يقول أبو الطيب المُتنبي في اللغة العربية: “وبِهم فخرُ كلِّ من نَطَقَ الضَّادَ وعَوذُ الجاني وغَوثُ الطريدِ، إنَّها اللغة العربية المشرفة، لغة القرآن الكريم، لغة الضاد الذي تتفرَّد به هذه اللغة عن سواها من اللغات”؛ وبمناسبة الاحتفال باليوم العالمي للغة العربية في يوم 18 ديسمبر من كل عام، نقدم لك عزيزي القارئ في السطور القليلة القادمة، ما هي اللغة العربية وخصائصها وكيفية المحافظة عليها وتنميتها؟
ما هي اللغة العربية؟
تُعتبر اللغة العربية من أكثر اللغات ثراء في الألفاظ، وأكثرها قدرة على استيعاب الألفاظ الجلية، وهي إحدى اللغات السامية، وقد سُمِّيت بهذا الاسم نسبةً إلى سام بن نوح -عليه السلام-، وتعتبر هي اللغة الوحيدة من اللغات السامية التي حافظت على وجودها حتى الآن، في حين لم يتبق من باقي اللغات السامية الأخرى إلا بعض آثار أحرفها المنحوتة على الصخور.
كما تعتبر لغةً إنسانية عالمية، وكلماتها وألفاظها لها دلالاتٌ مُختلفة، وربما تجد للمعنى الواحد أكثر من لفظ يدل عليه، وهي أيضًا من اللغات التي تتميز بنظامٍ تركيبي نحوي وصرفي وصوتي، ويعتبر تعلُمها حاجةً ضرورية وأساسية لكل عربي على وجه العموم، ولكل مُسلمٍ بصفة خاصة من أجل تلاوة القرآن الكريم وفهم آياته ومعانيه، وهي أيضًا تعتبر لغة السياسة والأدب والعلوم على مدار أزمنة طويلة في البلاد التي فتحها وحكمها المسلمون، فقد كان انتشار الدين الإسلامي له أثر كبير في رفع مكانتها.
وأهميتها ليست قاصرة على المُسلمين فقط، بل هي لغةٌ شعائرية وكنسية عند عدد من الكنائس المسيحية في الوطن العربي، وقد تم كتابة العديد من الأعمال الفكرية والدينية المسيحية في العصور الوسطى باللغة العربية.
اقرأ أيضًا: اللغة العربية بين الماضي والحاضر
أهمية اللغة العربية:
لهذه اللغة الكثير من الأهمية والتي تعجز الكلمات عن تعدادها وتفصيلها، وسنحاول إيجازها في النقاط التالية:
- كرمها الله -عز وجل- واختارها لتكون لغة القرآن الكريم؛ وذلك لأنها تتحمل ثقل الكلام الإلهي وقوة الخطاب الرباني، وهي الوحيدة القادرة على توضيح معاني الآيات القرآنية ومقاصدها المتعددة.
- تُمثل الهوية الثقافية للأمة العربية والتي تميزها عن باقي الأمم الأخرى.
- تعتبر لغة عبقرية؛ حيث تسمح للكاتب بربط المواضيع بعضها ببعض مهما تعددت واختلفت، ودون أن يقع القارئ في حالة من التشتت الذهني أو عدم الفهم.
- تعتبر من أكثر اللغات التي تستطيع بها التعبير عن الأفكار والمشاعر والأحاسيس.
- تستطيع من خلالها المحافظة على الاتصال بين الأجيال المتعاقبة، ودوام واستمرار الثقافة العربية بين الفئات المختلفة.
- تتميز بالتجدد وثبات جذورها، وذلك بسبب خصائصها الكثيرة والمتعددة.
- تعتبر إحدى أدوات التواصل والتعارف بين ملايين البشر في مُختلف أنحاء العالم، حيث يقدر عدد الناطقين بها حوالي 422 مليون شخص بأكثر من 30 لهجة عامية، في 25 دولة مختلفة في قارتي أفريقيا وآسيا.
- تعتبر اللغة الحضارية الأولى في العالم، واستمرت كذلك لوقتٍ طويل.
