في زمن سيطر عليه الصراعات وفي عالم ملئته الحروب ، ما بين الحرب الباردة والصراع على سيادة العالم بين الاتحاد السوفيتي والولايات المتحدة ، وتجليها العسكري في الشرق في فيتنام وكوريا وغيرها ، أو في الغرب ، وأيضا الصراع العربي الإسرائيلي في منطقة الشرق الأوسط ، وفي وسط كل هذه الصراعات نشأ مجتمع تحلى بالسلام ، جنسيات أفراده بعضها ينتمي للسوفيت وبعضها ينتمي للمعسكر المقابل أي لأمريكا وحلفائها ، وأما موقعه الجغرافي فكان في وسط منطقة الحرب بين مصر وإسرائيل …
فكيف نشأ هذا المجتمع ؟؟ وكيف عاشو مدة ثمانية سنوات ؟؟ وهل تأثر أفراده بالصراعات في بلدانهم ؟؟
ما قبل قيام مجتمع مجتمع الأسطول الأصفر :
تبدأ القصة في الأول من يونيو من عام ١٩٦٧ بدخول ١٥ سفينة شحن للمجرى الملاحي لقناة السويس ، هذه السفن تابعة لثمانية دول وهي بولندا و تشيكوسلوفاكيا وبلغاريا وهي دول تنتمي للاتحاد السوفيتي ، وأمريكا وبريطانيا وألمانيا الغربية والنرويج في المعسكر المقابل والسويد في الحياد ، وأثناء مرورها وتحديدا في الخامس من ذات الشهر يدخل الطيران الإسرائيلي المجال الجوي المصري وتبدأ حرب الأيام الستة ، أو ما تسمى بنكسة ٦٧ ، التي سرعان ما انتهت بسيطرة المحتل الإسرائيلي على الضفة الشرقية للقناة وهي شبة جزيرة سيناء ، وانسحاب القوت المصرية للضفة الغربية للقناة .
وفي ذات الوقت استقرت ١٤ سفينة في البحيرة المرة العظمى ، وحاولو التحدث مع السلطات المصرية إلا أن السلطات المصرية رفضت التحدث ، وأمرتهم أيضا بعدم نزول أي قوارب نجاة من السفن.
وأمر الرئيس المصري جمال عبد الناصر بإغلاق المجرى الملاحي لقناة السويس حتى لا يستطيع الإسرائيليون الاستفادة من القناة ، وذلك لأجل غير مسمى .
لمحة خطيرة ونقطة تحول:
وفي لفته إنسانية رأى طاقم السفن الجنود المصريين وهم يحاولون عبور القناة من الضفة الشرقية للضفة الغربية ، وهو عبارة عن موت مؤكد ، فإما أن تخالف السفن الأوامر المصرية ، وأيضا هي تساعد جنود مصريين وهذا قد يعرض هذه القوارب لقصف إسرائيلي ، إلا أن الجانب الإنساني تغلب على كل هذا وتواصلت السفن مع بعضها عن طريق غرفت الراديو وبدأ الإنقاذ للجنود المصريين وتقديم الرعاية لهم.
وقدمت الإدارة المصرية الشكر لطاقم السفن ، فقامت بغلق غرفة الراديو بالشمع ، وتعيين أحد أفراد الأمن لحراسة هذه الغرف حتى لا تستيطع التحدث مرة أخرى ، أو مخالفة الأوامر.
نشأة مجتمع البحيرة المرة العظمى ” الأسطول الأصفر “:
وحتى يستطيع أفراد السفن تنظيم حياتهم طلبو من الإدارة المصرية مكان لأداء عبادتهم الأسبوعية ، فسمحت الإدارة المصرية لهم بالتجمع في أيام الأحد على إحدى السفن لأداء الصلوات .
