هل تخيلت يومًا أن جسدك يحمل كتابًا سريًا يروي قصة حياتك؟ هذا الكتاب ليس ورقًا ولا حبرًا، بل مكتوبا بلغة معقدة وسرية تعرف بالمادة الوراثية DNA، إنها الشيفرة التي تحدد ملامحك، طولك، لون عينيك، وحتى ميولك الوراثية تجاه بعض الأمراض، هذا الجزيء العجيب ليس مجرد مركب بيولوجي، بل هو المفتاح لفهم أسرار الحياة والتطور البشري، والعنصر الأساسي الذي يربط الماضي بالحاضر والمستقبل، فما حقيقة هذه المادة؟ وكيف تعمل؟ دعنا نغُص في أعماقها لاستكشاف المزيد.
ماذا تعرف عن المادة الوراثية DNA؟
يمكن تعريف المادة الوراثية DNA بأنه أحد المركبات الجزيئية البيولوجية الهامة والمؤثرة في الجسم، فكل خلية في الجسم تحتوي على الحمض النووي، وهو الذي يحمل كل المعلومات الخاصة بالشخص الخاصة بالتطور والنمو، وهو الذي يميزك عن غيرك من الكائنات الحية، حيث يتم انتقال المعلومات الجينية من الوالدين إلى الأطفال، نصف هذه المعلومات يكون من الأب والنصف الآخر من الأم، والتغيير في هذه المادة الوراثية هو السبب في أن يكون أحد الأشخاص لديه عيون زرقاء اللون بدلًا من البنية، والسبب أيضًا في إصابة البعض بأمراض معينة، وباختصار يمكن القول بأن هذه المادة الوراثية DNA هو الشفرة الخاصة لكل إنسان، ويحمل كل المعلومات اللازمة لبناء البروتينات المهمة لوظائف الجسم المختلفة، فضلًا عن الصفات الشكلية الخارجية للشخص.
اقرأ أيضًا: علم الطاقة.. هل يمكن أن يكون سر الصحة الجسدية والنفسية؟
تركيب المادة الوراثية DNA:
تتكون المادة الوراثية من جزيئين، على شكل شريطين طويلين يلتفان حول بعضهما البعض، كل واحد من هذين الشريطين عبارة عن تسلسل طويل من جزيئات تسمى النيوكليوتيدات (Nucleotides) التي تتكون من الآتي:
- جزيء الفوسفات.
- جزيء السكر، يتكون من 5 ذرات كربون، ويطلق عليه ريبوز منقوص الأكسجين (Deoxyribose).
- جزيء يحتوي على النيتروجين، وله عدة أنواع منها:
- الأدينين (Adenine).
- السيتوزين (Cytosine).
- الجوانين (Guanine).
- الثيامين (Thymine).
وترتيب هذه الجزيئات بعضها ببعض هو ما يشكل الرموز الجينية، علما بأن هذه السلاسل ترتبط مع بعضها لتكوين المادة الوراثية عن طريق ارتباط الأدينين مع الثيامين، والسيتوزين مع الجوانين، وأن طول السلسلة الوراثية يتحدد من خلال جزيئات السكر والفوسفات.
اقرأ أيضًا: الماضي المجهول.. كيف كشف العلماء عن إنسان النياندرتال وأعادوا تجسيده؟
تعبئة المادة الوراثية DNA:
توجد معظم المادة الوراثية في داخل نواة الخلية (Nucleus)، بينما يتواجد الجزء الباقي في الميتوكندريون (Mitochondria) ولأن لدينا كمية كبيرة من المادة الوراثية في كل خلية، التي يصل طولها إلى 2 متر، ولأن نواة الخلية صغيرة الحجم، تقوم المادة الوراثية بالالتفاف على بروتين يسمى الهستون (Histones)؛ ليصبح اسمه الجديد الكروماتين الذي تحدث له عملية معينة يتم تغليفه بعدها ليتحول إلى الكروموسوم (chromosomes)، ويتكون كل كرموسوم من جزيء DNA واحد، ومعروف أن كل إنسان لديه 23 زوجًا من الكروموسومات، علمًا بأن الكرموسوم رقم 1 هو الأطول، حيث يمتلك حوالي 8,000 جين، والكرموسوم رقم 21 هو الأصغر باحتوائه على 3,000 جين فقط.