- قدرتها الكبيرة في المساعدة على التعبير عن العلوم المختلفة؛ وذلك بسبب خصائصها الكثيرة من حيث احتوائها علي التراكيب والألفاظ والخيال، وغيرها من السمات الأخرى التي تزيدها ثراء وغنى.
مزايا وخصائص اللغة العربية:
من أهم مميزاتها:
الترادف:
المقصود بالترادف دلالة أكثر من كلمة على نفس المعنى المقصود.
كثرة مفرداتها:
تحتوي على عدد كبير جدًا من المفردات أكثر من أية لغة أخرى في العالم.
الفصاحة:
الفصاحةُ هي اللفظ الحسن المألوف في الاستعمال، ويشترط فيها أن يكون المعنى المفهوم منه صحيحًا.
الأصوات الدالة على المعاني:
من أهم الميزات الخاصة بها، والمقصود بها فهم معنى الكلمة بشكل دقيق أو عام من خلال الصوت فقط.
التخفيف:
يقصد بالتخفيف أن معظم مفرداتها تعتبر من أصل ثلاثي، ثم يأتي بعد ذلك الأصل الرباعي، ثم يأتي الأصل الخماسي والسداسي وهكذا بالترتيب.
الثبات الحر:
نجد أن اللغات الأخرى -مثل اللغة الإنجليزية وغيرها- تطورت وتغيرت كثيرًا عبر الزمن، في حين استطاعت اللغة العربية تجاوز كل الأزمنة والتحديات، وبقيت ثابتة، واستطاعت الانتصار على عاملي التطور والزمن.
اقرأ أيضًا: كيف يحتفى الشرق الأوسط باليوم العالمي للغة العربية؟
علوم اللغة العربية:
للحديث عن فكرة هامة وهي للأسف الشديد انحدار اللغة وعدم الاهتمام اللائق بها هذه الأيام، لن نتناول علومها بالتفصيل، وسنكتفي بذكرها وتعدادها فقط وهي:
- علم البلاغة.
- علم النحو.
- علم العروض والقوافي.
- علم التصريف.
- علم الترادف والتضاد.
- الإعراب.
- علم الاشتقاق.
انحدار اللغة العربية:
للأسف الشديد وبرغم كل ما تم ذكره من أهميتها وقيمتها وخصائصها التي لا تملكها أي لغة أخرى غيرها في العالم، تمر هذه اللغة منذ عدة سنوات بانحدار وهبوط مخيف وشديد، وخاصة في الجيل الحالي حيث بدأت اللغة الفصحى في الاختفاء فبدأ انحدار اللغة في التزايد ومن أهم أسباب ضياعها في الجيل الحالي:
- تعميم اللغة (اللغة العامية) فأصبحت اللغة المنتشرة بين أفراد المجتمع كله، واختفت الفصحى حتى في البرامج الإعلامية والثقافية المتخصصة، وأسفت بل وحزنت بشدة عندما سمعت في أحد الفواصل الإعلانية عند مشاهدتي لفيلم عربي من يقول (استنونا راجعين) أو من يقول (أوعوا تغيروا المحطة وأوعوا تروحوا في أي حتة)، مهازل مؤسفة ومخجلة.
- ابتكار ألفاظ جديدة ودخيلة لا علاقة لها باللغة السليمة، بالإضافة إلى إهمال اللغة الفصحى في مؤسسات العلم في المدارس والجامعات، واستسهال الناس للألفاظ العامية بسبب استثقالهم للغة الفصحى؛ اعتقادًا منهم أن اللغة العامية مفهومة وواضحة، وأصبحت الفصحى لا تستخدم إلا في الخطب الدينية فقط.
- إهمال أولياء الأمور لتعليم أبنائهم هذه اللغة، وحرصهم بل وتشرفهم واعتزازهم بإتقان أولادهم اللغات الأجنبية، كل ذلك أصبح سائدًا في المجتمع.
- عدم وجود فرص عمل كثيرة للشباب في مجالها، جعل الشباب يشعر أنها ليس لها داعي في الحياة العملية.
