يعد اضطراب ما بعد الصدمة من الأمراض المزمنة التي يشهدها العصر الحالي، الذي أصبح يمثل أحد أسوء الحقب التاريخية نتيجة المشكلات الصحية التي ظهرت به، ولا سيما أن تلك المشكلة ما زالت تأخذ بوادر صعبة لا بد من أخذها على محمل الجدية، حتى لا نشهد عصرًا مرضيًا مليء بهذا الاضطراب الذي عجز الأطباء في فهم اللغز لديه، ولكن مؤخرًا قد لعبت الاستكشافات العلمية دورًا حيويًا في معرفة ماهية هذا الاضطراب وما يؤدي من أسباب، تُرى ما الذي قاموا باكتشافه؟

مفهوم اضطراب ما بعد الصدمة (PTSD):

اضطراب ما بعد الصدمة (PTSD) هو اضطراب نفسي حاد يُصيب الفرد بصدمة نفسية شديدة تزعزع من توازن عمل الوظائف الدماغية، بفضل التعرض لحادث أو موقف شنيع أحدث عجزًا في تعامل الفرد معه، وعادةً يُحدث خللًا في سلوكيات الفرد لتصبح غير طبيع إثر التفاعل الإجتماعي.

مفهوم اضطراب ما بعد الصدمة (PTSD)

مفهوم اضطراب ما بعد الصدمة (PTSD)

اقرأ أيضًا: اضطرابات النوم النفسية.. تأثيرها على صحتنا وكيف نتغلب عليها؟

أسباب اضطراب ما بعد الصدمة (PTSD):

اعتبر هذا الاضطراب لغزًا عصريًا ظل يأخذ مسارًا مجهولًا خلال العصور الماضية، ولكن بفضل تطورات العصر الراهن لعبت دورًا صاعدًا في حل هذه الشفرة التي لطالما عجز العلماء عن حلها، تلك التطورات التي ساعدت الأطباء مؤخرًا في إجراء أبحاث علمية عن أسباب هذا الاضطراب، وسنتناولها فيما يلي:

  • التغييرات الدماغية:

من المعروف أن الاضطرابات النفسية عامةً تُصيب العقل أولًا باعتباره المركز الرئيسي في إدارة الوظائف الهرمونية والسلوكية للفرد، وينطبق هذا على هذا الاضطراب الذي يؤدي إلى تأثيرات مفجعة في عمل الآليات الوظيفية داخل المخ خاصةً اللوزة الدماغية التي تضبط السلوكيات والعواطف للفرد، وإذا وصل التأثير إليها سيؤدي حتمًا إلى نتائج وخيمة.

أسباب اضطراب ما بعد الصدمة (PTSD)

أسباب اضطراب ما بعد الصدمة (PTSD)

  • التغيرات الوراثية:

تذكر الدراسات العلمية بأن العوامل الوراثية لها دورًا في هذا الاضطراب، إذ أنه من الوارد أن يكون هناك استعداد وراثي في السجل العائلي أو ربما الضغط الذي واجهه الفرد في المواقف الصادمة قد أثرت في تشكيلة الجينات الوراثية؛ مما يزيد من خطر الإصابة بالاضطراب.

  • الاضطرابات المناعية:

يعتبر هذا السبب من الاكتشافات العلمية الحديثة، إنه ثبت مدى الصلة بين اضطرابات المناعة باضطراب ما بعد الصدمة، وذلك بفضل الأمراض الصحية التي تسبب هذا الاضطراب فضلًا عن تعزيز تلك الصلة بالتطور الحادث للمرض مستقبليًا.

