عزيزي القارئ وأنت تقرأ كلماتي في هذه اللحظة تعلم أن العالم يواجه مشكلة في نقص الغذاء في بعض الأماكن الفقيرة، ولكن هذه المشكلة كادت أن تصبح عالمية لولا لطف الله الذي سخر لنا العلم الذي يستخدمه العلماء لحل مشاكل هذا العالم، ولكن قد يستخدم العلماء هذا العلم أيضا لتدمير العالم، كمثل هذا العالم فبالرغم من مجهوداته ووضع حجر الأساس لحل مشكلة الغذاء، إلا أن مجهوداته أيضا قتلت العديد من الأبرياء في الحرب العالمية الأولى، إنه العالم الألماني فريتز هابر.
لمحة عن حياة فريتز هابر:
في شتاء عام 1868م تحديدا في التاسع من ديسمبر ولد فريتز في مدينة برسلاو التابعة لبروسيا ، والتي تحولت فيما بعد الإمبراطورية الألمانية، وحاليا هذه المدينة تابعة للأراضي البولندية.
والده سيغفريد هابر يهودي كان يعمل في تجارة الدهانات والأصباغ، أما والدته باولا هابر فتوفيت بعد ولادته مباشرة.
كان فريتز يعاني وعلى خلاف دائم مع والده، فوالده كان واقعيا لدرجة كبيرة، أما فريتز هابر كان طموحا لدرجة أكبر من واقعية والده، فبعد إنهاء دراسته الثانوية قرر فريتز الالتحاق بالجامعة ودراسة الكيمياء، لكن والده رفض بسبب احتقار المجتمع الألماني لليهود، لكن فريتز تمسك بحلمه واستطاع أن يقنع والده أن المجتمع الألماني تغير، وأصبحت المعتقدات الدينية ما هي إلا طقوس يؤديها الفرد فقط، وانتصرت رغبة فريتز هذه المرة.
وفي عام 1901م تزوج فريتز من كلارا إميرفار، وهي أول امرأة في التاريخ تحصل على درجة الدكتوراة في الكيمياء من جامعة بريسلاو، وأنجبا ابنهما الوحيد هيرمان في عام 1902م، وبالرغم من مساعدتها له في جميع أعماله، إلا أن زواجهما لم يكن سعيدا، وانتحرت كلارا بعد زواجها بأربعة عشر عاما، بسبب استخدام فريتز غاز الكلورين في الحرب العالمية الأولى.
تزوج بعدها في عام 1917م من شارلوت ناثان، على الرغم من فارق السن بينهما، وأنجبا إيفا و لودفيج، ولكن انتهى زواجهما بالطلاق في عام 1927م.
حصل فريتز على جائزة نوبل في الكيمياء عام 1918م؛ وذلك نتيجة لمجهوده في اكتشاف طريقة لإسالة النيتروجين وإنتاج الأمونيا، وبذلك البحث تم إنتاج الأسمدة النيتروجينية المصنعة وتم حل جزءا كبيرا من مشكلة الغذاء.
توفي هابر في عام 1934م ودفن في بازل بسويسرا بعد رحلة مع المرض.
مشكلة الغذاء ودور فريتز هابر في حلها:
إن مشكلة الغذاء يا صديقي تتلخص في عدم وجود قمح كافي لسد احتياجات البشرية، وقد لخصها ويليام كروكس في خطابه أمام الجمعية الانجليزية عام 1898م حيث حظر فيه بأن الإنسان الأبيض الأوروبي سيواجه مشكلة الجوع مع استمرار تزايد السكان، حتى لو تم زراعة كل الاراضي الصالحة للزراعة، والحل هو التوسعة الرأسية أي زيادة إنتاجية وحدة المساحة، والحل في عنصر النيتروجين.
اقرأ أيضا: الفيزياء الطبية وجهود العلماء لتطوير طرق التشخيص والعلاج
علاقة الزراعة بغاز النيتروجين:
وحتى تفهم عزيزي القارئ كيف لعنصر النيتروجين أن يحل مشكلة مثل مشكلة الغذاء، فدعني أحدثك قليلا عن عملية الزراعة، وهي عملية إنتاج الغذاء وبقاء الحياة على سطح الأرض.
فالنبات في دورة حياته يحتاج إلى ١٦ عنصرا وتنقسم هذه العناصر إلى عناصر أساسية، وعناصر كبرى، وعناصر صغرى.
فالعناصر الأساسية هي عناصر الكربون والهيدروجين والأكسجين، وهي عناصر يستطيع النبات أن يحصل عليها بسهولة من الهواء والماء، ويستخدمها النبات لإنتاج الطاقة التي يكمل بها دورة حياته عن طريق عملية البناء الضوئي، وبجانب العناصر الأخرى التي أهمها هو عنصر النيتروجين.
