انخفضت قيمة الجنيه المصري في الساعات القليلة الماضية لأكثر من20%، فقد بلغ سعر الدولار الواحد أربعة وعشرين جنيها مصريا ولازال السقوط مستمرا.
بالطبع زادت وستزيد الأسعار، لأننا نعتمد على الاستيراد في شتى مجالات الحياة، في الطعام والشراب والوقود والسلع الاستهلاكية والأساسية ومدخلات التصنيع.

سعر الدولار والجنيه المصري:

السؤال المُلِح الآن هل سيتوقف الجنيه عن السقوط أمام سعر الدولار أم أننا لازالنا في أول طريق الهاوية والقاع لازال بعيدا؟ وكيفية الخروج من أزمة سعر الدولار وتأثيره على الجنيه المصري؟ وما هو دور الشعب في حل هذه الأزمة؟

سعر الدولار

سعر الدولار

كل هذه الأسئلة سنجيب عنها من خلال رصد التجربة اليابانية الحديثة.

فاليابان هي الدولة الوحيدة في العالم التي لم ترتفع فيها الأسعار طيلة خمسة وعشرين عاما كاملا، بل إن الأسعار تنخفض بها رغم الأزمات العالمية الاقتصادية والحروب ورغم ارتفاع سعر الدولار، فكيف فعل اليابانيون ذلك؟

اليابان في عام 1990:

كانت اليابان منذ الحرب العالمية الثانية وبعد الدمار الشامل الذي لحق بشتى أرجاء البلاد وتدمير مدينتين يابانيتين بالقنابل النووية، هما: هيروشيما ونجازاكي.
أمامها طريق واحد لا ثاني له إما العمل الجاد والمزيد من العمل بلا راحة ولا هدوء، لإعادة بناء بلادهم والإنسان الياباني.
أو الخروج من كتب التاريخ وتصبح اليابان بلد محتل ومستعبد ومهزوم بلا إرادة ومستسلم لإرادة الآخرين يفعلون به ما شاءوا بتحويلهم إلى بلد من العبيد، متخلف عن ركب الحضارة والتقدم.

اقرأ أيضا: مارك فابر.. نصائح مالية من أهم خبراء المال والأعمال

تجربة اليابان للصعود لقمة العالم:

اختار اليابانيون أن يكتبوا التاريخ بأنفسهم وبجهدهم ويعلمون العالم، أن الإنسان الذي يمتلك إرادة وشجاعة لا تستطيع أقوى جيوش العالم أن تهزمه.
وبدأت اليابان رحلة الإنتاج والتطوير والحرص على استهلاك كل ما هو ياباني، مهما قلت جودته أو غلى ثمنه قليلا عن البديل المستورد.
ولكن مع زيادة التطوير والتحسين أصبحت المنتجات اليابانية أكثر المنتجات العالمية جودة وأحسن سعرا من مثيلاتها الأوروبية والأمريكية.

تقدم اليابان

تقدم اليابان

أصبحت اليابان مصنع العالم ولها في كل منزل من منازل العالم سفير يشهد لليابان بحسن السعر والجودة وخاصة الأجهزة المنزلية، منها: التليفزيونات والفيديوهات وشرائط الكاسيت والفيديو ثم السيارات وقطع الغيار ثم أجهزة الكمبيوتر.
تعددت الاختراعات والابتكارات اليابانية في جميع الأجهزة المنزلية والحياتية.
أصبح الشعب الياباني في تسعينات القرن الماضي من أغنى شعوب العالم.

اقرأ أيضا: ارتفاع الأسعار أسبابه ونتائجه على المستوى القومي والعالمي 2022

دور الولايات المتحدة الأمريكية لتدمير اليابان:

تدخلت الولايات المتحدة الأمريكية لتقويم هذا العملاق الآسيوى وهو اليابان وتدمير اقتصاده قبل أن ينافس الولايات المتحدة الأمريكية وينتزع منها المركز الأول كأكبر اقتصاد في العالم والمتحكم الأوحد في الاقتصاد العالمي، كما تفعل الولايات المتحدة الأمريكية مع الصين وروسيا الآن.

اتفاقية بلازا 1885:

قامت الولايات المتحدة الأمريكية بالاتفاق مع حكومة اليابان على خفض قيمة الدولار أمام الين الياباني ضمن اتفاقية بلازا، مما شكل موجة من الثراء غير الحقيقي في البلاد.

سعر الدولار

سعر الدولار

أصبحت اليابان لأول مرة تستهلك أكثر مما تنتج، استوردت من الولايات المتحدة أضعاف ما تنتج وتصدر.
ضارب اليابانيون في البورصات واقترضوا الأموال واشتروا ما لا يحتاجوه وانبهروا بملذات الدنيا.
وبعد عدة سنوات من الاستهلاك المدمر وغير الرشيد انهارت البورصة اليابانية، فقد اليابانيون معظم أموالهم وتهاوى الاقتصاد الياباني  وتراجع عدة خطوات إلى الوراء.
شعرت الولايات المتحدة بالرضا فأصبح المركز الثاني لأي اقتصاد في العالم يبتعد كثيرا عن أصحاب المركز الأول وهم الولايات المتحدة الأمريكية.
زادت الاستثمارات الأمريكية في الصين وتايوان ليكونوا منافسين للاقتصاد الياباني ويزيدون من معاناته.

لكن اليابانيون تعلموا الدرس سريعا وعادوا إلى سيرتهم الأولى وسلاحهم الاقتصادي الفتاك، ألا وهو الادخار والاستثمار في بلادهم واستهلاك كل ما هو ياباني فقط مهما كانت المغريات والابتكارات.
كان شعارهم الزهد في أي شيء غلى ثمنه مهما كان ضروريا للإنسان والأسرة اليابانية.
تقشف اليابانيون وزهدوا في كل ثقافة أو منتج غير ياباني حتى ولو كان رخيصا.
واستمروا في الادخار مهما كانت قيمة مرتباتهم، فهم يدخرون أولا ثم ينفقون ما تبقى من مرتباتهم.

اليابان

اليابان

ولا يستثمرون إلا في بلادهم مهما كانت المغريات أوالتسهيلات فهم منعزلون وجدانيا وشعوريا عن بقية العالم، حتى أطلق الناس على بلادهم كوكب اليابان.
فهم يشعرونك أنهم لا صلة لهم بمشاكل الأرض فهم في جزيرة وعالم منعزلون يعملون ويجتهدون لخدمة أنفسهم فقط لا يستوردون شيئا إلا ما ندر ويصدرون كل شيء.

وأعتقد أن هذا هو السبيل الوحيد لنهضة مصر الادخار والإنتاج واستهلاك كل ما هو مصري فقط، من خلال بناء ودعم المبتكر والمخترع والصانع والفلاح والمستثمر المصري.

لقد بنى أجدادنا القدماء الفراعنة حضارة عظيمة معتمدون فقط على أفكارهم وقوتهم وموارد الطبيعة المصرية، فصنعوا من الحجارة أعظم حضارة يحكي عنها التاريخ.

فهل نقتدي بأجددانا القدماء وبأصحاب كوكب اليابان؟

اقرأ أيضا: إليك أفضل 5 طرق الخروج من أزمة ارتفاع الأسعار