في الآونة الأخيرة، لاحظنا استخدام واسع لرمز البطيخ على منصات التواصل الاجتماعي، وذلك كوسيلة لتفادي القيود المفروضة على نشر المعلومات حول الأحداث في فلسطين من قبل خوارزميات الفيسبوك ومنصات أخرى، في البداية كنا نعتقد أن هذا الاستخدام المكثف يعود إلى تشابه ألوان البطيخ مع ألوان علم فلسطين، ولكن دعني أخبرك يا عزيزي، بسر استخدام هذا الرمز للإشارة إلى فلسطين وواقعها.
قصة رمز البطيخ وتأثيره على القضية الفلسطينية:
تعود قصة رمز البطيخ وتأثيرها على القضية الفلسطينية إلى عام 1967، السنة التي شهدت ما يُعرف بـ (نكسة حزيران)، حيث خاضت إسرائيل حربًا ضد دول الجوار، نجحت خلالها -في غضون ستة أيام فقط- في احتلال الضفة الغربية بما فيها القدس الشرقية، وقطاع غزة، وسيناء والجولان، وبأوامر عسكرية كانت حيازة أو رفع العلم الفلسطيني بمثابة جريمة جنائية تعاقب عليها قوانين جيش الاحتلال.
اقرأ أيضًا: تكنولوجيا فلسطينية أبدعت طوفان الأقصى.. قذائف الياسين 105 تحدث ضجة
حظر العلم الفلسطيني:
في سبعينيات القرن الماضي، قررت السلطات الإسرائيلية إغلاق معرض في رام الله يضم أعمالًا فنية لفنانين فلسطينيين، بينهم نبيل عناني وعصام بدر، مما يظهر الضغط والقيود التي يواجهها الفنانون، وفي ذلك الوقت، تبين للفنانين أن رسم العلم الفلسطيني ممنوع حتى ألوانه، وفي محاولة للتعبير عن الهوية الوطنية، طرح أحد الفنانين فكرة رسم وردة بألوان العلم الفلسطيني، لكن الجواب الرسمي كان (ممنوع)، حتى رسم (البطيخ).
فجاءت فكرة رسم رمز البطيخ كتعبير عبقري وساخر عن إصرار الشعب الفلسطيني وقام الفنان التشكيلي خالد حوراني بتنفيذها في عام 2007 في إطار مشروع أطلس فلسطين الذاتي، حيث رسم لوحة بعنوان (العَلَم البطيخة) للتعبير عن نضال الشعب الفلسطيني.
وقد نُشر العمل في كتاب أطلس فلسطين الذاتي (Subjective Atlas of Palestine) في عام 2007، كجزء من فكرة عن عَلَم فلسطين الجديد، وفي سنة 2009 قام برسم بطيخة على حائط صالة العرض في مدينة تولوز في فرنسا بحجم ضخم، وكرر ذلك في العديد من المعارض الفنية.
البطيخ رسالة فنية ضد الظلم والتمييز:
على الرغم من رفع إسرائيل الحظر عن العلم الفلسطيني في عام 1993 كجزء من اتفاقيات أوسلو، إلا أنه في يناير الماضي قام وزير الأمن القومي الإسرائيلي إيتامار بن غفير بمنح الشرطة سلطة مصادرة الأعلام الفلسطينية في الأماكن العامة، باعتبارها رمزًا يدعم (الإرهاب)، استنادًا إلى مادة قانونية تجيز إزالة الأعلام إذا شكلت تهديدًا للنظام والأمن في الدولة.
قصة شعب يواجه التحديات:
وسط القمع والمنع، تحول مصير البطيخ من مجرد فاكهة صيفية تميزت بها فلسطين إلى رمز للثبات والتميز الذي لا يقهر، يُظهر استمرارية صمود الشعب الفلسطيني وقدرته على التصدي للتحديات أمام ما يتعرض له الفلسطينيون من أفعال غير إنسانية، وتتجلى مقاومة الشعب وقدرته على التعبير عن رفضه للظلم والتمييز بشكل فني يشدد على القوة والإرادة الإنسانية.
هذا التعبير الفني ليس مجرد مظهر جمالي، بل هو نداء صارخ يروي قصة شعب يواجه التحديات بشكل إيجابي ويجسد قوته الروحية.
في ختام هذه الرحلة الفنية والتاريخية، يظهر رمز البطيخ كلغة فنية تتحدث عن صمود الشعب الفلسطيني أمام التحديات، إنه رمز ينقل رسالة صارخة للعالم، تروي قصة قوة وإرادة تتحدى كل قيود وتعبر عن الروح الإنسانية في وجه الظروف الصعبة.
اقرأ أيضًا: الضحايا والشهداء الفلسطينيين.. 15 عاما من الدمار والقتل في غزة
كتبت: أية صابر مكاوي.