التوحد.. عالم خاص يتحدى التواصل التقليدي

التوحد

التوحد

في عالمنا الصاخب، حيث التواصل لغة الحياة، يعيش مريض التوحد في صمت خاص، كل كلمة تخرج من فمه هي كنز ثمين، وكل نظرة تحمل في طياتها عالمًا من المعاني، إنه لغز يسعى الجميع لفك شفرته، إنه فنان يعبر عن نفسه بطرق فريدة، وإن كانت غير مفهومة للجميع، فهي حالة طبية تتمثل في صعوبات التفاعل الاجتماعي والتواصل، والانتقال من نشاط إلى آخر والاستغراق في التفاصيل وردود الفعل غير الاعتيادية، وحتى نتعرف على عظمة هذه الشخصيات فلا بد لنا من التعرف على أعراض المرض، وصعوبة التعامل معه، وهل يُعالج؟

ما مرض التوحد؟

اضطراب طيف التوحد هو مجموعة من الاعتلالات المتنوعة المرتبطة بنمو الدماغ، يمكن اكتشاف سمات التوحد في مرحلة الطفولة المبكرة، إذ تظهر أعراضه خلال السنوات الثلاث الأولى من العمر.

ما مرض التوحد؟

مصطلح (توحد) نفسه استخدم لأول مرة لوصف أحد أعراض الفصام المبكر، ومع ذلك لم يتم التعرف عليه كحالة مستقلة حتى الأربعينيات من القرن الماضي، كما تشير التقديرات إلى معاناة حوالي طفل من كل 100 طفل من التوحد في العالم، وهذه النسب ليست دقيقة لعدم توفر إحصائيات دقيقة في البلدان منخفضة، ومتوسطة الدخل.

اقرأ أيضًا: اليوم العالمي للتوعية بمرض التوحد.. وأبرز 5 طرق للتعامل معه

أسباب التوحد:

أشارت أصابع الاتهام في الماضي إلى الأهل، إذ أن أسلوب التربية السبب الرئيسي لهذا المرض، ولكن تم إثبات خطأ هذا الافتراض، أيضًا انتشرت شائعات كثيرة حول لقاح الحصبة والنكاف أنهم من مسببات هذا المرض، ولا يوجد بحث علمي يؤكد ذلك، والسبب المعروف إلى الآن هو العوامل الجينية.

أعراض التوحد:

يبدو معظم الأطفال المصابين بهذا الاضطراب مثل الأطفال الآخرين، لكنهم يتصرفون ويتفاعلون بطرق تختلف عن سلوك الأطفال الآخرين، قد يستجيبون بطرق غير متوقعة، أو قد لا يتفاعلون على الإطلاق.

أعراض التوحد

فهو اضطراب طيفي، لذلك تظهر أعراضه عند الأطفال على هيئة مستويات مختلفة الشدة، قد يعاني البعض الآخر من تحديات في التواصل والحساسيات الحسية والمشكلات السلوكية، تشمل العلامات المبكرة الشائعة:

  • تأخر الكلام أو صعوبة التواصل.
  • ضعف التلامس البصري.
  • عدم وجود لعب خيالي.
  • عدم الانتباه المشترك أو عدم النظر في نفس الاتجاه الذي ينظر إليه الآخرون.
  • إظهار اهتمام محدود بالآخرين.
  • استجابات عاطفية شديدة للتغيرات في الروتين.

تشخيص التوحد:

توصي الأكاديمية الأمريكية لطب الأطفال (AAP) بأن تكون فحوصات هذا المرض جزءًا من فحوصات الأطفال الصحيين القياسية عند عمر 18 و24 شهرًا، في حين أن المركز الوطني للعيوب الخلقية والإعاقات التنموية (NCBDD) يوصي بفحص جميع الأطفال عند عمر 9 و18 و24 أو 30 شهرًا، وتتراوح أدوات الفحص من ملاحظات سلوكية بسيطة إلى اختبارات متخصصة.

