لقد مر على تاريخ مصر الممتد عبر آلاف السنين مئات من الحكام المصريين، سواء كانوا مصريين من حيث النشأة والولادة والتربية، أو تمصروا وصهرتهم مصر بشمسها وروتهم من نيلها؛ فحولتهم إلى مصريي الهوية واللغة والتفكير، وإن اختلفوا في لون البشرة وموطن الولادة، يتساوى في ذلك الحبشي كافور الإخشيدي، أو الرومي كأحمد بن طولون، أو المغربي كالمعز لدين الله الفاطمي، أو من كازخستان كالظاهر بيبرس البندقداري أو الالباني كمحمد علي باشا.

الجميع أصبحوا مصريي الهوية والتفكير، وفى هذا المقال سنتعرف على العامل المشترك بين كل حكام مصر منذ عهد المصريين القدماء حتى الآن، فهيا معا نبدأ الرحلة.

السر الأعظم المشترك بين كل حكام مصر:

هناك سؤال يتبادر للأذهان هو كيف عرفنا حكام مصر عبر التاريخ برغم كثرة هؤلاء الحكام وتعددهم؟ ولماذا تعلق في أذهان العامة والخاصة بعض أسماء الحكام أكثر من غيرهم؟ بل إننا قد لا نعرف الكثير من الحكام المصريين وفي الوقت نفسه نعرف الكثير عن بعض الحكام، برغم إن بعضهم قد مضى حكمه مئات السنين لكننا نتذكر اسمه وأفعاله وإنجازاته، وهنا سنخبركم السر الأعظم والأكثر غموض في الحضارة المصرية.

السر الأعظم المشترك بين كل حكام مصر

السر الأعظم المشترك بين كل حكام مصر

اقرأ أيضًا: الملكة كليوباترا.. أشهر ملكات مصر في التاريخ القديم

الخلود:

كلمه السر للحضارة المصرية وكل من آمن بقدرة مصر وتاريخ مصر الخالد، وأحب أن يكون من الخالدين، وأن يذكر اسمه على مر العصور في كتاب مصر الخالد وجدار إنجازاتها العظيم، عليه أن ينقش اسمه بعمل كبير وأثر خالد ينفع الناس وتتوارثه الأجيال، وينتقل عمله الصالح من جيل إلى جيل ومعه اسمه ولقبه، ويصبح من الخالدين على مر الزمان.

ولا عجب فهذه الأهرامات والمعابد قد خلدت أسماء اصحابها ومن بعدهم، آمن الكثيرون من حكام مصر بقدرتها على تخليد اسمه أن اقترن اسمه بها، فنجد كل الغزاة والفاتحين يتكالبون على غزو مصر ليس لشيء أكثر أهمية من أن ينتصروا على البلد الذي انتصر على العالم، وأن يحكموا أقدم دولة في العالم، وأن يكتبوا كلمة في كتاب مصر الخالد حتى ولو كانت تلك الكلمة بدماء أهلها.

والكثير من الحكام انبهروا بخلود مصر؛ فقدموا لألهتها القرابين، وانشأوا فيها المدن لتخلد ذكراهم، كما صنع الإسكندر المقدوني عندما غزا مصر وقدم الهدايا لكهنة معابد سيوة وبنى مدينة الإسكندرية، ومن بعده سار كل عاشق لتاريخ مصر وعاشق للخلود ويعرف لمصر قدرها، فهاهو المعز لدين الله الفاطمي وخلفاؤه يبنون القاهرة ويجعلوها مدينة المدائن.

الإسكندر المقدوني

الإسكندر المقدوني

ومن قبلهم كان أحمد بن طولون، فقد بنى مدينة القطائع أو حي مصر القديمة (كما نعرفها الآن)، وبنى بها مسجده العامر للآن والذي يعد تحفة معمارية خالدة، بناه مهندس مصري وضع أمامه شرط حاكم مصر بن طولون حينما قال له: “أريد مسجدًا لا تأكله النيران ولا يدمره الفيضان”، فكان مسجد أحمد بن طولون فوق ربوة عالية، له سور أمامي وسور خلفي أعلى؛ لحماية المسجد الجامع من أي فيضان وتم استخدام الحجارة وأكثرها من معابد مصر القديمة، حتى لا تجد النيران سبيلًا إلى مبانيه.

ومن بعدهم جاء صلاح الدين الأيوبي؛ ليخلد اسمه بعملين عظيمين أحدهم انتصاره على الصليبين في موقعة حطين، والآخر بناء أسوار حماية حول القاهرة، وبناء قلعة عظيمة لحماية مصر كلها، وأصبحت تلك القلعة الحصينة مقرًا للحكم طيلة سبعة قرون كاملة.

الإسكندر المقدوني

الإسكندر المقدوني

وهذا العشق للخلود استولى على عقول وقلوب كل حكام مصر، فهذا الظاهر بيبرس محطم الصليبين والمغول، يبني مسجده العامر للآن مسجد الظاهر بيبرس في الحي الذي حمل اسمه أيضًا (حي الظاهر)، ليخلد الرجل اسمه على مر الزمان؛ لأنه حكم وبنى وحارب من أجل مصر الخالدة، وشعبها الخالد الذي أعطى الخلود لكل من ضحى من أجله، وبنى وعمر في ربوع بلاده مصر الخالدة.

بهذا نختم مقالنا في استكشاف العامل المشترك بين جميع حكام مصر عبر التاريخ، فقد أسهم كل حاكم في بناء مصر الخالدة وترك بصمة خالدة من خلال إنجازاته وأعماله التي تجاوزت حياته الزمانية، وفي المقال التالي نستكمل معًا رحلة الخلود المصرية.

اقرأ أيضًا: تعرف على الملك الصبي توت عنخ آمون في الذكرى الـ 100 لاكتشاف مقبرته

كتب: أحمد عبد الواحد.