دولة المماليك.. حكاية السلطة والفساد الذي قاد إلى السقوط

سقوط دولة المماليك

سقوط دولة المماليك

التاريخ مخزن العبر والدروس والتجارب التي يجب أن يعلمها الجميع؛ ليعرفوا ماذا سيحدث غدًا، وما هي أخطاء الأمس حتى لا نكررها اليوم وغدًا، ويعد التاريخ المصري هو أقدم تاريخ مكتوب لدى البشرية ومرجعها الأول، حيث يتسم بالغنى بالعبر والدروس، ومن بين الحقب الزمنية الهامة التي أثرت في تشكيله، يبرز دور دولة المماليك التي ساهمت بشكل بارز في تغيير مساره وإضفاء بصمة فريدة على هذا التراث الرائع.

ماذا تعرف عن دولة المماليك؟

كانت دولة المماليك أقوى قوة عسكرية في العالم لعدة قرون، فقد استطاعت هذه الدولة هزيمة الشرق والغرب وتحرير كل الأراضي العربية من الاحتلال الشرقي المغول والتتار والغربي الصليبين والفرنجة.

ماذا تعرف عن دولة المماليك؟

وأصبح المماليك سادة الشرق ومخزن كنوزه المالية وتحكموا في طرق التجارة العالمية، وخطب ودهم ورضاهم الملوك والأمراء من جميع أصقاع الأرض من ملوك الهند والصين شرقًا إلى ملوك الإنجليز غربًا، وبخزائن مصر الزراعية والإنتاجية لكل المنتجات الصناعية المعروفة في هذا العصر، تحولت دولة المماليك المصرية إلى قوى عالمية عظمى.

اقرأ أيضًا: دولة المماليك.. صفحة مضيئة تضاف إلى تاريخ المسلمين

لماذا سقطت دولة المماليك؟

السبب الأول هو الفساد، في كل كتب التاريخ التي درسناها كانت تلخص أسباب سقوط دولة المماليك وهزيمتها من الدولة العثمانية في عدة أمور، منها:

  • تحول طرق التجارة من مصر إلى طريق رأس الرجاء الصالح.
  • استخدام العثمانيين مدافع أكثر تطورًا وأكثر مدى.
  • وجود بعض الخونة في صفوف الجيش المصري المملوكي.

لماذا سقطت دولة المماليك؟

هذه هي الأسباب الأكاديمية لسقوط دولة المماليك، لكن وراء هذه العوامل خطران مهمان هما في حقيقه الأمر ما أدوا إلى تلك الأسباب، ومن ثم إلى هذا السقوط المروع بعد القوة والعزة والسيادة، وهذان العاملان هما الفساد وعدم الاستقرار السياسي لدى دولة المماليك.

الحكم لمن غلب:

للأسف فقد حملت دولة المماليك فيروس نهايتها داخل جسدها منذ اليوم الأول لولادتها، وهذا الفيروس القاتل كان عدم الاستقرار السياسي، فقد استقرت البشرية ونظامها السياسي للحكم منذ فجر التاريخ أن يأتي حاكم قوى يستطيع توحيد البلاد تحت سيطرته، ويفرض عليها الطاعة ويوفر لها الأمن والأمان ويراعى معتقداتها الدينية والمذهبية، ويقنع من حوله من قادة سياسيين ودينين وتجاريين بمميزات حكمه ووجوب توريث هذا الحكم لأبنائه حتى تستقر الأمور السياسية والاقتصادية والدينية في البلاد بعد وفاته، ويصبح قادة هذه القطاعات هما الذين يدعون المواطنين وأهل الحل والعقد لقبول تلك الأسرة الحاكمة.

