الأسمنت العائم

الأسمنت العائم، مصطلح اقتصادي يجب أن يعرفه كل رجال المال والأعمال، ففي عالم المال والأعمال والبورصات العالمية هناك عبارات ومصطلحات يذكرها المتعاملون في عالم المال والاقتصاد يختصرون بها حالة عميل أو سوق أو وضع اقتصادي، كعبارات التضخم والكساد والفقاعة والانتعاش، وكل تلك العبارات لها معانٍ تصف بها وضعًا اقتصاديًا معينًا، ومن تلك العبارات غير المتداولة عبارة الأسمنت العائم، فماذا تعني تلك العبارة؟ هذا ما سنتعرف عليه في السطور القادمة.

مصطلح الأسمنت العائم:

جميعنا يعرف مادة الأسمنت، وهي مادة كيميائية ناتجة عن خلط عدة عناصر طبيعية كالحجر الجيري وعدة عناصر أخرى في درجة حرارة عالية فيتم إنتاج الأسمنت، وهو المادة الأساس في البناء منذ ما يقرب من مئة وخمسين عاما فهو اختراع جديد نسبيًا، يشكل الآن النسبة الساحقة مع حديد التسليح في بناء جميع المدن الحديثة حول العالم، لكن مادة الأسمنت التي تشبه المسحوق إذا وضع عليها الماء تتحول إلى مادة صلبة جدًا كأنها حجارة أو صخور لا يمكن تحطيمها إلا بشق الأنفس، وبالطبع لا يمكن لهذه المادة الصلبة أن تطفو على سطح الماء أو أن تعوم، فماذا تعني عبارة الأسمنت العائم مع علمنا أن الأسمنت لا يعوم.

مصطلح الأسمنت العائم
مصطلح الأسمنت العائم

إن عبارة الأسمنت العائم تطلق على كل شخص أو شركة أو دولة دخلت مجالًا لا تعلم عنه شيء، بقصد حصد مكاسب سريعة دون دراسة أو خبرة، ودون سؤال المتخصصين وطلب دراسات جدوى لهذا المشروع الذي يبدو من الوهلة الأولى إنه مشروع ناجح كمشروعات الأسمنت التي تغذى المشروعات العقارية والبنية الأساسية لأية نهضة عمرانية لأية دولة أو مجتمع، لكن الأسمنت مشروع ناجح لو وظف في مكانه الناجح، ولكن الأسمنت لا يصلح لبناء السفن إنه يصلح فقط لبناء المنازل.

وهنا عمق التعبير يظهر فإن المشروع الناجح في بيئة قد لا يكون ناجحًا في بيئة أخرى أو في زمن آخر أو مع مستهلكين آخرين، فيجب دراسة السوق ورغبات المستهلكين، وتغير أفكارهم وعاداتهم لإقامة المشروع والمنتج الذي يتناسب مع المستهلكين الآن وفي تلك البقعة الجغرافية، فما يصلح ويحبه الأمريكان مثلًا قد لا يحبه ولا يرغبه المستهلك في الصين؛ لتغير العادات والتقاليد بين جمهور المستهلكين في الولايات المتحدة الأمريكية والصين.

اقرأ أيضًا: الفقاعة العقارية في مصر.. حقيقة أم وهم؟

نماذج من الأسمنت العائم:

قامت شركات القهوة العالمية منذ سبعينات القرن الماضي بمحاولة غزو السوق الياباني؛ لنشر عادة شرب القهوة بين اليابانيين، لكن تلك المحاولات جميعًا باءت بالفشل؛ لأن المجتمع الياباني لديه ثقافة عميقة مع مشروب الشاي المنتج محليًا، ولديه طقوسه ومواعيده المحددة وطريقته الخاصة وأوانيه المميزة لشرب الشاي، وتلك العادات يتوارثها الأبناء عن الآباء والأجداد، لهذا فقد باءت جميع محاولات شركات القهوة في غزو السوق الياباني بالفشل، لكنهم لم ييأسوا فقد نفذوا فكرة ستجعلهم يغزون السوق الياباني، ولكن بعد بعض الوقت قاموا بتقديم حلويات وسناكس للأطفال بطعم القهوة؛ حتى يعتاد الطفل على طعام القهوة، وكلما كبر في العمر قدموا له طعامًا بطعم القهوة والكافيين الخاص بها حتى يعتاد ويحتاج دائمًا إلى جرعة من الكافيين الموجود بالقهوة فيصبح أحد متناولي مشروب القهوة.

نماذج من الأسمنت العائم
نماذج من الأسمنت العائم

إن المشروعات الفاشلة كثيرة ومتعددة وترها أنت أمام عينيك كل يوم، ففي أحد شوارع مدينتك تم افتتاح محل جديد وبحمد الله نجح هذا المشروع، وبسرعة ودون دراسة تجد بعض الناس قد قلدوا واستنسخوا هذا المشروع، وبعد فترة أصبح في هذا الشارع عدة محال لنفس المجال دون دراسة جدوى لهذا، ثم بعد ذلك تجدهم يغلقون محلاتهم الواحد تلو الآخر، ولا يستمر إلا الأقوى والأكثر علمًا الذي أقام دراسة صحيحة للسوق والمستهلكين والمنافسين.

كما أننا نرى الكثير من الأسمنت العائم في مؤشرات البورصات في الجانب الأحمر وهو الخسارة، وهذه الخسارة قد تعصف بكثير من الشركات وتجبرها على الخروج من السوق وتصفية أعمالها هي النتيجة؛ لأن تلك الشركات ومنتجاتها إسمنت عائم لا تراعي رغبات واحتياجات المستهلكين، الآن ولأن تلك الشركات تقدر بقيمة أكبر بكثير من قيمتها الحقيقية، فتنهار أسهمها ومن ثم قد لا تستطع العوم والسباحة؛ فتغرق كالأسمنت أو الحجارة في بحر الأسواق والبورصات.

وفي النهاية، يجب علينا جميعًا أفراد أو شركات أو مؤسسات أو حتى دول أن نفكر كثيرًا، ونقوم بدراسة جدوى عميقة لأي مشروع جديد سوف نقوم به وننفق فيه مدخراتنا وأموالنا؛ حتى لا تضيع تلك الأموال ونفلس وتضيع أحلامنا وتغرق في بحر أوهام الثراء السريع كالأسمنت العائم.

اقرأ أيضًا: دليل المواطن الذكي.. نصائح لإدارة أموالك في ظل التضخم

كتب: أحمد عبد الواحد إبراهيم.