الأخلاق الرياضية بين الإنسانية والتنافسية

يتحدث الكثيرون هذه الأيام حول الأخلاق الرياضية بين الإنسانية والتنافسية، خاصة بعد تصدر اسم اللاعبة المصرية (شهد سعيد) مواقع التواصل الاجتماعي، بعد تداول فيديو لها أثناء مشاركتها في بطولة الجمهورية لسباق الدراجات، الذي ظهر فيه تعمد اللاعبة لإيقاع زميلتها (جنة عليوة)، خلال آخر الأمتار في المنافسة؛ مما تسبب في إصابتها بارتجاج في المخ، وبعض الكسور والكدمات في مناطق متفرقة من الجسم، وأدى لخضوعها لعدة عمليات جراحية.

وقد قام الكثيرون بتلقيب شهد سعيد بلقب (عديمة الإنسانية)، نظرًا لأنها بعد إيقاع زميلتها، لم تنظر للخلف ولو لحظة للاطمئنان على زميلتها أو مساعدتها، وقد ثار الجدل بعد إعلان الاتحاد الدولي للدراجات مشاركة شهد سعيد في البطولة الدولية لسباق الدراجات 2024م المقامة في باريس، وقد طالب غالبية رواد التواصل الاجتماعي بعدم مشاركتها وتمثيلها لمصر حتى ولو أكدت لنا عودتها بالميدالية الذهبية، ولأن النقيض بنقيضه يظهر، سنتناول في هذه السطور بعضًا من النماذج التي تؤكد أن الرياضة أخلاق وإنسانية، بعيًدا عن الفوز والتنافسية.

اللاعبة شهد سعيد
اللاعبة شهد سعيد

الأخلاق الرياضية بين الإنسانية والتنافسية:

بالرغم من وجود إغراءات كثيرة قد تغري الكثير من الأشخاص وخاصة الرياضيين، بالتفكير في المصلحة والفوز وتحقيق المجد الشخصي دون التفكير في أية اعتبارات إنسانية أو مبادئ أخلاقية، إلا أن هناك بعض النماذج التي تثبت أن الرياضة روح وأخلاق وسلوك إنساني تميزه الرحمة والعدل، ومن هذه النماذج:

  • البطل المصري محمد رشوان:

بالرغم من مرور ما يقرب من 37 عامًا على تلك المناسبة، إلا أن العالم ما زال يتذكر البطل المصري محمد رشوان، الذي أصبح أيقونة تاريخية في منافسات الألعاب الأوليمبية منذ انطلاقها في أثينا عام 1896م، وخلد اسمه ليس في تاريخ الألعاب الأوليمبية فقط، بل في التاريخ الرياضي كله، وكتب اسمه بحروف من ذهب في سجلات الرياضة، رافعًا شعار (الأخلاق أهم من البطولة وأبقى من الذهب)، هذه الواقعة والقصة قد لا يتذكرها جيل الشباب الحالي، ولهذا وجب أن نعرضها حتى يتخذوا منها درسًا أخلاقيًا ورياضيًا، وهو أساس الرياضة.

البطل المصري محمد رشوان
البطل المصري محمد رشوان

حدثت القصة في دورة الألعاب الأوليمبية في لوس انجلوس بالولايات المتحدة الأمريكية عام 1984م، حيث كان الصعود الكبير للنجم والبطل المصري محمد رشوان في لعبة الجودو، بعد فوزه في كل المباريات السابقة، وكان المصريون والعرب ينتظرون منه العودة بالميدالية الذهبية والفوز على بطل العالم الياباني الشهير (ياسوهيرو ياماشيتا)، بدأت المباراة وكان واضحًا للجميع قدرة رشوان على هزيمة البطل الياباني والفوز بالذهب، ولكن اللاعب الياباني كان قد أصيب في قدمه، وطلب مدرب البطل المصري منه استغلال إصابة منافسه، والتركيز على قدمه المصابة، وهذا متاح حسب قانون اللعبة.

اقرأ أيضًا: الرياضة والدماغ.. كيف تعزز التمارين الأداء العقلي والذكاء؟

ولكن رشوان رفض ذلك تمامًا، بل إنه قام بتغيير طريقة لعبه حتى يتفادى قدم ياماشيتا المصابة، وقرر رفع شعار الرياضة أخلاق وإنسانية، واختار الفوز بالميدالية الفضية بشرف وفروسية وأخلاق، على الميدالية الذهبية الملوثة بعدم النزاهة واللعب الخسيس وغير النزيه، بعد ذلك في اليابان، تم منح رشوان أرفع وسام يمكن أن يحصل عليه رياضي هناك، وهو الوسام الإمبراطوري من إمبراطور اليابان شخصيًا، واستقبلته طوكيو ورحبت به وكأنه زعيم سياسي، ومنحته شرفًا لا يناله سوى اليابانيين، حيث سمحت له بالدخول إلى ملاعب التدريب اليابانية والتدريب فيها أيضًا، ومنذ ذلك اليوم يقوم رشوان بزيارة اليابان بصفة دائمة، حيث يتم استقباله كواحد من كبار زوار الدولة ويرحب به الناس في كل مكان.

  • العداءة النيوزيلندية نيكي هامبلين:

ضربت العداءة النيوزيلندية نيكي هامبلين مثلًا رائعًا في الروح الرياضية خلال مشاركتها ضمن منافسات البطولة الأولمبية في ريو دي جانيرو، وذلك عندما تخلت عن السباق؛ لإنقاذ زميلتها المصابة، وحدثت القصة خلال سباق نصف النهائي في الجري لمسافة 5000 مترًا، حيث تعرضت العداءة الأمريكية آبي داغوستينو لإصابة شديدة أجبرتها على التوقف، وعندما لاحظت ذلك زميلتها النيوزيلندية نيكي هامبلين، توقفت لتطمئن عليها وتقوم بإسعافها، وظلت بجوارها حتى جاء المسعفون، حيث حملوها على الكرسي المتحرك، وقد أثار هذا الموقف إعجاب كل المتابعين والمسئولين عن البطولة، واعتبروه مثالًا للروح الرياضية، ونتيجة لذلك الموقف الأخلاقي والإنساني قام الاتحاد الدولي للعبة باعتبار اللاعبتين فائزتين، وصعدت الاثنتان للدور النهائي من البطولة.

العداءة النيوزيلندية نيكي هامبلين
العداءة النيوزيلندية نيكي هامبلين

وختامًا عزيزي القارئ، تناولنا الأخلاق الرياضية بين الإنسانية والتنافسية، وكيف أن الرياضة الحقيقية هي منافسة شريفة تغلفها الرحمة والإنسانية، بعيدًا عن الفوز والخسارة، فالأخلاق أبقى وأخلد من الذهب.

اقرأ أيضًا: ما لا تعرفه عن بلع اللسان وتأثيره الكبير في عالم الرياضة

كتبت: سحر علي.