ومن هنا تأتي شرعية تلك الأسرة الحاكمة وتقديسها وعدم تغيرها إلا إذا مرت البلاد بانتكاسة اقتصادية هائلة، وخروج أمور الدولة عن سيطرة الحاكم وأتباعه، وهنا يأتي ميعاد التغيير الحتمي، كانت هذه هي مسيرة الحكم في مصر طيلة الحكم الفرعوني أو المصري القديم، ولم تختلف أبان العصر الإسلامي في الدولة الأموية أو الدولة العباسية بشقيها الأول والثاني.

دولة المماليك العسكرية:

لكن دولة المماليك العسكرية جاءت بنهج جديد أن قادة الدولة المملوكية كانوا جميعًا أكفاء أقوياء متساوين في الرتب والنفوذ، فكان على أحدهم أن يثبت أنه الأقوى والأقدر بحكم البلاد والعباد عن طريق واحد، وهو التخلص من منافسه والجلوس مكانه على عرش مصر والدولة المملوكية، فعلت هذا شجرة الدر بقتل توران شاه ابن زوجها نجم الدين الأيوبي، ثم فعلته مع زوجها عز الدين أيبك، ثم فعله قطز معها بمساعدة زوجة عزالدين أيبك الأولى أم علي.

دولة المماليك العسكرية

ثم فعل ذلك الظاهر بيبرس مع قطز بقتله وهم عائدون من الشام بعد أن انتصروا في معركة عين جالوت على التتار، وظل هذا الفيروس القاتل ينتقل من جيل لأخر حتى وصل الأمر أن أحد ملوك الدولة لم يلبث على الكرسي أكثر من ليلة واحدة وفي الصباح تم قتله.

عدم الاستقرار السياسي هذا أدى إلى عدم استقرار علمي أو اقتصادي، وأبعد الدولة عن أي تخطيط لمستقبل البلاد فهذا التخطيط الاقتصادي والمعماري والإنتاجي، لا بد له من استقرار ودعم سياسي من حاكم البلاد وأركان حكمه، وهذا ما فقدته مصر أغلب سنوات حكم الدولة المملوكية الأهم عصر الظاهر بيبرس وعهد الناصر محمد بن قلاوون، وعدم الاستقرار السياسي أدى لتفشي الفيروس القاتل الآخر وهو الفساد.

الفساد الإداري:

لم يسبق لمصر أن شهدت فسادًا إداريًا كما شهدت أيام دولة المماليك وخاصة الجزء الثاني من دولتهم أو أيام ملوك الأيام والشهور وبعض السنين، فقد تحولت مناصب الدولة ومواردها لفساد غير مسبوق وكانت الرشوة هي القاعدة لكل إنجاز أو وظيفة أو تجارة حتى الورثة لا يستطيعون أخذ ميراثهم الشرعي إلا بعد رشوة الأمراء والبكوات، وإلا تمت مصادرة أموال المتوفي لخزينة الدولة وجيوب الأمراء بحجة عدم وجود ورثة شرعيين للمتوفي.

الفساد الإداري

وانتشرت دكاكين شهود الزور بجوار المحاكم، حيث يستأجر أي شخص بعضا من هؤلاء الشهود؛ لإثبات نسبه أو مظلمته وإشهاد هؤلاء الشهود المرتشين، ولم يستثنى أحد من أخذ الرشوة من السلطان إلى أقل موظف من موظفين الدولة.

وفى هذا الجو المفعم بالفساد والرشوة والتدين الظاهري تسقط دولة المماليك عظيمة البنيان مع أول ضربة من معول الهدم، فقد أكل الفساد والرشوة والمال الحرام والظلم قواعد الدولة، كما أكل النمل عصا سيدنا سليمان فخر البنيان بعد أن تهدم الانسان، أرجو أن نأخذ الدروس والعبر في أيامنا فالإنسان أهم من البنيان، ورعاية الإنسان تعليميًا وثقافيًا وحقوقيًا أهم من بناء المرافق والأبنية.

اقرأ أيضًا: السلطان السابع الملك الصالح نجم الدين أيوب

كتب: أحمد عبد الواحد إبراهيم.