عمر المختار قائد عسكري وإسلامي ليبي، قاد المقاومة الليبية ضد الغزو الإيطالي لبلاده في الفترة من 1911م إلى 1931م، لقب بشيخ المجاهدين، وأسد الصحراء، أُعدم شنقًا في 1931م من قبل السلطات الإيطالية.
من هو عمر المختار؟
هو السيد عمر بن مختار بن عمر المنفي الهلالي، ولد يوم 20 أغسطس عام 1858م، وتوفي أو تم إعدامه يوم 16 سبتمبر 1931م، اشتهر بعمر المختار وله عدة ألقاب مثل: شيخ الشهداء وشيخ المجاهدين، وأسد الصحراء، وهو أحد من أشهر المقاومين العرب والمسلمين ضد الاحتلال الإيطالي في ليبيا.
نشأة عمر المختار:
وُلد عمر المختار في البطنان ببرقة في الجبل الأخضر عام 1858م، وتولاه أبوه ورباه تربيةً إسلاميَّة حميدة مستمدة من تعاليم الحركة السنوسية القائمة على القرآن والسنَّة النبويَّة، ولم يعش عمر المختار مع والده طويلًا حيث توفي والده وهو في طريقه إلى مكَّة لأداء فريضة الحج، فقام عمه الشيخ حسين بتولية أمره ورعايته هو واخوه؛ فأدخلهما مدرسة القرآن الكريم بالزاوية، ثم ألتحق بالمعهد الجغبوبي لحفظ القرآن الكريم وينضم إلى طلبة العلم من أبناء الإخوان والقبائل الأخرى.
كان عمر المختار مجتهدًا فجذب انتباه شيوخه في صباه، فهو اليتيم الذي يحفظ القرآن ويشجع الناس على العطف على الفقراء والأيتام، كما أنه كان على مستوى كبير من الذكاء، مما شجع شيوخه على الاهتمام به في معهد الجغبوبي الذي كان منارة للعلم في ذلك الوقت، وكان ملتقى للعلماء والفقهاء والأدباء الذين كانوا يقومون بالإشراف على تربية وتعليم وإعداد المتفوقين من أبناء المسلمين؛ ليكونوا مستعدين لحمل رسالة الإسلام، مكث عمر المختار في معهد الجغبوبي ثمانية أعوام تعلم فيها العلوم الدينية كالفقه والحديث والتفسير، وكان مخلصًا في عمله وأداء ما عليه ولم يكن يومًا يؤجل عمل يومه إلى غده.
اقرأ أيضًا: طارق بن زياد .. فاتح الأندلس أم القائد المفقود
شباب عمر المختار:
اشتهر بالجدية والحزم والاستقامة والصبر، ولفت أنظار أساتذته وزملائه واكتسب من العلوم الدينية أشياء كثيرة ومن العلوم الدنيوية ما أتيح له معرفته، فأصبح ملمًا بدرجة كبيرة بشئون البيئة التي تحيط به وبأحوال الوسط الذي يعيش فيه وبالأحداث القبلية وتاريخ وقوعها، وتوسع في معرفة الأنساب وارتباطات القبائل بعضها البعض، وبعاداتها وتقاليدها، ومواقعها، ووسائل فض الخصومات البدوية وما يتطلبه الموقف من آراء ونظريات، كما أنه أصبح خبيرًا بمسالك الصحراء وبالطرق التي كان يعبرها من برقة إلى مصر والسودان في الخارج، وإلى الجغبوب والكفرة من الداخل، وكان يعرف أنواع النباتات وخصائصها وكان على علم بالأمراض التي تصيب الماشية ببرقة وطرق علاجها، وكان يعرف سمة كل قبيلة، وهي مثل رموز توضع على الإبل والأغنام والأبقار لتوضح ملكيتها لأصحابها من أهل القبيلة.
