منذ عقود بل ربما قرون، يتحدث الكتاب وأصحاب الرأي عن قوة خفية تحاول السيطرة على العالم اقتصاديًا وسياسيًا واجتماعيًا، يُعتقد أن هذه القوة الشريرة تتمثل في شركة بلاك روك، التي تمتلك استثمارات ونفوذًا كبيرًا في جميع أنحاء العالم، تقول بعض التقارير أن بلاك روك تسعى إلى إنشاء نظام عالمي جديد قائم على الاستبداد والسيطرة، حتى لو تطلب ذلك إشعال الحروب وقتل الملايين.
تتحكم بلاك روك وتدير أموالًا تفوق جميع ميزانيات جميع دول العالم ما عدا الولايات المتحدة الأمريكية موطن تلك الشركة، وفى الأعوام القادمة ستتخطى أموال الشركة ميزانية الولايات المتحدة الأمريكية نفسها، بلاك روك تتحكم الآن وتدمر أموالًا تفوق الواحد وعشرين تريليون دولار.
وبالمناسبة التريليون ألف مليار، والمليار ألف مليون، والمليون ألف ألف دولار، والدولار بسعر بلدك الآن كم؟ تخيل حجم تلك الأموال، لكن لنترك الخيال وأصحاب نظرية المؤامرة وقوى الشر العالمية، ونتحدث عن الحقائق ونتعرف كيف تكونت ونشأت بلاك روك الشركة التي تدير أموال العالم.
بداية شركة بلاك روك:
في عام ١٩٨٨م بعد أحداث اقتصادية دامية في بورصة نيو يورك من إفلاس وهبوط أسعار الأسهم إلى الصفر تقريبًا، تم تسريح عدد لا يحصى من الموظفين التي أفلست شركاتهم، ومن بين الموظفين الذين تم تسريحهم كان روبرت كابيتو، الذي كان يعمل في البورصة معشوقته الأولى لكنه سريعًا اتصل بأصدقائه وعملائه السابقين الذين يثقون في قدراته المالية والاستثمارية وجمع منهم الأموال؛ لإنشاء شركة صغيرة في البورصة، لتضارب في الأسهم الأمنة، أي الأسهم قليلة المخاطر وقليلة العائد أيضًا.
وبمرور الوقت ابتكر روبرت كابيتو شيئًا جديدًا لعملائه، ألا وهو تقارير دورية تقدم لعملائه بصفة منتظمة يقوم بها أفضل محللي الأسواق الأمريكية يقدون فيها كمية المخاطر الاستثمارية لأشهر الأسهم تداولًا في البورصة الأمريكية بناءً على حجم تلك الشركات صاحبة الأسهم ومنتجاتها والسيولة لدى الشركة، وانتظام هيكلها المالي وحجم ديونها الخارجية.
بالمختصر فإن بلاك روك ومحلليها الماليين يغوصون في أعماق تلك الشركات، ويقدمون عنها حقائق مهمة لا تكاد تخطئ تجعل العملاء والمضاربين يتخذون قرارات البيع والشراء وهم آمنون ومطمئنون من أن قرارهم هو القرار الصائب في هذا الوقت، وتطورت بلاك روك وأصبحت تتلقى عشرات بل المئات من العملاء المستثمرين والمضاربين في البورصة؛ ليحصلوا على مشورة وتحليل صادق ما أمكن لأحوال السوق الأمريكية واتجاه الأسهم والسندات به.
اقرأ أيضًا: تعرف على أهم فوائد الاستثمار في البورصة المصرية 2022
شركة بلاك روك والكمبيوتر:
وفى عام ١٩٩٤م قفزت شركة بلاك روك قفزة هائلة نحو المستقبل، بأن قامت بإدخال الكمبيوتر إلى مقر الشركة لكن ليس كمبيوتر لحفظ المستندات والبيانات بل كمبيوتر يحمل في أعماقه جني من عالم الأساطير ألا وهو برنامج علاء الدين، لا تندهش بالفعل قام روبرت كابيتو وباربرا نوفيك وبين غالوب وسو وانجر وكيث اندرسون أعضاء مجلس قيادة أموال العالم، أو مجلس إدارة بلاك روك باختيار هذا الاسم لبرنامجهم الحديث والذي أنفقوا عليه ولا زالوا ينفقون عليه ملايين الدولارات (أنه المولود البكر للذكاء الاصطناعي الذى نعرفه الآن).
ليتحول إلى عملاق يغذي نفسه بنفسه بالبيانات والأخبار وأسعار الأسهم وعمليات الدمج والاستحواذ والانفصال، لجميع شركات العالم ففي جميع بورصات الكرة الأرضية، لهذا عندما يتم سؤال البرنامج أي سؤال عن أي شركة وأسهمها ووضعها المالي ومستقبلها المهني، تجد الإجابة الشافية الكاملة لدى أصحاب البلاك روك يعطونها بمقابل غال جدًا لمن يستطيع أن يدفع الثمن، وأصبحت بلاك روك مع الزمن المتحكم الأول في البورصات العالمية وتقدم خدماتها المالية لجميع رجال الأعمال حول العالم.
كما أنها تمتلك معظم أشهر الأسهم العالمية وكمثال فقط على ممتلكاتها، فالشركة تدير صندوق التقاعد الأمريكي وصندوق المعاشات وعشرات الصناديق السيادية والخيرية للولايات المتحدة الأمريكية.
تمتلك بلاك روك حصصًا كبيرة في الفيس بوك وتويتر وسناب شات حتى التيك توك الصينية، يمتلكون بها حصصا وأسهم كثيرة ويمتلكون أيضًا حصصا من أسهم جميع القنوات الإخبارية والترفيهية وقنوات المسلسلات والدراما كنيتفليكس وديزني، أنهم ببساطة شركاء في كل ما يقرأه أو يشاهده أو يأكله نصف سكان الكرة الأرضية.
وبرغم ما يقال عن شركة بلاك روك من أوهام أو خيالات، لكن تلك الشركة استطاعت بالعلم والتفكير العلمي أن تتجنب الكثير من الكوارث الاقتصادية وتحقق النجاح والمكاسب الوفيرة لنفسها ولعملائها المنتشرين في جميع أرجاء المعمورة، فهل نجد في عالمنا العربي مثال لتلك الشركة العملاقة؟
اقرأ أيضًا: روبن هود البورصة الأمريكية .. وخلاصة تجاربه الاستثمارية
كتب: أحمد عبد الواحد إبراهيم.