وبالرغم من كون الغلاف الجوي والهواء المحيط بنا يحتوي على عنصر النيتروجين بنسبة 78% إلا أن النبات لا يستطيع الاستفادة منه لأنه خامل، ولكن عن طريق بعض البكتيريا الموجودة في التربة تستطيع تثبيت هذا النيتروجين ويصبح صالح للنبات.
ولكن الكمية التي تثبتها تلك البكتيريا مستقبلا لن تكفي، والحل هو جعل هذا النيتروجين صالحا للنبات صناعيا.
اقرأ أيضا: “نترات الأمونيوم” القاتل الخفى
محاولات لعلماء آخرين لإنتاج غاز الأمونيا:
لم يكن فريتز هابر هو أول من بدأ العمل على هذا المشروع ولكن سبقه العديد من العلماء، أمثال العالم أوستفالد الذي حاول تصنيع مركب الأمونيا في وجود الضغط والحرارة والحديد كعامل حفاز، وعرض المشروع على شركة D-BASF، ولكن عند مراجعة النتائج بواسطة الكيميائي المنتدب من الشركة بوش تبين خطأ أوستفالد.
نجاح اكتشاف فريتز هابر لغاز الأمونيا:
وبعدها تعاقدت الشركة مع هابر، ودعمته بكل الوسائل والأجهزة، واستطاع فريتز بعد العديد من المحاولات ومع الإصرار والكبرياء، في عام 1909م أن يسمع في معمله قطرات الأمونيا قطرة تلو الأخرى، وحصل على براءة اختراع لهذه العملية حتى أن التفاعل سمي باسمه تفاعل هابر بوش، وذكر اسم بوش لأنه طورها صناعيا.
وحصل هابر على جائزة نوبل في الكيمياء عام 1918م نتيجة لهذا الاكتشاف.
وبذلك استطاع هابر توفير رغيف الخبز ليس لألمانيا وحدها ولكن للعالم والبشرية جمعاء.
اقرأ أيضا: جوزيف ستالين مؤسس الإتحاد السوفيتي
فريتز هابر أبو الحرب الكيميائية:
دقت الحرب العالمية الأولى الطبول، وأصبح كل إنسان مطالب بالدفاع عن وطنه، ليس الجنود وحدهم هم من يدافعون عن الوطن، وكان دور العلماء في الحروب العالمية كبير، فمن أبحاثهم يصلون إلى أسلحة فتاكة كالقنبلة الذرية.
ولكن هذه المرة لم يكن السلاح عبارة عن قنابل أو مدافع، بل غازات يحملها الهواء.
فالحرب العالمية الأولى كانت حرب خنادق، فكل طرف من طرفي الحرب مختبئا في خندق ويطلق الرصاص والمدفعية على الطرف الآخر، ولم يكن هناك ترجيح لأحد الكفتين، حتى دخول السلاح الكيميائي.
وجاءت معركة إيبر الثانيةمعركة إيبر الثانية، وفي يوم 21 إبريل من عام 1915م تغير اتجاه الهواء أخيرا ناحية دول الحلفاء، ففتح الجنود الألمان أنابيب غاز الكلورين السام، ليحمله الهواء تجاه الحلفاء، وما إن وصل الغاز الأصفر للخنادق لم يكن أمام الجنود إلا أحد الخيارين وكلاهما فيه هلاكهم، فإما أن يترك الخندق ويهرب بعيدا عن الغاز فيسهل على جنود دول المحور قتلهم، وإما البقاء والموت بالاختناق بسبب الغاز.
تسبب فريتز هابر في موت أكثر من 67 ألف قتيل خلال تلك المعركة، واتهمه البعض بأنه مجرم حرب، ودافع عن نفسه بأن هؤلاء الجنود كان الموت سيلحقهم لا محالة وأن السلاح الكيميائي أقل ضررا من تلك القطع الحديدية المتطايرة، فلا تحدث تشوهات ولكن تسبب إصابات أقل.
التناقضات كانت سر حياة هابر ، العديد والعديد من التناقضات ، مستحيل يتحقق ، وخير يتبدل لشر ، ويهودي يؤمن بالمواطنة ولعل هذه هي أغربها …
والخلاصة عزيزي القارئ أن كل شيء في هذه الحياة هو سلاح ذو حدين، كالسكين التي تستخدمها في طعامك، وكذلك تستخدم في القتل، وكذلك العلم كما قرأت عزيزي القارئ، وأيضا هذا الهاتف الذي بيدك عزيزي القارئ فيمكن أن تستخدمه في الخير أو الشر، فتابعنا يا صديقي واجعل استخدامك دائما في الخير.
اقرأ أيضا: عقل تمسك بالحياة بعد حرق جسده….ذكري أينشتاين