علاقة عمر المختار بالسنوسيين:
خلال السنوات التي قضاها عمر المختار في الجغبوب، تمكَّن من اكتساب سمعةٍ حسنةٍ وقوية عند شيوخ الحركة السنوسية، حتى أن محمد المهدي السنوسي الرجل الثاني في زعماء السنوسية، أخذ عمر المختار معه سنة 1895م برحلته من الجغبوب إلى الكفرة وعيَّنه هناك شيخًا لزاوية بالقبيلة، ويقال أنه في إحدى الرحلات إلى السودان وبينما كانت تعبر قافلته الصحراء أشار أحد المسافرين إلى وجود أسد مفترس بالجوار، واقترح تقديم إحدى الإبل كفدية لاتّقاء شره، إلا أن عمر المختار رفض وقال: “والله إن خرج علينا لندفعه بسلاحنا”، وبالفعل خرج الأسد فذهب إليه وقتله، وسلخ جلده وعلَّقه لتراه القوافل الأخرى، وهو يقول: “وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى”، ظل عمر المختار بالسودان عدة سنوات نائبًا عن المهدي السنوسي، حتى بلغ من إعجاب السنوسي به أن أصبح يقول: “لو كان عندنا عشرة مثل عمر المختار لاكتفينا بهم”.
عيَّنه المهدي السنوسي في سنة 1897م شيخًا لبلدة زاوية القصور تقع بمنطقة الجبل الاخضر، فأحسن عمر المختار الأداء في هذا المنصب وقد أدَّت علاقته الوثيقة بالسنوسيّين إلى اكتسابه لقب سيدي عمر الذي لم يكن يطلق إلا على شيوخ السنوسية المعروفين، توفي محمد المهدي السنوسي في عام 1902م، وتم استدعاؤه لقيادة السنوسية عقب ذلك.
حرب عمر المختار ضد الإيطاليين:
في عام 1911م أعلنت إيطاليا الحرب على الدولة العثمانية، وبدأت قواتها النزول بمدينة بنغازي الساحلية شمال برقة وفي هذا الوقت كان عمر المختار في مدينة الكفرة بقلب الصحراء في زيارة السنوسيين، وفي طريق عودته علم بخبر نزول الإيطاليين، فعاد مسرعًا إلى زاوية القصور ليقوم بتجنيد أهلها لمقاومة الإيطاليين، وجمع 1,000 مقاتل معه وبنى عمر المختار معسكرًا خاصًا له في منطقة الخروبة، ثم انتقل بعد ذلك حيث التحق هو والمقاتلون معه بالجيش العثماني ، ثم إلى بنينة جنوب مدينة بنغازي وهناك انضموا إلى الكثير من المقاتلين الآخرين، وأصبح المعسكر قاعدةً لهم يخرجون منها ويهاجمون باستمرارٍ القوات الإيطالية، وقد كان يرافق عمر المختار في هذا الوقت الشيخ محمد الأخضر العيساوي.
اقرأ أيضًا: مجهودات الإمام البخاري في جمع الأحاديث النبوية
شهدت هذه الفترة أعنف مراحل الصراع ضد الايطاليين وقد تركزت غارات وهجمات عمر المختار فيها على منطقة درنة، ومن أمثلة هذه الغارات معركة هامة حدثت في يوم الجمعة 16 مايو عام 1913م استمرت لمدّة يومين ، وانتهت بمقتل 70 جندي إيطالي وإصابة نحو 400 آخرين، ثم انتقل إلى معسكرات جبل العبيد وكان يتواصل كثيرًا مع قبائل منطقة دفنا، وفي هذه الفترة تقلصت المقاومة الليبية بسبب القحط الذي أصاب البلاد خلال عامي 1913م إلى 1915م، ثم استيلاء الطليان على أغلب المناطق الحيوية في وسط وشمال برقة بشهر يوليو عام 1914م، بعد ذلك وعندما بدأ أحمد الشريف السنوسي الهجوم على البريطانيين في مصر عبر الحدود سنة 1915م، انضم إليه عمر المختار ثم عاد لاحقًا إلى ليبيا؛ لاستئناف معاونته لإدريس السنوسي في حربه ضد الإيطاليين.