ولكن لم يكن هذا التجمع لأداء الصلوات فقط ، ولكن كما ذكرنا لتنظيم حياتهم في الفترة المقبلة ومن هنا بدأت النشأة الفعلية لرابطة البحيرة المرة العظمى ، فكان لهم نشيد وعلم ، وقاموا أيضا بتطوير نظام بريدي وطبع طوابع خاصة بمجتمع البحيرة .
الرياضة في مجتمع البحيرة:
ليس هذا فحسب فأثناء قيام أولمبياد المكسيك في عام ١٩٦٨ قام مجتمع البحيرة أو الأسطول الأصفر بعقد أولمبياد أيضاً على متن السفن أو في الماء ، وعقدت أيضا مبارايات كرة قدم وكانت تلعب على السفينة التابعة لمهد كرة القدم (السفينة البريطانية) ، ليس هذا فحسب فالسفينة البلغارية كانت عبارة عن سينما يشاهدون فيها ما شاؤ من الأفلام ، منها أفلام خاصة بالحرب العالمية الثانية .
كانت السلطة المصرية سمحت بتغيير طواقم السفن كل ستة أشهر ، فكان الكثير من الطواقم يعودو إلى بلدانهم فقط ٦ أشهر ويعودو سريعا لمجتمعهم المفضل بعيدا عن الصراعات والحروب.
السياسة في مجتمع الأسطول الأصفر :
ولكن في أحداث ربيع براغ في تشيكوسلوفاكيا وهي محاولة إصلاح سياسي في الدولة ، وحدث معاها مظاهرات عظيمة ، ليدخل جنود السوفيت ومنهم جنود من بولندا وبلغاريا للقضاء على هذا الإصلاح مما أدي لمواجهات دامية وقتل ، وتعبيرا عن استياءهم مما حدث في بلادهم قامت السفينة تشيكوسلوفاكيا بقلب عالمها وأعلنت الحداد ، وفي لمحة إنسانية قام قبطاني السفينتين البولندية والبلغارية بمواساة طاقم سفينة تشيكوسلوفاكيا وأخبروهم أنه لابد ألا تؤثر الأحداث في بلادهم على صداقتهم في مجتمعهم.
نهاية الأسطول الأصفر :
بدأ بعد ذلك الحد من عدد الطواقم على السفن إلى أن جائت حرب أكتوبر عام ٧٣ وبعد انتصار مصر أمر الرئيس المصري محمد أنور السادات بتنظيف القناة من الحطام والألغام وذلك تمهيدا لإعادة فتحها ، وبالفعل قامت مجموعة اسطورية من الضفادع البشرية المصرية بتنظيف القناة في وقت قياسي وتمت إعادة فتحها مرة أخرى في الخامس من يونيو من عام ١٩٧٥ ولكن معظم السفن لم تكن صالحة للعمل مرة أخرى ، إلا سفينتين فقط استطاعو العودة إلى بلدانهم أجل عزيزي القارئ إنها الماكينات الألمانية استطاعت العودة بما فيها من حديد وصلب دون أن تتأثر الشحنات إلى ألمانيا بعد ثمانية سنوات وثلاثة أشهر وخمسة أيام كأطول رحلة بحرية في التاريخ .
في النهاية نرى من هذه القصة أن البشر يرفضون الصراعات ، ولا يريدون الحروب ، هم فقط يريدون السلام مع اختلاف جنسياتهم وقومياتهم ، ولكن لصالح من تحدث هذه الصراعات ؟ لصالح من تحدث هذه الحروب ؟ من المستفيد من كل هذا القتل في العالم ؟؟
أسأل تلك الأسئلة ولا أمتلك لها إجابة .. ولكن أتمنى أن يعيش العالم في سلام بعيدا عن الظلم والقمع .. اتمنى أن يأخذ كل فرد في العالم حريته ومساحته للتعبير عن نفسه .. اتمنى أن يعيش كل إنسان في بيته آمانا
فهل سيحدث ذلك قريبا أم هي مجرد أماني ؟؟
كتب : أحمد عبدالسلام