في ظل عالم غابت عنه الإنسانية يشاهد في صمت ولا يتفاعل إلا بالإيموشن، ولا يحرك ساكنًا تجاه الأرواح البريئة التي لا تحلم إلا بأرض حرة مستقلة بلا عدوان، والله إن صمودهم جعلنا نخجل من أنفسنا ومن مشاكلنا التافهة التي لا تساوي جناح بعوضة مما يتكبدونه من فقدان ووجع وقذف وتهجير وأحلام ضائعة وبلا مأوى.
إنها غزة التي تبكى يوميًا دون جدوى في عالم لا يسمع ولا يرى إلا مصلحته الذاتية، إنها العمر الذي يقدم بكل رضا لتكون أقوى، إنها الصلابة التي لا تذل بل تقوى، كلما شبعت الأرض بدماء الشهداء كلما تمسكوا بأرضهم أكثر.
الشعب الفلسطيني نرى في أعينهم أملًا كفيلًا أن يهزم أوجاع العالم بأسره، وليست أوجاعهم فقط وفي أرواحهم قوة وفي وجوههم ابتسامة تقهر كل جيوش الأرض قهرًا، لم نر فيهم أبدًا مستسلمًا أو ضعيفًا أو فاقد الهوية، يعلمون جيدًا أن النصر قادم من عند الله وأن البشر أصبحوا لا جدوى منهم.
اقرأ أيضًا: غزة جُرح المسلمين الذي لا يُشفى
تحية للشعب الفلسطيني الذين نضجت أرواحهم عندما علموا أن الخذلان لا يقتل قضية وطن، وأن الشمس لا بد أن تشرق من جديد، إنهم استعانوا بقوة الله التي لا تقهر وشدوا رحالهم إلى يقين حقيقي لا ينهزم؛ فصنعوا قوة في قلوبهم لا يستطيع أن يهزمها صهيوني لعين.
غزة وأهل غزة القوة لديهم في اليقين بأن هناك شمسًا ستشرق بالحرية، وإن غاب ميعادها ولكل ظالم نهاية، وإن تجرعوا الوجع والظلم والهوان واليأس والانكسار، إنهم فهموا المعنى الحقيقي للحياة وإنهم أصحاب رحلة قصيرة في الحياة، ولكنهم أيضًا أصحاب قضية لن تموت بموت أجسادهم.
الشخصية الفلسطينية يجب أن تدرس ويكتب عنها آلاف الكتب وكيف لهم أن يتعايشوا رافعين شعار أن الحياة ما زالت مستمرة، يحتفلون بالأعياد والمناسبات رغم قلوبهم الموجوعة ومستقبلهم الذي لا خريطة له، وإن ضحكتهم وصمودهم يقتل بني صهيون ألف مرة في اليوم، لقد علمونا بل علموا العالم كله أن نصنع من الألم الأمل والتسليم بأن هناك حقًا لا يموت بموت أصحابه، وإنما هو الصبر وكيفية تعلمنا للصبر بالرغم من فقدانهم لبيوتهم وأهلهم وحياتهم، إلا إنهم مبتسمون ابتسامة قلب شجاع أصابه النضج رغمًا عنه من كثرة الأوجاع التي لحقت به، وإنهم يتحملون ما لا يتحمله طاقة بشر ورغم ذلك لم يصيبهم الاستسلام أو الهزيمة.
دومًا يفشل اليهود في قتل القضية وحب الوطن داخل قلوب الفلسطينيين حتى لو كان طفلًا وليدًا؛ لأنهم يولدون ولديهم الإيمان واليقين في داخل جيناتهم الوراثية لا يحتاجون أن يعلمهم أحد حب الوطن مثلما يعلمهم الحياة، فحب الوطن منقوش بل محفور على جدران قلوبهم.
لقد كل ومل جنود الجيش الإسرائيلي من الحرب رغم أحدث الأسلحة والدبابات والطائرات، ولكن جنود الله لم يكلوا أو يملوا؛ لأنهم أصحاب اليقين الذي لا ينقطع، وإن أصغر طفل فلسطيني لم يتعلم الكلام بعد تجده متعلمًا بالفطرة حب الوطن وفي عيونه ترى شجاعة وإيمان ألف محارب.
وختامًا فلسطين وصلابة وعزيمة شعبها هي درس لنا وللأجيال القادمة وللعالم بأسره، لنتعلم كيف نجعل من كل ألم بداخلنا أملًا، ومن كل هزيمة ويأس نصرًا قادمًا وإن تأخر ميعاده، ومن الوجع بداية للتعافي ومن اليقين ما يطمئن قلبك بأن هناك ربًا يعلم بحالك وإن خذلك جميع البشر، وإن استطاع الرصاص أن يحصد الأرواح والأحلام البريئة، لا يستطيع أن ينال من الإيمان المطلق بأن هناك حرية ونصرًا قادمين في يوم ما.
اقرأ أيضًا: أيها الموجوع صبرًا
كتبت: سلوى محمود.