وفي عام 1916م كلف إدريس السنوسي عمر المختار بالذهاب مع خالد الحمري وإبراهيم المصراتي إلى البطنان، لمقابلة نوري باشا وتنبيهه إلى وجوب إيقاف كافة هجماته على الإنجليز في مصر، بل وكان عليهم أيضًا مراقبته لضمان عدم انتهاكه تلك الأوامر، وقد أزعج هذا نوري باشا، فقرر الذهاب بصحبة كبار معاونيه مثل عبد الرحمن عزام إلى أجدابيا للتفاهم مع إدريس، بينما بقي عمر المختار مع باقي المبعوثين في معسكر البطنان بانتظار التعليمات في أجدابيا، رفض إدريس رفضًا قاطعًا العدول عن قراره، على الرغم من إصرار نوري باشا الكبير، وبينما الحال هكذا وصل إلى المدينة وفد من الإيطاليين والإنجليز، فالتقوا مع إدريس في منطقة الزويتينة، وأخذوا يفاوضون على عقد السلم وإيقاف هجمات المقاومين على الإنجليز في مصر من جهة والإيطاليين في برقة من جهةٍ أخرى، وقد مال الشيخ إدريس إلى السلم، فوافق على العرض، وكان أن وقعت معاهدة الزويتينة، التي أثرت بشكل أساسي على جميع المعاهدات اللاحقة في الحرب الليبية، ومن نتائجها رحيل نوري باشا إلى مصر؛ لاستئناف المقاومة وتشتت معظم رجاله في أنحاء البلاد، اضطر محمد إدريس هو الآخر للهجرة إلى مصر في شهر يناير عام 1923م بعد سقوط العاصمة طرابلس في أيدي الإيطاليين، فعاد عمر المختار قائدًا للمقاتلين في برقة.
استمر عمر المختار بدعوة أهالي الجبل الأخضر للقتال وتجييشهم ضد الإيطاليين، وفتح باب التطوع للانضمام إلى الكفاح ضدهم، وأصبحت معه لجنة فيها أعيان من مختلف قبائل الجبل، واتبع أسلوب الغارات وحرب العصابات، فكان يصطحب معه 100 إلى 300 رجل في كل غارةٍ ويهجم ثم ينسحب بسرعة، ولم يزد أبدًا مجموع رجاله عن نحو 1,000 رجل، مسلحين ببنادق خفيفة عددها لا يتعدى 6,000، وقد شكل هذا بداية الحرب الضروس بين عمر المُختار والإيطاليين، تلك الحرب التي استمرت 22 عامًا ولم تنته إلا بأسر المختار وإعدامه.
اقرأ أيضًا: الإمام الشافعي.. ناصر الحديث الذي جمع 1675 حديثا في كتاب
اعتقال عمر المختار:
في شهر أكتوبر سنة 1930م استطاع الإيطاليون الاشتباك مع المجاهدين في معركة كبيرة عثروا بعدها على نظارات عمر المختار، كما عثروا على جواده المعروف مجندلًا في ميدان المعركة؛ فثبت لهم أن المختار ما زال على قيد الحياة، وأصدر غراتسياني القائد الايطالي منشورًا حاول فيه أن يقضي على (أسطورة المختار الذي لا يقهر أبدًا) وقال متوعدًا: “لقد أخذنا اليوم نظارات المختار وغدًا نأتي برأسه”.
وفي 11 سبتمبر عام 1931 توجه عمر المختار بصحبة جماعة من رفاقه، لزيارة ضريح الصحابي رويفع بن ثابت بمدينة البيضاء، وشاهدتهم وحدة استطلاع إيطالية، وأبلغت حامية قرية أسلنطة التي أبرقت إلى قيادة الجبل باللاسلكي، فحركت فصائل من الليبيين والإرتريين لمطاردتهم، ودار اشتباك في أحد الوديان وجرح حصان عمر المختار فسقط على الأرض، وتعرف عليه في الحال أحد الجنود المرتزقة الليبيين فيقول المجاهد التواتي عبد الجليل المنفي، الذي كان شاهدًا على اللحظة التي أُسر فيها عمر المختار من قبل الجيش الإيطالي: “كنَّا غرب منطقة أسلنطة هاجمنا الأعداء الخيالة وقُتل حصان سيدي عمر المختار، فقدم له ابن اخيه المجاهد حمد محمد المختار حصانه وعندما هم بركوبه قُتل أيضًا وهجم الأعداء عليه، ورآه أحد المجندين العرب وهو مجاهد سابق له دوره، ذُهل واختلط عليه الأمر وعز عليه أن يُقبض على عمر المختار فقال: “يا سيدي عمر.. يا سيدي عمر” فعرفه الأعداء وقبضوا عليه، وردَّ عمر المختار على العميل العربي الذي ذكر اسمه واسمه عبد الله بقوله: “عطك الشر وابليك بالزر”.
