يحيى السنوار

شكل إعلان إسرائيل مقتل زعيم حركة حماس يحيى السنوار في غزة بعد اشتباكات عنيفة مع الجيش الإسرائيلي في منطقة تل السلطان برفح جنوبي قطاع غزة، وهو يرتدي الزي العسكري ختامََا لمسيرته مع شهر أكتوبر، الذي شهد محطات هامة في مسيرته النضالية ضد الاحتلال الإسرائيلي، ليكون شهر الميلاد والشهادة.

ميلاد يحيى السنوار ونشأته.. من خان يونس إلى قيادة المقاومة:

بدأت علاقة يحيى السنوار مع أكتوبر لحظة الميلاد، فقد ولد السنوار في 29 أكتوبر 1962 في مخيم خان يونس للاجئين جنوب قطاع غزة، ونشأ في بيئة مليئة بالتحديات بعد نزوح أسرته من مدينة المجدل في أعقاب نكبة 1948، وقد أثرت الظروف القاسية للاحتلال على تكوينه وشخصيته، ليصبح من أبرز القادة الفلسطينيين لاحقًا.

ميلاد يحيى السنوار ونشأته
ميلاد يحيى السنوار ونشأته

برز السنوار منذ شبابه كقائد طلابي خلال دراسته الجامعية في الجامعة الإسلامية بغزة، حيث تولى العديد من المناصب القيادية التي ساعدته على اكتساب الخبرة السياسية والتنظيمية، انخرط في تأسيس حركة حماس في عام 1987 خلال الانتفاضة الفلسطينية الأولى، والتي مهدت الطريق أمامه للعب دور رئيسي في المقاومة الفلسطينية.

اقرأ أيضًا: إسماعيل هنية على مسرح الأحداث الفلسطينية

تجربة اعتقال يحيى السنوار ومحاولات هروبه.. دروس وصمود:

اعتقلت إسرائيل السنوار عدة مرات وحكمت عليه بالسجن مدى الحياة لأربع مرات، قضى خلالها أكثر من عقدين في الأسر، أثناء وجوده في السجون، تولى قيادة أسرى حماس وقاد عدة إضرابات عن الطعام، كما حاول الهروب مرتين ولكن محاولاته باءت بالفشل، واستغل فترة اعتقاله في القراءة والدراسة، حيث تعلم اللغة العبرية وكتب عدة مؤلفات حول الشئون السياسية والأمنية، بدأت الاعتقالات وهو في عمر 20 عامًا، بعد أن حكمت عليه سلطات الاحتلال بأربعة مؤبدات مدتها 426 عامًا، وأثناء فترة اعتقاله تولى قيادة الهيئة القيادية العليا لأسرى حماس في السجون لدورتين تنظيميتين.

تجربة اعتقال يحيى السنوار ومحاولات هروبه
تجربة اعتقال يحيى السنوار ومحاولات هروبه

وساهم في إدارة المواجهة مع مصلحة السجون خلال سلسلة من الإضرابات عن الطعام، بما في ذلك إضرابات أعوام 1992 و1996 و2000 و2004، ليتنقل بين عدة سجون منها المجدل وهداريم والسبع ونفحة، وقضى 4 سنوات في العزل الانفرادي، عانى خلالها من آلام في معدته، وأصبح يتقيأ دمًا وهو في العزل، وحاول يحيى السنوار الهروب من المعتقل مرتين، الأولى حين كان معتقلًا في سجن المجدل بعسقلان، والثانية وهو في سجن الرملة، إلا أن محاولاته باءت بالفشل.

وفي سجن المجدل تمكن من حفر ثقب في جدار زنزانته بواسطة سلك ومنشار حديدي صغير، وعندما لم يتبق سوى القشرة الخارجية للجدار انهارت وكشفت محاولته، فعوقب بالسجن في العزل الانفرادي، وفي المحاولة الثانية في سجن الرملة استطاع أن يقص القضبان الحديدية من الشباك، ويجهز حبلًا طويلًا، لكنه كشف في اللحظة الأخيرة.

صفقة وفاء الأحرار.. محطة تاريخية:

جاء أكتوبر 2011، ليشهد محطة هامة في مسيرة المناضل الفلسطيني فقد كان السنوار جزءًا من صفقة تبادل الأسرى الشهيرة التي أطلق بموجبها أكثر من ألف أسير فلسطيني مقابل الإفراج عن الجندي الإسرائيلي جلعاد شاليط، ضمن ما سمي صفقة (وفاء الأحرار)، وتمت الصفقة بعد أكثر من 5 سنوات قضاها شاليط فى الأسر بغزة، ولم تنجح إسرائيل خلال عدوانها الذي شنته على القطاع نهاية 2008 في تخليصه من الأسر.

اقرأ أيضًا: سياسية الانتقام.. أبرز عمليات اغتيال قادة حركة حماس الفلسطينية

قيادة يحيى السنوار لحركة حماس.. من المكتب السياسي إلى الجناح العسكري:

انتخب السنوار بعد الخروج من السجن عضوًا في المكتب السياسي لحركة حماس خلال الانتخابات الداخلية للحركة سنة 2012، وتولى يحيى السنوار مسئولية الجناح العسكري كتائب عز الدين القسام، وشغل مهمة التنسيق بين المكتب السياسي للحركة وقيادة الكتائب.

