صديق المنشاوي والشيخ عبد الباسط عبد الصمد والشيخ طه الفشني والشيخ مصطفى إسماعيل.
وكانت الإذاعة تجوب محافظات مصر؛ لتقدم كل شهر حفلًا غنائيًا يجتمع فيه أساطير الغناء وكانت كل محافظة تعتبر مجيء الإذاعة بهذا الكم من الفنانين والمطربين عيدًا لها.
ويعد شهر رمضان أهم شهور العام لدى وسائل الإعلام فقد حرصت الإذاعة على تقديم أفضل ما لديها من برامج ومن أشهر البرامج التي ارتبطت بشهر رمضان ” ألف ليلة وليلة ” التي كتبها طاهر أبو فاشا، وأخرجها الرائد الإذاعي محمد محمود شعبان، وقامت الراحلة زوزو نبيل بدور شهرزاد، وعبد الرحيم الزرقاني بدور شهريار.
وتربى على سماعها الكثير من الأجيال المصرية والعربية، وفوازير رمضان والسمسمية، ورمضان حول العالم، ومن وحي قصص القرآن الكريم، وبث مباشر من مسجد الحسين لتلاوة القرآن لمشاهير القراء قبيل صلاة الفجر.
وفي يوم 13 فبراير من كل عام يحتفل العالم باليوم العالمي للإذاعة كما اعتمدتها اليونسكو.
وقد جاءت فكرة الاحتفال بهذا اليوم من قبل الأكاديمية الإسبانية للإذاعة، وجرى تقديمها رسميًا من قبل الوفد الدائم لإسبانيا لدى اليونسكو عام 2011.
ويهدف اليوم العالمي للإذاعة إلى الانتباه إلى مكانة هذه الوسيلة الأساسية للإعلام، والاتصال في المشهد الإعلامي المحلي والعالمي والتعاون الدولي بين مختلف الإذاعات في العالم.