عمر المختار في السجن:
عندما وصل الأسير عمر المختار إلى بنغازي، لم يسمحوا لأي مراسل جريدة أو مجلة بنشر أي أخبار أو مقابلات معه، وكان على الرصيف مئات من المشاهدين عند نزوله في الميناء ولم يتمكن أي شخص مهما كان مركزه أن يقترب من الموكب المُحاط بالجنود المدججين بالسلاح، ونُقل المختار في سيارة السجن تصحبه قوة مسلحة بالمدافع الرشاشة، حيث أودعوه في زنزانة صغيرة خاصة منعزلة عن كافة السجناء السياسيين وتحت حراسة شديدة، وكان يتم تغيير الحراس كل فترة، ويقول مترجم كتاب (برقة الهادئة) الأستاذ إبراهيم سالم عامر: “أن زنزانة عمر المختار كانت تحوي سريرًا من خشب وقماش وعلى أرضيتها قطعة من السجاد البالي لأجل وقع الرجلين عليه”، ويُضيف أن المختار كان يجلس عليها ويسند ظهره على الجدران ويمد رجليه إلى الأمام حتى يُريحهما.
أثناء وجود عمر المختار في السجن، أراد المأمور رينسي، وهو السكرتير العام لحكومة برقة، أن يضع الشارف الغرياني في موقف حرج مع عمر المختار فأبلغه بأن المختار طلب مقابلته، وأن الحكومة الإيطالية لا ترى مانعًا من تلبية طلبه، وذهب الشارف الغرياني إلى السجن لمقابلة المختار، وعندما رأه المختار ظل صامتًا ثم رفع رأسه ونظر بحدة إلى الشارف الغرياني وقال له: “الحمد لله الذي لا يُحمد على مكروه سواه”، وسكت ثم قال: “ربِّ هب لي من لدُنك رحمة وهيئ لنا من أمرنا رشدًا، أنني لم أكن في حاجة إلى وعظ أو تلقين، أنني أومن بالقضاء والقدر، وأعرف فضائل الصبر والتسليم لإرادة الله، إنني متعبٌ من الجلوس هنا، فقل لي ماذا تريد؟”، وهنا أيقن الشارف الغرياني بأنه غرّر به فزاد تأثره وقال للمختار: “ما وددت أن أراك هكذا ولقد أرغمت نفسي للمجيء بناءً على طلبك…”، فقال المختار: “والجبل الشامخ أنا لم أطلبك ولن أطلب أحدًا ولا حاجة لي عند أحد”، ووقف دون أن ينتظر جوابًا من الشارف الغرياني، وعاد الأخير إلى منزله وهو مهموم حزين وقد صرّح بعد ذلك بأنه شعر في ذلك اليوم بشيء ثقيل في نفسه ما شعر به طيلة حياته، ولما سُئل الشارف الغرياني عن نوع الثياب التي كان يرتديها عمر المختار أهي ثياب السجن أم ثيابه التي وقع بها في الأسر كان جوابه بيتين من الشعر للإمام الشافعي:
عليه ثيابٌ لو تُقاس جميعها بفلسٍ لكان الفلسُ منهن أكثرا
وفيهنَّ نفسٌ لو تُقاس ببعضها نفوس الورى كانت أجلَ وأكبرا
محاكمة عمر المختار:
في الساعة الخامسة مساءً في 15 سبتمبر 1931م جرت محاكمة عمر المختار التي أعد لها الإيطاليون مكان برلمان برقة القديم، وكانت محاكمة صورية شكلًا وموضوعًا، إذ كانوا قد أعدوا المشنقة وانتهوا من ترتيبات الإعدام قبل بدء المحاكمة وصدور الحكم على المختار وظهر ذلك عندما قال غراتسياني للمختار: “إني لأرجو أن تظل شجاعًا مهما حدث لك أو نزل بك”، فأجابه المختار: “إن شاء الله”.