أعراض ما بعد الصدمة (PTSD):

تُعد أعراض هذا الاضطراب من أشد الأعراض التي يمكن أن يمر بها الفرد، حيث يشعر وكأنه محاصر داخل دوامة لا يجد منها مخرجًا، وتتجلى هذه الأعراض في ما يلي:

  • ذكريات متكررة وكوابيس مزعجة:

تلح الذكريات والكوابيس بشكل متكرر على الفرد لا إراديًا، والتي تعتبر أحد أسوأ الفلاش باك المسترجعة لصور المواقف والتجارب القاسية التي مر بها الفرد، لتُعرض أمامه في صورة حية داخل عقله، مما يرجح الإصابة بالجنون.

أعراض ما بعد الصدمة (PTSD)

أعراض ما بعد الصدمة (PTSD)

  • التغيرات السلبية في المزاج:

يجد الفرد في هذه الحالة صعوبة في التأقلم والتكيف مع المهام اليومية؛ مما يؤدي إلى فقدان متعة الحياة وبلادة في المشاعر تعيق استرجاع اللحظات الإيجابية التي تحفز نشاطه، بالإضافة إلى ذلك يغرق الفرد في التعامل مع المشاعر السلبية فقط نتيجة للندوب النفسية التي خلفتها له هذه الصدمات.

  • التغيرات الجسدية والنفسية:

يزيد اضطراب ما بعد الصدمة في التأثيرات على فسيولوجية الجسم المصاحبة للتغيرات الكيميائية المُغيرة في الحالة النفسية للفرد، إذ أنه سيتلازم معها آلام جسدية مؤدية إلى صعوبة في النوم وأيضًا وجود مشكلات في التركيز والتذكر المرتبطة بالأرق والتوتر.

علاج اضطراب ما بعد الصدمة (PTSD):

يعتمد علاج هذا الاضطراب على مزيج من الطرق العلاجية سواء كان نفسيا أم دوائيا، وهذه الطرق تطورت بشكل كبير بفضل التطورات العلمية التي أبرزت نجاحًا في التجارب السريرية، وهذه الطرق تتمثل في التالي:

  • العلاج النفسي:

تتشعب الوسائل النفسية في أكثر من مصدر التي ثبتت فعاليتها في التوافق مع الفئات المختلفة، وتستخلص في استهداف الأفكار والعمل على مجابهتها والتفاعل معها؛ مما يساعد في سرعة التعافي منها واستعادة تشكيل المشاعر إلى مجراها الطبيعي كما كانت، وهذه الطرق تتشكل في العلاج بالتعرض أو المعرفي.

  • العلاج بالتعرض السردي:

يستخدم هذا النوع مع الحالات الخاصة التي تعرضوا لتكرار صادم للمواقف بصورة متتالية، مما يعيد بناء مسار حياتهم وفهم مجريات الأحداث.

علاج اضطراب ما بعد الصدمة (PTSD)

علاج اضطراب ما بعد الصدمة (PTSD)

  • العلاج بالاستجابة الحسية:

تتضمن آلية عمل هذه الطريقة في استهداف الحركات الجسدية التي تعزز من خروج المشاعر البغيضة، بفضل مساعدة المخ على معالجة الذكريات المصالحة للمواقف النفسية.

  • العلاج الدوائي:

ترتكز في تناول مضادات الاكتئاب وأدوية المثبطات المحتوية على مثبطات السيروتونين الانتقائية، والنورأدرينالين، وأيضًا برازوسين الذي يساعد في تحسين المزاج وتعزيز المشاعر الإيجابية.

ويجب أن ننوه أن هذا الجمع بين علاجات اضطراب ما بعد الصدمة يحسن من دورة الحياة للأفراد المصابين به، ما يؤدي إلى نتائج إيجابية مبهرة.

وفي الختام، لا بد أن نكون على علم دائمًا بآخر التحديثات عن اضطراب ما بعد الصدمة الذي يعتبر من أكثر المشكلات النفسية التي يجب التعامل معها بحزم ودون التهاون بها.

اقرأ أيضًا: هل تعاني من اضطراب الأكل القهري؟.. إليك العلاج

كتبت: جهاد محمد.