ما هو الجين؟
يمكن تعريف الجين بأنه الوحدة الفيزيائية الأساسية للوراثة، فهو يعمل كشيفرة خاصة، وله تعليمات محددة لتصنيع جزيئات البروتينات، فكل جزيء من المادة الوراثية أو بشكل آخر كل مجموعة من النيوكليوتيدات ترمز إلى جين معين، الذي بدوره يستخدم لإنتاج نوع معين من البروتينات، وكل شخص يمتلك نسختين من كل جين، نسخة من الأم ونسخة أخرى من الأب، والجدير بالذكر أن اختلاف تسلسل بعض قواعد المادة الوراثية عند تكوين كل جين هي السبب في حدوث الاختلاف في السمات الجسدية المميزة لكل شخص مثل: الطول، والقصر، ولون البشرة، والعيون، وغيرها.
تكوين البروتينات من المادة الوراثية:
تقوم الجينات الموجودة على الحمض النووي بتكوين البروتينات، من خلال خطوتين رئيستين، هما:
النسخ (Transcription):
هي العملية التي يتم بواسطتها نسخ الرموز الجينية الموجودة على المادة الوراثية حتى يتم تصنيع ما يسمى بالمرسال (mRNA)، وهو جزيء عبارة عن نسخة من الـ DNA ولكن من سلسلة واحدة، ولا يمتلك جزيء الثيامين، حيث يتم استبداله بجزيء يسمى الأوراسيل (Uracil).
الترجمة (Translation):
هي العملية التي يتم من خلالها ترجمة المرسال (mRNA) إلى أحماض أمينية، حيث تمثل كل 3 قواعد نيتروجينية رمزًا خاصًا بحمض أميني معين، وهذا الرمز يدعى الكودون (Codon)، تقوم هذه الكودونات بتكوين حوالي 20 حمضًا أمينيًا، وكل مجموعة من هذه الأحماض الأمينية تشكل جزيئًا محددًا من بروتين معين.
اقرأ أيضًا: السفر عبر الزمن.. بين الخيال العلمي وحقائق الفيزياء الحديثة
استخدامات الـ DNA:
يستخدم الـ DNA خاصة بعد التطور العلمي والتقدم التكنولوجي خلال السنوات الأخيرة في عدة مجالات، من أهمها:
مجال الهندسة الوراثية:
حيث يتم استخدام الحمض النووي لإنتاج الكائنات المعدلة وراثيًا، التي تستخدم في البحث الطبي، خاصة لاكتشاف علاجات للأمراض الوراثية، أو لإنتاج لقاحات للأمراض الجديدة، أو المجال الزراعي لتحسين منتجات الزراعة؛ لحمايتها من الحشرات وزيادة مقاومتها ضد المبيدات الحشرية، وغيرها من المجالات الأخرى.
الشرطة العلمية والطب الشرعي:
هناك ما يعرف بعلم الأدلة الجنائية والبصمة الوراثية، حيث يمكن استخدام الـ DNA الموجود في الدم، الجلد، الأظافر، اللعاب، والشعر الموجود في مسرح الجريمة لتحديد الجاني، كما تستخدم البصمة الوراثية في اختبار الأبوة وإثبات النسب، وغير ذلك من الأمور المشابهة.
التاريخ والأنثروبولوجيا:
حيث تتراكم الطفرات في الـ DNA مع مرور الوقت، وتنتقل عبر الأجيال اللاحقة، فإن الـ DNA يحتوي على معلومات تاريخية يمكن لعلماء الوراثة بواسطتها استنتاج التاريخ التطوري للكائنات، وهذا ما يطلق عليه علم الوراثة العرقي أو الأنثروبولوجيا.
وختامًا عزيزي القارئ، بعد معرفة أهم المعلومات عن الحمض النووي أو المادة الوراثية DNA، وتركيبها وأهميتها، لا نملك إلا أن نسجد لله -سبحانه وتعالى- شكرًا واعترافًا بوجوده وقدرته على كل شيء، ونتذكر قوله تعالى: “وفي أنفسكم أفلا تبصرون”.
اقرأ أيضًا: العلاقة بين القطط وإصابة البنات بالعقم.. حقيقة علمية أم خرافة؟
كتبت: سحر علي.