جيء بعمر المختار إلى قاعة الجلسة مكبلًا بالحديد، وحوله الحرس من كل جانب، وأحضروا أحد المترجمين الرسميين ليتولى الترجمة للمختار وللقضاة، فلمَا افتتحت الجلسة وبدأ استجواب المختار، بلغ التأثر بالمترجم، حدًا جعله لا يستطيع إخفاء تأثره وظهر عليه الارتباك، فأمر رئيس المحكمة باستبعاده وإحضار مترجم آخر فوقع الاختيار على أحد اليهود من بين الحاضرين في الجلسة، فقام بدور المترجم، وكان عمر المختار جريئًا صريحًا، يصحح للمحكمة بعض الوقائع، خصوصًا حادث الطيارين الإيطاليين أوبر وبياتي، الذين أسرهما المجاهدون قبل ذلك، وبعد استجواب المختار ومناقشته، وقف المدعي العام بيدندو، فطلب الحكم على عمر المختار بالإعدام، وكان لحضور المختار في المحكمة أمام خصومه أثر في نفوسهم، فرؤية شيخ كبير في السن مُكبل بالسلاسل، صريح وشجاع عندما يتكلم، كان لها أثر على الكثير من الحاضرين، ولعل أبرز ما يُظهر ذلك هو أنه عندما جاء دور المحامي المعهود إليه بالدفاع عن المختار، وهو ضابط إيطالي شاب برتبة نقيب يُدعى روبرتو لونتانو، حاول أن يُبقي على حياة المختار، فطالب بالحكم عليه بالسجن المؤبد نظرًا لشيخوخته وكِبر سنّه، متحججًا بأن هذا عقاب أشد قسوةً من الإعدام، غير أن المدعي العام تدخل وقطع الحديث على المحامي وطلب من رئيس المحكمة أن يمنعه من إتمام مرافعته متحججًا بأن الدفاع خرج عن الموضوع، وليس من حقه أن يتكلم عن كبر سن عمر المختار وشيخوخته ووافقت المحكمة.
عندئذ وقف المحامي وقال: “إن هذا المتهم الذي انتدبت للدفاع عنه إنما يدافع عن حقيقة كلّنا نعرفها، وهي الوطن الذي طالما ضحينا نحن في سبيل تحريره، إنَّ هذا الرجل هو ابن لهذه الأرض قبل أن تطأها أقدامكم، وهو يعتبر كل من احتلها عنوة عدوًا له، ومن حقه أن يقاومه بكل ما يملك من قوة، حتى يخرجه منها أو يهلك دونها، إن هذا حق منحته إياه الطبيعة والإنسانية، إن العدالة الحقة لا تخضع للغوغاء وإني آمل أن تحذروا حكم التاريخ، فهو لا يرحم، إن عجلته تدور وتسجل ما يحدث في هذا العالم المضطرب”، وهنا كثر الضجيج ضد المحامي ودفاعه، لكنه استمر بالكلام والدفاع عن المختار، فقام النائب العام ليحتج، فقاطعه القاضي برفع الجلسة للمداولة، وبعد مضي فترة قصيرة من الانتظار دخل القاضي والمستشاران والمدعي العام بينما المحامي لم يحضر لتلاوة الحكم القاضي بإعدام عمر المختار شنقًا حتى الموت، وعندما تُرجم الحكم إلى عمر المختار اكتفى بالقول: “إن الحكم إلا لله.. لا لحكمكم المُزيف.. إنَّا لله وإنَّا إليه راجعون”.
إعدام عمر المختار:
في صباح اليوم التالي للمحاكمة، أي الأربعاء في 16 سبتمبر 1931م، اتُخذت جميع التدابير اللازمة بمركز سلوق لتنفيذ الحكم بإحضار جميع أقسام الجيش والميليشيا والطيران، وأُحضر 20 ألف من الأهالي وجميع المُعتقلين السياسيين خصيصًا من أماكن مختلفة لمشاهدة تنفيذ الحكم في قائدهم، وأُحضر المُختار مُكبَّل الأيادي وفي تمام الساعة التاسعة صباحًا سُلَّم إلى الجلّاد، وبمجرد وصوله إلى موقع المشنقة أخذت الطائرات تحلق في الفضاء فوق ساحة الإعدام على انخفاض، وبصوت مدوّي لمنع الأهالي من الاستماع إلى عمر المختار إذا تحدث إليهم أو قال كلامًا يسمعونه، لكنه لم ينطق بكلمة، وسار إلى منصة الإعدام وهو ينطق الشهادتين، وقيل عن بعض الناس الذين كان على مقربة منه انه كان يؤذن في صوت خافت آذان الصلاة عندما صعد إلى الحبل، والبعض قال أنه تمتم بالآية القرآنية: “يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً”، وبعد دقائق كان قد عُلّق على المشنقة وفارق الحياة.
بعد هذه القصة المثيرة عزيزي القارئ، نفخر جميعًا بعروبتنا وكفاح أجدادنا وأباءنا وأولادنا من أجل حرية الوطن وأبنائه، رحم الله شيخ الشهداء والمجاهدين عمر المختار.
اقرأ أيضًا: ذكرى وفاة السلطان سليمان القانوني.. أعظم سلاطين الدولة العثمانية
كتبت: سحر علي.