في زمن مليء بتقنيات الذكاء الاصطناعي واكتشافات علمية مبهرة، يبقى الإنسان مسافرًا في رحلة لا نهائية نحو المعرفة، تجول معنا في عالم مثير، حيث يعكس الإنسان تاريخه بأكمله كقارئ مستمر يبحث عن ألغاز الحياة والكون.
منذ أن ظهرت الإنسانية على وجه الأرض، سعت دومًا إلى فهم اللغز الكبير الذي يحيط بها، هل يكمن السر في معرفتنا الشاملة؟، هل يمكننا حقًا استكشاف كل زاوية للحقيقة؟، في هذا المقال سنخوض رحلة مثيرة إلى عقولنا وتاريخنا، لنكتشف سويًا ما إذا كان النقص المعرفي هو ما يحفِّزنا أم يكبحنا في رحلتنا اللانهائية نحو الحقيقة.
رحلة الإنسان إلى المعرفة:
منذ وجود الإنسان على الأرض وهو يسعى دائمًا إلى المعرفة وفهم العالم المحيط به فمثلًا يحاول فهم سقوط الأمطار، وحركة الرياح، والمد والجزر، بل إنه يحاول فهم نفسه، ومن هذا الفهم تعلم الزراعة والصناعة وبناء السفن والسيارات والطائرات، وألف المناهج التعليمية، واستخرج النظريات السياسية ونظريات علم النفس والاجتماع وغيرها من العلوم الأخرى.
اقرأ أيضًا: تعلم الفكر الايجابي في حياتك 1 2 3
هل نحتاج فعلًا إلى المعرفة الشاملة وبلوغ الحقيقة الكاملة؟
قد نتساءل أحيانًا هل نحتاج فعلًا إلى الوصول للحقيقة الكاملة؟ هل من الضروري أن نمتلك الحقيقة بينما يمكننا الوصول إلى قدر معين من فهم الواقع وحل مشاكلنا دون الدخول في التعقيدات التي تكشف نقصنا وعجزنا؟، ولكن هذا السؤال يجيب عنه الإنسان دائمًا بالنفي، ليستمر في اختراعاته واكتشافاته واستنتاج نظرياته عن الإنسان والكون، وتظل الاختراعات كافية لحاجة البشر حتى نكتشف فيها القصور، أو آثارًا جانبية لم تكن واضحة بسبب إهمال عوامل اعتقدنا أنها غير مؤثرة، فنقوم بإضافة عوامل جديدة على النظرية فتتعقد قليلًا، ثم تستمر معنا في رحلتنا عبر التاريخ، ثم نجدها تفشل في لحظة معينة فنطورها ونحسنها.
وهكذا تستمر الحياة، نعلم وندرك نقصنا ولكنه نقص لا يعجزنا، بل نقص يأتي معه اجتهاد ومكابدة فلا يقعدنا بل يطورنا، نقص لا يوقف التاريخ بل يواصله، ولكنه في نفس الوقت عجز يكشف ضعفنا، عجز يجعلنا ندرك دائمًا أنه ما زال هناك الكثير لنتعلمه، ولنظل مدركين دائما أننا ما أوتينا من العلم إلا قليلًا.
وشعورنا بالنقص هذا لا ينتهي ولن ينتهي إلى قيام الساعة، فهو نقص كامن فينا نحمله على كاهلنا منذ بدء التاريخ، وحتى اختراعاتنا الحديثة والتي نستخدمها كأدوات نصنع من خلالها اختراعات جديدة تحمل في ذاتها ذلك النقص وتورثه فترة تلو الأخرى، فحتى المقاييس التي نستخدمها في القياس والحساب كالمتر والبوصة والثانية والساعة تحمل هذا النقص والانحراف عن الدقة الكاملة بدرجة معينة، ثم تنقل هذا النقص لما تقيسه.
هل سينتهي هذا النقص المعرفي؟
هذا النقص المعرفي في الإنسان يقابله دائما إدراك بتعقيد متزايد في الطبيعة، فأغلب الاكتشافات الحديثة والاختراعات التي كانت مجهولة بسؤال واحد أدت بعد حل ذلك السؤال إلى مئات من الأسئلة الجديدة، فمثلًا عندما كان الإنسان يتساءل عن الكواكب وقام باختراع التليسكوب، فتح ذلك الاختراع عليه أبوابًا كثيرة من الأسئلة الجديدة نتج عنها علوم كاملة، وحين اخترع المجهر، اكتشف الإنسان وجود كائنات دقيقة تعيش معنا وكنّا لا نعلم عنها شيئًا، وتفرع عن ذلك علوم واسعة تحاول البحث عن إجابة آلاف الأسئلة الأخرى، وغير ذلك في الكثير من الاكتشافات والاختراعات الأخرى.
إذن فالأمر ليس خاصًا بقصور الآلات والأدوات العلمية أو عدم كفاءتها، لأنه عندما يتم التوصل إلى أداة معينة نعتقد بعدها أننا على علم كلي بالكون، نجد أن الأمر يرتبط بمحدودية إدراك الإنسان وحواسه، تلك المحدودية التي لا يمكن أن تتغير بتغير الزمان والمكان، بل هي خاصية كامنة في الإنسان، خاصية أن الإنسان قاصر ويخطئ.
هل يجب أن يعي الإنسان نقصه؟
إذا وعى الإنسان نقصه وأدرك أنه لا يمكنه أن يحيط علما بكل ما حوله في الطبيعة؛ حينها سيتيقن بأنه لن يحيط علمًا بخالق الطبيعة، فسبحانه وتعالى لا تحيط به الأذهان ولا تدركه العقول، فهو الذي لا يحده محدود، ولا يدركه معدود، وقد وسع كرسيّه السماوات والأرض، وهو الذي لا يحيطون به علمًا وقد أحاط هو سبحانه وتعالى بكل شيء علمًا.
وفي ختام هذه الرحلة الثقافية والعقلية، ندرك أن الإنسان لا ينحصر في قدرته على الاكتشافات والابتكار ورحلته في البحث عن المعرفة، بل في تواضعه أمام ألغاز الحياة، إن النقص المعرفي ليس ضعفًا، بل دافعًا لاستمرار التساؤل والتطلع إلى المزيد، في هذا العدم النهائي للمعرفة نجد جمال البحث ذاهبًا يدًا بيد مع جمال الاكتشاف.
اقرأ أيضًا: مشكلات الشباب وقضاياهم.. تعرف على التحديات والحلول
كتبت: سحر علي.