إذا كانت الموسيقى والغناء مملكة، فأم كلثوم تتربع على عرشها بكل فخر وجدارة، إنها تجسد جاذبية الطرب والأداء بصوتها الفريد وإحساسها العميق، أما اختياراتها الرائعة من كلمات وألحان، فتمنحها لقبي كوكب الشرق وسيدة الغناء العربي، انطلق معنا في هذه الرحلة لنستكشف محطات حياة هذه الفنانة الاستثنائية بمناسبة احتفالنا بـ 125 عامًا على ميلادها.
من هي أم كلثوم؟
هي فاطمة بنت الشيخ المؤذن إبراهيم السيد البلتاجي، واشتهرت أيضًا بكُنيتها المعروفة أم كلثوم، كما أطلق عليها عدة ألقاب مثل: ثومة، الست، سيدة الغناء العربي، شمس الأصيل، صاحبة العصمة، كوكب الشرق، قيثارة الغناء، فنانة الشعب، وغيرها من الألقاب الأخرى.


من هي أم كلثوم؟
ولدت أم كلثوم في محافظة الدقهلية في يوم 31 ديسمبر عام 1898م، أو رسميًا وحسب ما تم قيده في السجلات المدنية في 4 مايو 1908م، وتوفيت في القاهرة بعد معاناة مع المرض في يوم 3 فبراير عام 1975م، وتعتبر من أبرز مغنيات القرن العشرين، حيث بدأت مشوارها الفني منذ صغرها وكانت في سن الطفولة، ذاعت شهرتها في مصر وفي الوطن العربي والعالم كله، في يوم 31 مايو 1934م تم افتتاح الإذاعة المصرية وكانت أول من غنى فيها.
اقرأ أيضًا: ذكرى وفاة ليلى مراد.. نظرة على حياة قيثارة الفن الراحلة
بدايات أم كلثوم:
في عام 1921م، رجعت أم كلثوم إلى القاهرة واستقرت بها، وكانت في ذلك الوقت تغني في مسرح البوسفور في ميدان رمسيس بدون فرقة موسيقية، كما غنت أيضًا على مسرح حديقة الأزبكية وسمع صوتها عددًا من فناني عصرها مثل الشيخ علي القصبجي ومنيرة المهدية، وفي عام 1923م التقت بالموسيقار محمد عبد الوهاب لأول مرة في إحدى الحفلات المنزلية التي كانت تغني فيها.
بدايات أم كلثوم
وفي عام 1924م، كانت شهرتها بعدما غنت قصيدة (وحقك أنت المنى والطلب) من تلحين أبو العلا، وتعتبر هذه أول أسطوانة صدرت لها، وبيع منها ثماني عشرة ألف أسطوانة.
أم كلثوم وأحمد رامي:
تعرف أحمد رامي عليها في عام 1924، عندما قدمها الشيخ أبو العلا في إحدى الحفلات والتي غنت فيها أغنية (الصب تفضحه عيونه) من تأليف أحمد رامي، الذي شعر حينها أنه قد وجد هدفه الذي يبحث عنه، فتولى تعليمها أصول اللغة والشعر، وارتفع مستواها وأضافت مهارات وقدرات جديدة إلى مهاراتها الغنائية.
أم كلثوم وأحمد رامي
أم كلثوم والقصبجي:
عندما غنت طقطوقة (قال إيه حلف ما يكلمنيش) في عام 1924م، من ألحان محمد القصبجي، اعتبرت البداية الحقيقية لها خاصة بعدما سمعها محمد القصبجي وكان الملحن المجدد وقتها، وأعجب بصوتها ومهاراتها الغنائية، فقام بتدريبها وتعليمها المقامات الموسيقية وبدأ في تلحين أغنيات خاصة بها.
أم كلثوم والقصبجي
التعاون مع السنباطي:
في عام 1935م، غنت أغنية (على بلد المحبوب وديني)، وكانت من ألحان ملحن شاب غير معروف اسمه رياض السنباطي، وتألقت مع ألحانه حيث ظل التعامل بينهما لما يقرب من 40 عامًا، ويكاد يكون هو ملحنها الوحيد في فترة الخمسينيات، وفي عام 1943م ترأست أم كلثوم أول نقابة للموسيقيين وظلت بهذا المنصب مدة حوالي عشر سنوات.
اقرأ أيضًا: في ذكرى ميلاد ثومةقيثارة الشرق ال 122 شاهد عن قرب حياة أم كلثوم
وفي عام 1946م، قامت بغناء 3 قصائد من ألحان السنباطي وكلمات أحمد شوقي، وهذه القصائد هي:
1-(سلوا قلبي)، التي قيل إنها أخذت بُعدًا سياسيًا في أبياتها التي كانت تقول:
وما نيل المطالب بالتمني
ولكن تؤخذ الدنيا غلابا
لأن ذلك كان بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية ومخالفة بريطانيا وعدها لمصر بمنحها الاستقلال التام عنها.
2-قصيدة (ولد الهدى)، التي بعد غنائها وصل خطاب من القصر الملكي يطالب بتغيير كلمة (الاشتراكيون) في البيت الذي يقول:
الاشتراكيون أنت إمامهم
لولا دعاوي القومُ والغلواءُ
لأن هذه الكلمة لم تكن تتماشى مع تطلعات القصر وانتمائه، إلا أنها أصرَّت على عدم تغيير أي كلمة من القصيدة.