علاج التوحد:

يشمل العلاج أنواع كثيرة مثل:

  • العلاج السلوكي:

  1. يركز على تغيير السلوكيات من خلال فهم ما يحدث قبل وبعد السلوك.
  2. أحد العلاجات السلوكيات البارزة للأشخاص المصابين باضطراب طيف التوحد يسمى التحليل السلوكي التطبيقي (ABA).
  3. يشجع ABA السلوكيات المرغوبة ويردع السلوكيات غير المرغوبة لتحسين مجموعة متنوعة من المهارات، ويتم تتبع التقدم وقياسه.
  • العلاج المعرفي (تنموي):

  1. يُركز على تحسين المهارات مثل مهارات اللغة أو المهارات البدنية، غالبًا ما يتم الجمع بين النُهُج التنموية والنهج السلوكية.
  2. العلاج التنموي الأكثر شيوعًا، العلاج النطقي واللغوي، يمكن أن يساعد العلاج الطبيعي في تحسين المهارات البدنية، مثل الحركات الدقيقة للأصابع أو الحركات الأكبر حجمًا للجذع والجسم.
  3. يُعد نموذج دنفر (ESDM) نهج تنموي واسع النطاق يعتمد على مبادئ ABA، يستخدم مع الأطفال من عمر 12 إلى 48 شهرًا.
  4. يستخدم الآباء والمعالجون اللعب لتحسين المهارات اللغوية والاجتماعية والتعليمية.
  • العلاج التعليمي:

أحد أنواع النهج التعليمي هو (TEACCH)، ويعتمد على فكرة أن الأشخاص المصابين بهذا المرض يتميزون في التعلم البصري، يوفر للمعلمين طرقًا لتعديل هيكل الفصل وتحسين النتائج الأكاديمية وغيرها، على سبيل المثال يمكن كتابة أو رسم الروتين اليومي ووضعه في مكان واضح للرؤية، ويمكن استبدال التعليمات اللفظية بتعليمات بصرية أو عروض فيزيائية.

علاج التوحد
  • العلاج الدوائي:

لا يوجد علاج دوائي للمرض نفسه، لكن تعالج بعض الأدوية الأعراض المصاحبة (التي تحدث مع اضطراب طيف التوحد)، ويمكن أن تساعد الأشخاص المصابين باضطراب طيف التوحد على أداء وظائفهم بشكل أفضل، إذ يساعد الدواء على إدارة الحالات النفسية المصاحبة، مثل القلق أو الاكتئاب، بالإضافة إلى الحالات الطبية مثل النوبات والمشاكل في النوم أو المعدة أو مشاكل الجهاز الهضمي الأخرى.

  • العلاج النفسي:

يمكن أن تساعد النُهُج النفسية الأشخاص المصابين باضطراب طيف التوحد على التعامل مع القلق والاكتئاب والمشكلات الصحية العقلية الأخرى، العلاج السلوكي المعرفي (CBT) هو أحد النُهُج النفسية التي تركز على تعلم الروابط بين الأفكار والمشاعر والسلوكيات، في بعض الثقافات القديمة قبل تشخيص التوحد كحالة مرضية مستقلة، كانت النظرة للمرضى على أنهم عباقرة تُشكل عبء آخر على الأهل، لذلك يجب الملاحظة السلوك الغير معتاد وعدم الانسياق وراء الشائعات.

رغم التحديات التي يواجهها أطفالنا وأبناؤنا المصابون بالتوحد، فإننا نشهد اليوم تقدمًا ملحوظًا في فهم هذا الاضطراب وتطوير أساليب العلاج، وتلعب الأسرة الدور الأهم في دعم هؤلاء الأطفال، فهي الحصن الذي يلجأ إليه الطفل المصاب بالتوحد، دور الأهل في تربية هؤلاء الأطفال لا يقدر بثمن، فهم الشركاء الأساسيون في رحلة العلاج والتأهيل، كما أن دور المجتمع لا يقل أهمية، فمن خلال توفير بيئة داعمة، يمكننا مساعدة هؤلاء الأطفال على الاندماج في المجتمع والعيش حياة طبيعية؛ لنبني معًا مجتمعًا شاملًا وقادرًا على احتضان الجميع، بغض النظر عن قدراتهم.

اقرأ أيضًا: تعرف على 7 أسباب تأخر النطق عند الأطفال وعلاجه

كتبت: علا وليد.