منذ عدة سنوات تقابل الرئيس الأمريكي ترامب مع رئيس الصين، وأراد الرئيس الصيني أن يتباهى على الرئيس الأمريكي بأن دولة الصين دولة قديمة ذات حضارة عريقة ضاربة في جذور التاريخ، وبذكاء الرئيس الأمريكي ذكر أن مصر هي أقدم دولة في التاريخ وليست الصين، وهنا أكد الرئيس على صحة تلك المعلومة بأن مصر أقدم دولة في التاريخ، وما أكد عليه الرئيسان الصيني والأمريكي يعرفه عموم المثقفون في كل بقاع الأرض.
لكن السؤال المحير لكل من يشاهد ويرى الحضارة المصرية القديمة هو متى بدأت الدولة المصرية؟ وهل جاءت الدولة المصرية أولًا أم جاء الشعب المصري أولًا؟ وهل ما نراه من أهرامات ومعابد وآثار للمصري القديم هي كل إنجازات تلك الحضارة؟ وهل سنكتشف آثارا أخرى تكشف لنا بعض أسرار تلك الحضارة والدولة المصرية القديمة؟ هذا ما سنحاول أن نجيب عليه في هذا المقال.
متى بدأت الحضارة المصرية القديمة؟
يخطيء الكثيرمن الناس والباحثين والمثقفين في الظن أن الحضارة المصرية القديمة ظهرت منذ خمسة آلاف عام، فحسب اعتقاد البعض بدأت الحضارة المصرية مع توحيد الملك مينا مؤسس الأسرة الأولى القديمة (الفرعونية) شقي مصر الشمالي والجنوبي، وارتداء تاجي الشمال والجنوب الأحمر والأبيض رمزًا لتوحيد مصر، وكان ذلك قبل خمسة آلاف عام تقريبًا.
لكن ما يجهله البعض وما لا يريد الاعتراف به البعض أن الملك مينا أعاد توحيد مصر السفلى والعليا تحت إدارته، بمعنى أن مصر كانت دولة موحدة قبل زمن الملك مينا بكثير، وكما حدث عدة مرات خلال التاريخ المصري القديم والحديث يأتي ملوك ضعاف يعطون الفرصة لحكام الأقاليم بالغنى والسيطرة والنفوذ الذي يجعلهم يعتقدون أنهم يستطيعون الانفصال أو التمرد على الحكومة المركزية، ثم تدور دورة الأيام والأحداث ويأتي ملك قوي يقلص من نفوذ وأموال وسلطات حكام الأقاليم لصالح الدولة المركزية، ومن يتمرد يلق جنود الملك الفرعون تدك حصونه وتقتل هذا الحاكم المتمرد هو وجنوده.
اقرأ أيضًا: أشهر معالم الحضارة البابلية
إذًا فإن الملك مينا لم يوحد مصر لأول مرة، بل هو أعاد توحيد مصر بعد فترة ضعف وقلاقل، وقد ذكرت بعض البرديات أن هناك سبعة عشر ملكا من ملوك مصر سبقوا الملك مينا في حكم وتوحيد مصر، أشهرهم الملك العقرب حيث تم العثور على سلاحه الشخصي الذي كان يحارب به أعداءه، وهو عبارة عن عمود من الجرانيت له رأس كروي الشكل يشبه الكمثرى.
إذًا دولة مصر كانت موجودة ذات حدود معروفة ومظاهر بادية لكل شعوب الأرض، لكن تلك الحضارة المصرية السحيقة لم نعرف عنها إلا النذر اليسير، لكونها لم تكن قد اخترعت الكتابة ونقل المعلومة والاحتفاظ بها كما فعل الجيل الأحدث من المصريين، منذ عصر الأسرات الثلاثين الذي دأب على كتابة كل انتصاراته وإنجازاته الحياتية والعلمية والعقائدية والدينية على ورق البردي، الذي فقد معظمه وعلى جدران المعابد والمقابر وتماثيل شخصياته العامة وملوكه وملكاته.
مراكز الإشعاع الحضاري في مصر:
قد ذكرت الدكتورة منى عبد الرحمن وهي باحثة جزائرية عن الحضارة المصرية، إن المدن المصرية التالية هي أقدم مدن على ظهر كوكب الأرض، كما تعد أول مركز حضارية ومدنية أخرجت الإنسان الأول من طور القبيلة والجماعة، ثم طور القرية إلى أول مظهر حضارة ممتد نعرفه الآن وهي المدينة كما نعرفها الآن، حيث تجمع ناس مختلفو المظهر والديانة والمذهب والصنعة والحرفة، لكنهم يتعاونون متكاملين متناغمين يعزفون لحنا لحياة سعيدة لجميع سكان المدينة رغم اختلافاتهم العميقة.
وكما أوضحت الدكتورة منى أن تلك المدن لم تتغير جغرافيًا ولا اسميًا منذ وجودها، ومن تلك المدن:
- مدينة الفيوم ظهرت على مسرح الأحداث منذ 4000 عام قبل الميلاد أي أكثر من 6000 عام.
- مدينة نقادة منذ أكثر من 4000 عام قبل الميلاد.
- مدينة صان الحجر ظهرت منذ أكثر من 3300 عام قبل الميلاد.
- مدينة هليوبوليس ظهرت منذ أكثر من 3200 عام قبل الميلاد.
- مدينة أسوان ظهرت منذ أكثر من 3150 عام قبل الميلاد.
- مدينة أهناسيا بنى سويف ظهرت منذ أكثر من 3000 عام قبل الميلاد.
- مدينة رشيد ظهرت منذ أكثر 2590 عام قبل الميلاد.
- مدينة الأقصر وضع حجر أساسها في عام 2575 قبل الميلاد.
- أجدد مدن قديمة كانت الإسكندرية عام 330 قبل الميلاد.
وهذا البحث القيم يثبت أن الدولة المصرية جاءت أولًا وصنعت حضارة متطورة وعظيمة، كانت من نتائج تلك الحضارة تلك المعابد والمقابر والعلوم التي نجهل أكثرها وننبهر بما نعرفه منها، تلك هي مصر وشعبها صانعو الحضارة والتقدم.
اقرأ أيضًا: أشهر معالم الحضارة المصرية وتاريخها ونشأتها 2022
كتب: أحمد عبد الواحد إبراهيم.