قيادة يحيى السنوار لحركة حماس
قيادة يحيى السنوار لحركة حماس

فاز السنوار عام 2017 بمنصب رئيس المكتب السياسي للحركة في قطاع غزة خلفًا لإسماعيل هنية وحاول في هذه الفترة إصلاح العلاقات بين حركة حماس في غزة والسلطة الفلسطينية بقيادة حركة التحرير الوطني الفلسطيني (فتح) في الضفة الغربية، وعمل أيضًا على تحسين العلاقات مع مصر، حيث التقى ضمن وفد قيادي وأمني مع قيادات من المخابرات المصرية في القاهرة سنة 2017، وتم التوصل لاتفاقات حول الأوضاع المعيشية والأمنية والإنسانية والحدود، وانتخب السنوار مرة أخرى رئيسََا للحركة في قطاع غزة عام 2021.

عملية طوفان الأقصى.. يحيى السنوار هدف استراتيجي للاحتلال:

تعرض منزل السنوار للقصف عدة مرات، إذ قصفته طائرات الاحتلال ودمرته بالكامل عام 2012، وخلال العدوان على قطاع غزة عام 2014، ثم خلال غارات جوية إسرائيلية في مايو 2021، ولم يتركه شهر أكتوبر مرة أخرى ليشهد حلقة خاصة في مسيرة يحيى السنوار، فأصبح المطلوب الأول لدى إسرائيل بعد عملية طوفان الأقصى في 7 أكتوبر؛ ليكون التخلص من زعيم حماس أهم الأهداف الاستراتيجية للعملية العسكرية الإسرائيلية في قطاع غزة، التي أطلقت عليها اسم (السيوف الحديدية).

ويرى مسئولون إسرائيليون أن السنوار هو العقل المدبر لهجوم 7 أكتوبر 2023، وفي 14 نوفمبر 2023 فرضت الحكومة البريطانية عقوبات على قيادات من حماس تشمل تجميد أصول وحظر السفر، ومن بينهم السنوار، ولم يظهر السنوار علنًا خلال تلك الحرب.

وذكرت صحيفة (هآرتس) أنه التقى بعض الأسرى الإسرائيليين خلال فترة احتجازهم في غزة، وأخبرهم بلغة عبرية سليمة أنهم في المكان الأكثر أمانًا ولن يتعرضوا لأي مكروه، وفي 6 ديسمبر 2023، أعلن رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو محاصرة قوات الجيش الإسرائيلي منزل السنوار لكن لم يتم الوصول إليه، ويعتقد مسئولون في الجيش أنه يدير العمليات مع باقي قادة الجناح العسكري لحماس من داخل شبكة الأنفاق التي بنتها الكتائب تحت الأرض.

اقرأ أيضًا: حسن نصر الله.. رمز المقاومة اللبنانية وقائد حزب الله 32 عامًا

إرث نضال يحيى السنوار وتاريخ الشخصيات القيادية:

في يوم 31 يوليو أعلنت حركة حماس أن إسرائيل اغتالت رئيس مكتبها السياسي إسماعيل هنية في مقر إقامته بالعاصمة الإيرانية طهران، وذلك بقصف الشقة التي كان فيها مع مرافقه، وبعد دفن هنية في العاصمة القطرية الدوحة، بدأت الحركة انتخابات داخلية لاختيار خليفة لهنية، وأعلنت يوم الثلاثاء 6 أغسطس 2024 أن هيئتها الشورية اختارت بالإجماع يحيى السنوار رئيسًا جديدًا للحركة.

إرث نضال يحيى السنوار وتاريخ الشخصيات القيادية
إرث نضال يحيى السنوار وتاريخ الشخصيات القيادية

ويبدو أن شهر أكتوبر الذي شهد أهم محطات مسيرة السنوار أبى أن ينقضي دون أن يسدل الستار على مسيرة تخطت النصف قرن من النضال والكفاح ضد الاحتلال الإسرائيلي، بعد أن أعلن وزير الخارجية الإسرائيلي اليوم 17 أكتوبر 2024 مقتل يحيى السنوار بعد قصف إسرائيلي تم بالصدفة لمنزل تحصن به رئيس المكتب السياسي لحركة حماس.

ليمضي يحيى السنوار صاحب الشخصية الحذرة صامتًا تاركًا تاريخًا كبير من النضال، بعد حياة لم يتكلم بها كثيرًا، فهو لم يظهر علنََا إلا نادرََا، ولكنه كان يمتلك مهارات قيادية عالية وله تأثير قوي على أعضاء الحركة، لتبقى أعماله شاهدة مع شهر أكتوبر على مسيرته.

اقرأ أيضًا: طوفان الأقصى.. انتفاضة جديدة تهز الاحتلال الإسرائيلي

كتبت: نهلة سمير.