في لحظة غيرت مسار التاريخ السياسي في لبنان، أُعلن خبر اغتيال حسن نصر الله، الرجل الذي طالما ارتبط اسمه بالمقاومة والصراع، لكن من هو حقًا حسن نصر الله؟ وكيف تحول من قائد عسكري إلى رمز وطني تثير ذكراه جدلًا لا ينتهي؟ وبين مناصريه وخصومه، يبقى السؤال الأكبر: هل يمكن لرحيله أن يُنهي فكرة المقاومة التي ظل يدافع عنها حتى آخر لحظة؟ في هذا المقال سنكشف تفاصيل هذه الشخصية المحورية ونستعرض إرثه وتأثيره بعد رحيله.
ماذا تعرف عن حسن نصر الله؟
يمكن معرفة بعض الخطوط العريضة عن حسن نصر الله من خلال النقاط التالية:
- رجل دين من طائفة الشيعة، تولى قيادة حزب الله في لبنان منذ شهر فبراير عام 1992م.
- حزب الله يعتبر واحدًا من أهم الأحزاب السياسية القوية في لبنان، ويمتلك جيشًا مسلحًا خاصًا به منفصل عن الجيش الوطني اللبناني.
- كان نصر الله يتمتع بشعبية واسعة في لبنان وعدة دول عربية، وهو الوجه الرئيسي لحزب الله، وكان له الدور الأكبر في تحول الحزب ودخوله الساحة السياسية، والتواجد داخل هيكل الحكومة اللبنانية.
- بحكم الطائفة الشيعية التي ينتمي إليها نصر الله، فإن له علاقة خاصة مع الجمهورية الإسلامية الإيرانية وزعيمها آية الله علي خامنئي، وبالرغم من إدراج الولايات المتحدة الأمريكية لحزب الله ضمن المنظمات الإرهابية، إلا أن قادة إيران ونصر الله لم يخفوا يومًا علاقاتهم الوثيقة.
اقرأ أيضًا: رحيل القائد.. جوانب غير معروفة من حياة الشيخ نواف الأحمد الجابر الصباح
نشأة حسن نصر الله:
ولد نصر الله في شهر أغسطس عام 1960م، في أحد أحياء بيروت الفقيرة، كان والده يمتلك محلًا صغيرًا للبقالة، وكان الابن الأكبر وله تسعة إخوة، شهد الحرب الأهلية في لبنان وكان عمره 15 عامًا، واستمرت الحرب لمدة 15 عامًا، كان خلالها المواطنون اللبنانيون يرسمون حدودًا ويحاربون بعضهم بعضًا بناءً على انتماءاتهم الطائفية.
وبسبب الحرب قرر والد نصر الله مغادرة بيروت، والرجوع إلى قريته الأصلية (البازورية) في جنوب لبنان، التي ينتمي سكانها إلى الطائفة الشيعية، وهناك تلقى حسن نصر الله تعليمه في المرحلة الابتدائية والثانوية، في عمر الخامسة عشرة انضم نصر الله إلى حركة أمل، وهي أهم مجموعة سياسية عسكرية شيعية لبنانية في ذلك الوقت، أسسها الإمام موسى الصدر.
حسن نصر الله في العراق:
في سن 16 عامًا هاجر نصر الله إلى مدينة النجف العراقية، وكانت العراق في ذلك الوقت بلدًا غير مستقرة خاصة وأنها عانت من الثورات والانقلابات والاغتيالات السياسية، وكان صدام حسين نائبًا لرئيس العراق، وبعد عامين فقط قرر قادة حزب البعث وعلى رأسهم صدام طرد جميع الطلاب الشيعة اللبنانيين من العراق؛ مما اضطر حسن نصر الله لمغادرة العراق، ولكن ما حدث له في النجف كان مؤثرًا في حياته كلها، فقد التقى برجل دين يُدعى عباس الموسوي وهو أحد طلاب موسى الصدر في لبنان، وتأثر بقوة بالأفكار السياسية لروح الله الخميني، ولأن الموسوي يكبر نصرالله بثماني سنوات؛ أصبح مدرسًا ومعلمًا ومرشدًا مؤثرًا في حياة نصر الله.