- المناهج الدراسية الموجودة باللغة الفصحى والتي لا علاقة لها بأرض الواقع أو بالتطور المتتابع في العالم، فأصبح الطالب مفروض عليه دراسة المنهج الدراسي باللغة الفصحى الجافة وفي نفس الوقت لا يبالي بما هو موجود فيه.
- عدم زرع حب اللغة الفصحى، وعدم إعطائها الأهمية اللائقة بها وبقيمتها، حتى وصل الحال باللغة الفصحى أن تم استبدالها بالعامية حتى عند إلقاء المحاضرات، وأحيانًا حتى في خطبة الجمعة في المسجد وغير ذلك من مظاهر الاستغناء الواضح عنها.
- وسائل الإعلام الموجودة ساعدت على انحدارها، فأصبحت عامية لتكون قريبة من الناس ومؤثرة فيهم، وغير ذلك من العلامات التجارية الموجودة في الشوارع كلها بالعامية.
- عصر العولمة الذي نعيشه كان له تأثير قوي على لغتنا العربية، حيث دخلت الثقافات المختلفة وتأثر الناس بها ونسوا اللغة الأم التي يتكلمون بها، ودخلت الألفاظ الأجنبية إلى جانب الألفاظ العامية، ونسي الناس لغتهم الأم بين هذا وذاك.
- اقتناع الشباب الشديد بأنها غير مفيدة لهم، وليس لديهم ما يجعلهم يقبلون على إتقانها مع تواجد اللغات الأجنبية الأخرى؟، مع الأسف أصبح هذا هو الفكر السائد في المجتمع والذي أدى إلى ضياع اللغة في الجيل الحالي.
اقرأ أيضًا: اليوم العالمي للغة العربية.. أهم 10 خطوات لتوثيقه
كيف نواجه انحدار اللغة العربية؟
هناك مخططات كثيرة خطط لها الاستعمار منذ القدم للحط من شأن اللغة الفصحى، بإدخال ألفاظ غير عربية كثيرة إليها، حتى اضطر علماء اللغة إلى ما يسمى (التعريب)، لكنها محفوظة بفضل الله، ويجب ألا نهمل واجبنا نحوها بل نحاول بكل جهد وقوة حمايتها والحفاظ عليها من الضياع عن طريق:
- تطوير المناهج الدراسية، بحيث يتم تفعيل دور الطلاب في المحافظة على لغتهم.
- بذل الجهود المستمرة من علماء اللغة والقائمين على حمايتها، عن طريق الكتابة باللغة الفصحى كلما أمكن ذلك.
- نشر أهمية وضرورة القراءة؛ لزيادة الوعي الثقافي واللغوي.
- لا ننسى قراءة القرآن الكريم الذي هو أساس اللغة ومصدرها الباقي.
- تأسيس المسئولين وأولي الأمر لدور العلم والصالونات الثقافية.
- جعل جميع الخطب في المساجد ووسائل الإعلام بالفصحى فقط.
- القيام بحملات توعية بأهميتها، والقضاء على محو الأمية، وتعويد ألسنتنا وأسماعنا على اللغة الفصحى، والتقليل من استخدام العامية قدر الإمكان.
- تشجيع الشباب على تعلمها عن طريق فتح فرص عمل كثيرة لها، وإحياء الشعر والنثر، وغير ذلك من الأشياء التي تساعد على الحفاظ عليها، وتقلل من انحدارها.
وختامًا عزيزي القارئ، بعد هذه الجولة ذات القيمة العالية والغالية التي تناولنا فيها اللغة العربية في يومها العالمي، وأهميتها وخصائصها وكيف إنها محفوظة بحفظ الله تعالى لها في كل زمان لأنه -سبحانه وتعالى- أنزل بها القرآن الكريم قرآنًا عربيًا باقيًا مادامت السموات والأرض وإلى أن يرث الله الأرض ومن عليها.
اقرأ أيضًا: أصل اللغات القديمة وتصنيفها وأشهرها .. نشأة اللغة العربية
كتبت: سحر علي.