4-القصيدة الثالثة، هي أروع ما غنت في المديح النبوي وهي قصيدة (نهج البردة).
التعاون مع السنباطي
وفي عام 1955م، غنت قصيدة (ذكريات) من ألحان رياض السنباطي، وكلمات الشاعر أحمد رامي، ثم بعد ذلك وفي عام 1966، غنت قصيدة (الأطلال) من ألحان رياض السنباطي، وكلمات الشاعر إبراهيم ناجي وكانت هذه القصيدة بعد عام واحد من غنائها لأغنية (أنت عمري) من ألحان الموسيقار محمد عبد الوهاب، حيث كان ذلك ردًا قويًا من السنباطي على لحن عبد الوهاب أنت عمري، والذي حقق نجاحًا واسعًا، وأثبت السنباطي بذلك اللحن قدرته الفائقة على تلحين القصائد الفصيحة، وحققت الأطلال نجاحًا قويًا.
ومن أشهر الأغاني التي غنتها أم كلثوم على سبيل المثال لا الحصر:
- أنا وأنت ظلمنا الحب.
- الحب كده.
- هجرتك يمكن أنسى هواك.
- سيرة الحب.
- عودت عيني.
اقرأ أيضًا: أحمد زكي.. فن النمر الأسود يتجدد في ذكرى ميلاده الـ 77
مواقف لأم كلثوم على المسرح في حفلاتها الغنائية:
بمناسبة مرور 125عامًا على ميلادها، هذه بعض المواقف التي حدثت لها في بعض حفلاتها الغنائية:
1-أم كلثوم في حفلات لبيبا:
في إحدى حفلاتها التي أقيمت في بنغازي بدولة لبيبا، قامت بشتم أحد المستمعين الليبيين أثناء الحفل، حيث قالت له: “أخرس.. قليل الأدب”، بعد أن قال لها: “عيدي يا مره”.
2-أم كلثوم في حفلات تونس:
في إحدى حفلاتها بتونس كادت أن تنسى كلمات الأغنية إلا أن عازف الناي (سيد سالم) أدركها وقام بتلقينها الكلمات، والجدير بالذكر أن سيد سالم كان من أشد المحبين لها لدرجة أنه بعد وفاتها أصيب بحالة صدمة شديدة لمدة ستة أشهر وهو غير مصدق أن أم كلثوم ماتت.
مواقف لأم كلثوم على المسرح في حفلاتها الغنائية
3-بكاء أم كلثوم على المسرح:
في إحدى الحفلات، بكت على المسرح أثناء غنائها المقطع الأخير من أغنية (دارت الأيام)، وكان ذلك بسبب وفاة الرئيس جمال عبد الناصر، حيث كانت هذه الحفلة أول حفل تحييها الست بعد وفاة الرئيس الراحل جمال عبد الناصر، وبكت لمدة نصف ساعة كاملة، مما جعل الجمهور في حالة دهشة وصدمة كبيرة من دموع الست.
المرض والوفاة:
كانت أم كلثوم ستقوم بغناء أغنية (أوقاتي بتحلو) التي غنتها الفنانة وردة بعد ذلك، وأثناء البروفات للأغنية وقعت صريعة لمرض التهاب الكلى، وسافرت إلى لندن للعلاج، وقبل سفرها طلبت من الشاعر صالح جودت أن يكتب لها أغنية بمناسبة حرب أكتوبر، وعندما رجعت طلبت من الملحن رياض السنباطي تلحينها حتى تغنيها في عيد النصر لكنها توفيت قبل تأديتها، في عام 1971م بدأت صحتها تسوء فانقطعت عن الحفلات، وكانت آخر ما غنته أغنية (ليلة حب) في يوم 17 نوفمبر 1972م.
وفي يوم الاثنين الموافق 3 فبراير 1975م الساعة الرابعة مساءً توفيت أم كلثوم في القاهرة عن عمر يناهز 76 عامًا وشُيعت جنازتها من مسجد عمر مكرم، وكانت جنازة مهيبة ورسمية من أكبر الجنازات في العالم، حيث بلغ عدد المشيعين بين 2 إلى 4 ملايين شخص.
المرض والوفاة
وقامت إذاعات الشرق الأوسط والبرنامج العام وصوت العرب بالإعلان عن وفاتها، وظهر الكاتب الكبير يوسف السباعي في تمام السادسة مساءً ليلقي النبأ، كما وقف سيد مرعي رئيس مجلس الشعب في ذلك الوقت دقيقة حدادًا، وأرسل الأمير السعودي عبد الله الفيصل هدية كانت عبارة عن عدة ليترات من ماء زمزم وصلت مباشرة من الأراضي المقدسة كواجب أخير.
وختامًا عزيزي القارئ، كانت هذه بعض المحطات من حياة الست سيدة الغناء العربي وكوكب الشرق أم كلثوم بمناسبة مرور 125 عامًا على ميلادها، وبالرغم من هذا العمر ووفاتها منذ 48 عامًا، إلا إنها ما زالت حية في قلوب معجبيها ومحبيها في مصر والعالم العربي بصوتها الخالد وأعمالها الباقية.
اقرأ أيضًا: ثريا حلمي.. فنانة المونولوج في ذكرى ميلادها الـ 100
كتبت: سحر علي.