الثورة الإيرانية وتأسيس حزب الله:
بعد عام من عودة حسن نصر الله إلى لبنان، حدثت الثورة الإيرانية، واستولى روح الله الخميني على السلطة، وكان لهذا الحدث أثر عميق على العلاقة بين شيعة لبنان وإيران، خصوصًا بالنسبة لنصر الله، وذلك بعد لقائه بقائد الجمهورية الإسلامية الإيرانية في طهران عام 1981م، الذي عينه ممثلًا له في لبنان لرعاية شئون الحسبة وجمع الأموال الإسلامية، بعد ذلك بدأ نصر الله في القيام بزيارات إلى إيران، حيث أقام علاقات مع كبار صناع القرار والسلطة داخل الحكومة الإيرانية، وخلال هذه الفترة كانت لبنان تعاني من الحروب الأهلية، ولكنها أصبحت قاعدة رئيسية للفلسطينيين، وفي يونيو عام 1982م هاجمت إسرائيل لبنان، واحتلت أجزاء كبيرة منها، وزعمت حينها أن الهجوم كان ردًا على عدوان الفلسطينيين عليها.
بعد ذلك قرر قادة الحرس الثوري الإسلامي في إيران إنشاء مجموعة ميليشيا في لبنان تكون تابعة لإيران، واختاروا لها اسم (حزب الله)، وفي عام 1985م أعلن حزب الله رسميًا عن تأسيسه، حيث انضم إليه حسن نصر الله وعباس الموسوي مع أعضاء آخرين في حركة أمل، وبدأت أعمالها من خلال تنفيذ عدة عمليات عسكرية ضد القوات الأمريكية في لبنان، وتم تعيبن عباس الموسوي أمينًا عامًا للحزب، وفي عام 1992م اغتيل عباس الموسوي على يد عملاء إسرائيليين، وتم تعيين نصر الله خلفًا له، بعد ذلك وبوساطة سعودية تمكن حزب الله من الفوز بثمانية مقاعد في البرلمان اللبناني؛ فأصبح له وجود رسمي في الحكومة اللبنانية.
اقرأ أيضًا: سياسية الانتقام.. أبرز عمليات اغتيال قادة حركة حماس الفلسطينية
أهم عمليات حزب الله:
في البداية قام حزب الله بقيادة حسن نصر الله بعمليات عدة، أهمها:
- تفجير مركز الجالية اليهودية في الأرجنتين.
- الهجوم على السفارة الإسرائيلية في الأرجنتين.
في تلك الفترة انتهت الحرب الأهلية اللبنانية، ولكن قام حزب الله بالاحتفاظ بأسلحته، حيث كانت إسرائيل قد احتلت جنوب لبنان، وبصفته جماعة تقاتل ضد الاحتلال، ظل حزب الله مسلحًا بفضل الدعم المالي الإيراني، الذي كان يمده بكافة خدمات الرعاية الاجتماعية والرفاهية اللازمة للعديد من الشيعة اللبنانيين مثل: المدارس، والمستشفيات، والجمعيات الخيرية، وغيرها، وفي عام 2000م أعلنت إسرائيل انسحابها بالكامل من لبنان، واحتفل حزب الله بهذا الحدث، واعتبره انتصارًا كبيرًا، يعود الفضل فيه إلى نصر الله.
اقرأ أيضًا: سيلان الدم الرئاسي الأمريكي في محاولات الاغتيال
اغتيال الحريري:
في عام 2005م تم اغتيال رفيق الحريري رئيس وزراء لبنان في تلك الفترة، وكان رفيق الحريري معروفًا بأنه واحد من أهم السياسيين المقربين من المملكة العربية السعودية، وكان يعارض صعود نفوذ حزب الله، وتغير الرأي العام، وتوجه الغضب الشعبي نحو حزب الله، واتهم بالتورط في اغتيال الحريري، وقامت تظاهرات كبيرة في لبنان تطالب بانسحاب السوريين من لبنان، باعتبار سوريا حليفًا عسكريًا وسياسيًا لحزب الله.
وتوالت العمليات العسكرية التي يقوم بها حزب الله ضد إسرائيل، من قتل بعض الجنود الإسرائيليين، وأسر البعض الآخر، واستطاع أن يصبح كابوسًا تراه إسرائيل في منامها، وأصبح حسن نصر الله في نظر الكثيرين في لبنان وخارجها بطلًا ورمزًا من رموز المقاومة الغربية ضد إسرائيل، واستطاع نصر الله أن يتجاوز أزمات تاريخية مثل: الربيع العربي، والحرب الأهلية السورية، والأحوال الاقتصادية السيئة في لبنان، وغيرها.
مع اغتيال حسن نصر الله عن عمر ناهز 64 عامًا، يُغلق بابًا على حياة قائد كان له دور محوري في تاريخ لبنان، ورغم رحيله تبقى فكرة المقاومة حية في قلوب الكثيرين، مما يضمن استمرار إرثه وتأثيره في مواجهة التحديات المقبلة.
اقرأ أيضًا: بداية الحرب في لبنان.. غارات مكثفة وأسرار خفية خلف الكواليس
كتبت: سحر علي.