هل فكرت يومًا وأنت تتناول طبقًا شهيًا من الملوخية التي أطلق عليها أكلة الملوك أن وراء هذا الطبق حكاية طويلة تمتد جذورها عبر آلاف السنين؟ تعال معي عزيزي القارئ في السطور القليلة القادمة نذهب في رحلة شهية عبر التاريخ، لنتعرف معًا على أصل أكلة الملوك، والسر وراء (شهقتها) الشهيرة.
أصل الملوخية أكلة الملوك:
هي معشوقة المصريين كبارًا وصغارًا، أكاد أؤكد إنه لا يوجد مصري لا يحبها وتناولها مرات عديدة وهي مضافة إلى الأرز، أو مغموسة بالخبز المصري أو حتى شربها بمفردها كطبق شوربة لذيذ، الملوخية يا عزيزي حالة وسط بين الطعام المطبوخ وبين الشوربة، وبالرغم من أن اليابان نسبتها إليها مؤخرًا، إلا أن الجميع يقر بمصريتها وبقدرة المصريين الفائقة في طبخها، ورحلتها الطويلة عبر العصور التاريخية المختلفة، ففي كل عصر رواية عن أصلها، ويمكن تلخيصها في المراحل أو النقاط التالية:
الملوخية عند الفراعنة:
هذه الرواية تقول إن المصريين القدماء عرفوها، ووجدوا أوراقها تنمو على ضفاف النيل، ولكنهم لم يأكلوها لاعتقادهم أنها من النباتات السامة، وأطلقوا عليها اسم (خية)، وعندما جاء الهكسوس إلى مصر واحتلوها، قاموا بإجبار المصريين على تناولها، كنوع من العقاب والإهانة والإذلال لهم بتناول هذه النبتة السامة، وكانوا يقولون لهم: “ملو-خية”، وترجمتها (كلوا) (خية)، وبعد أن تناولها المصريون واعتقدوا أنهم ميتون بلا شك اكتشفوا أنها غير سامة، وأنها صالحة للأكل وتناولوها بعد ذلك، ولكنها كانت دون (الطشة) أو (التقلية).
الملوخية عند الفاطميين:
هذه الرواية تقول إن تاريخها في مصر بدأ في عهد الفاطميين، حيث كان الحاكم المعز لدين الله الفاطمي يعاني من آلام شديدة في البطن، ونصحه الأطباء بها كعلاج، وبالفعل تناولها وشفي بعد أكلها، وأطلق عليها اسم (ملوكية) أي أنها أكلة خاصة بالملوك فقط، ومن بعد المعز لدين الله جاء الحاكم بأمر الله لحكم مصر وأحب هو أيضًا (الملوكية) حبًا شديدًا، وسمع المصريون عن هذا الطبق (الملوكي) وأرادوا أكله، فقام الحاكم بأمر الله بالإشاعة بين المصريين أن هذا النبات سام، حتى يبتعد عامة الشعب عن أكلها وتظل أكلة الملوك فقط، ويستأثر بفوائدها لنفسه.
ولهذا كانت تزرع (الملوكية) في حديقة القصر؛ ليضمن عدم خروجها إلى عامة الناس، وبعد ذلك أجاز الحاكم بأمر الله للمصريين تناول (الملوكية)؛ فأعادوا تسميتها إلى ما كانت عليه في عصور الفراعنة (ملوخية)، ولأن وقت حكم الفاطميين شهد الكثير من الأكلات والإضافات الخاصة باللمسة المصرية فقط، أضاف المصريون تقلية الثوم إلى الملوخية، وأصبحت أطيب وأشهى وأحبها جميع المصريين بالتقلية.
اقرأ أيضًا: لذة القطايف.. تفاصيل مثيرة عن أصولها وتطورها الشهي
سر الشهقة في طشة الملوخية:
أغلب ربات البيوت المصريات يحرصن على إخراج شهيقهن بصوت عالٍ عند إضافة التقلية أو الطشة بالثوم إليها، بحجة أن الشهقة تساعد على عمل ملوخية لذيذة ولا تسقط في قعر الحلة، ولكن هناك العديد من الأساطير وراء هذه (الشهقة)، منها:
الأسطورة الأولى:
الحاكم بأمر الله كان يشاهد خادمه وهو يعد له طبق الملوكية، فسقطت ساخنة على قدميه؛ فشهق شهيقًا بصوت مرتفع، وعندما أجاز أكلها للمصريين، ربطوا الشهقة بالأمر الإيجابي، وهو أكلهم الملوخية بعد أن انتظروها لسنوات طويلة.
الأسطورة الثانية:
تقول بأنه كان هناك فتاة لا تجيد الطبخ، وكل من يأكل من يدها يتأفف من سوء مذاق أكلها، وذات مرة وهي تطبخ ملوخية عندما كانت تضيف الطشة لها اهتزت يدها وكادت أن تسقط عليها وهي ساخنة، فشهقت الفتاة بصوت عالٍ، وعندما تناولتها أسرتها أعجبوا بطعمها على غير العادة، وعندما سألوها ما السر في أن الطعام لذيذ بهذا الشكل، أجابت بأنها شهقت عند إضافة التقلية؛ فربطوا بين جودتها وطعمها اللذيذ بما حدث.
الأسطورة الثالثة:
ترجع أيضًا إلى ارتباطها بالحاكم بأمر الله، حيث يقال إنه ذات يوم تأخر الطباخ في طهي طبق الملوكية الذي يحبه الحاكم ولا يطيق انتظاره، فتضايق الحاكم من التأخير وأمر السياف أن يقطع رقبة الطباخ، وعندما دخل السياف المطبخ رافعًا سيفه، كان الطباخ يعد الطشة، فشهق بشدة من الخوف عندما وجد السيف على رقبته، وعندما تناول الحاكم الملوكية، وجد أن طعمها مميز وأطيب عن كل مرة سابقة، فأخبره خادمه أنه رأى الطباخ يشهق عند إضافة التقلية، فأصدر الحاكم أمرًا بأن كل من يطبخ الملوكية يشهق وهو يعد الطشة حتى تصبح أشهى وأطيب.
الأسطورة الرابعة:
تقول بأن المطبخ المصري قديمًا لم يكن فيه البوتاجاز المعاصر، فكانت المرأة المصرية تشعل الحطب وتضع عليه أوانيها لتطبخ، وكان يلتف حولها الدواجن والحيوانات التي تقوم بتربيتها في المنزل، وكانت عند عمل الملوخية وإسقاط التقلية عليها، تقوم بإصدار صوت شهيق عالي حتى تبتعد عنها الحيوانات والطيور؛ خوفًا من أن تسكب عليهم الملوخية الساخنة.
وأيًا كان أصل الملوخية، أو السر وراء (شهقتها)، سيظل طبق الملوخية هو الطبق المصري الأشهر والأفضل بلا منازع عند المصريين كبارًا وصغارًا.
اقرأ أيضًا: أسرار الطهي.. هل البشاميل أصله مصري أم فرنسي؟
كتبت: سحر علي.