حقًا بدأت مصر ثم بدأ التاريخ، فهي دائمًا سباقة في كل المجالات خاصة المجال العلمي، ودليل ذلك الجامعة الأهلية المصرية، التي تعتبر أول جامعة عربية، حيث تم إنشاؤها مع اشتداد قوة الحركة الوطنية المصرية في أوائل القرن العشرين، عندما رأت نخبة من قادة العمل الوطني، ورائدي حركة التنوير والفكر الاجتماعي في مصر في تلك الفترة مثل: الشيخ محمد عبده، مصطفى كامل، محمد فريد، قاسم أمين، وسعد زغلول.

أنه حان الوقت لتحقيق الحلم الذي طالما داعب خيال المصريين، وهو إنشاء جامعة تنهض علميًا بالبلاد في مختلف المجالات، وتكون منارة للفكر الحر، وأساسًا تقوم عليه النهضة العلمية، وجسرًا يصل البلاد بمصادر العلم ومنابعه، لمشاركة العالم في تقدمه العلمي، وفي هذا الموضوع عزيزي القارئ سنتناول معًا كيفية إنشاء الجامعة الأهلية المصرية أول جامعة عربية، والصعاب التي واجهتها، وتطورها حتى اليوم.

إنشاء الجامعة الأهلية المصرية:

كما ذكرنا سابقًا الأمنية في إنشاء جامعة مصرية كانت فكرة قوية لدى الكثير من الزعماء الوطنيين والمثقفين، ولكن هذه الفكرة بالطبع وجدت معارضة شديدة من جانب سلطات الاحتلال البريطاني خاصة من اللورد كرومر الذي كان يدرك جيدًا أن إنشاء جامعة في مصر معناه خلق طبقة مثقفة من المصريين واعية لحقوقها، ومدركة أن الاستقلال ليس تحريرًا للأرض، وإنما هو تحرير للشخصية المصرية وانطلاقها نحو المدينة والحضارة.

وبالرغم من تلك المعارضة، لم يتراجع أصحاب الفكرة وسرعان ما تولت لجنة من الوطنيين الذين ضحوا وتحملوا المشاق حتى خرجت فكرتهم إلى النور، وأصبحت واقعًا ملموسًا، حيث تم بالفعل افتتاح الجامعة المصرية كجامعة أهلية في يوم الحادي والعشرين من شهر ديسمبر عام 1908م، في حفل مهيب ضخم أقيم بقاعة مجلس الشورى بحضور الخديوي عباس حلمي الثاني، مع بعض رجالات الدولة وكبارها من الأعيان، وكان أول رئيس للجامعة أحمد لطفي السيد.

إنشاء الجامعة الأهلية المصرية

إنشاء الجامعة الأهلية المصرية

وعن مشهد يوم الافتتاح يذكر الدكتور يونان لبيب رزق في كتابه (فؤاد الأول، المعلوم والمجهول): “في الصباح الباكر اصطف تلاميذ مدرسة أغا خليل والحسينية في عابدين في ساحة السراي وأمامهم أعلامهم وأساتذتهم، وفي العاشرة والنصف وخمس دقائق وصل الخديوي، وأجريت له مراسم الاستقبال الفخيمة، ووقف البرنس فؤاد باشا فتلا خطابه، ثم تلا بعده الخديوي خطابه الكريم، ثم ألقيت ثلاث خطب أخرى لكل من عبد الخالق ثروت باشا، وأحمد بك زكي، والمسيو بونفيلة المدرس الفرنسى، وفي اليوم التالي بدأ إلقاء الدروس في الجامعة.

وقد كتبت جريدة الأهرام عن ذلك الحدث في أكثر من مناسبة، أهمها في عددها يوم 2 مايو 1908م واصفة فيه الزعماء الوطنيين أصحاب فكرة الجامعة بأنهم عقلاء الأمة الذين يسعون لجعل الجامعة جامعة للعلم فقط دون عنصرية، فلا اليهودي فيها يهودي فقط، ولا المسيحي فيها مسيحي فقط، ولا المسلم فيها مسلم فقط، بل كلهم إخوة لتذكية النفوس، ونشر نور العلم، وتوحيد روابط الإخاء الإجتماعي، وتعليم النفوس روح العدالة والحرية والإخاء والمساواة، تلك الروح التي بفضلها أصبحت أوروبا سيدة الأكوان، وأصبح الشرق على ما يملكه من حضارة وعظمة وخير ونعمة عبدًا لتلك السيدة”.

اقرأ أيضًا: نظام الساعات المعتمدة في الجامعات.. هل هو الحل المثالي؟

أول مجلس للجامعة الأهلية المصرية:

كان أول مجلس للجامعة مكونًا من الأمير أحمد فؤاد رئيسًا، ووكيلين هما: حسين رشدي باشا، وإبراهيم نجيب باشا، وأحمد زكي بك سكرتيرًا، وحسن سعيد بك أمينًا للصندوق، وتسعة أعضاء هم: يعقوب أرتين باشا، الدكتور محمد علوي باشا، عبد الخالق ثروت باشا، مرقص حنا أفندي، مسيو ماسبيرو، يوسف صديق بك، علي أبو الفتوح بك، مسيو أوزينا بك، وعلي ذو الفقار بك.

وقام مجلس الجامعة باستئجار الدور الأول من سراي جناكليس لمدة سنة واحدة، بقيمة إيجارية بلغت 350 جنيهًا؛ ليكون مقرًا لهم، وتم تقسيم الطلبة الذين سيتم قبولهم إلى قسمين، هما:

  • طلبة منتسبون، وهم خريجو المدارس العالية والخصوصية والأزهر وغيرهم، يتقدمون للدراسة بالجامعة بنية الاستمرار على حضور درس أو أكثر، ويحصلون على شهادة أو لقب علمي.
  • طلبة مستمعون، وهم متطوعون، ويدفعون الرسوم المقررة عنها.

نظام الدراسة بالجامعة الأهلية المصرية:

في بداية الأمر لم يستقر الرأي على قواعد ثابتة للدراسة أو لمنح الدرجات العلمية، خاصة وأنه لم يكن هناك اعتراف رسمي من قبل الحكومة، ولا تعد مؤهلًا للتوظيف، فكانت أقرب ما تكون إلى الدراسات الحرة، وقد أعلنت الجامعة أنها ستمنح طلابها شهادة تسمى (شهادة الدروس العالية) بشرط أن يكون الطالب منتسبًا، وأن يكون حاضرًا لثلاثة دروس من أساتذتها على الأقل، وأن يكون قد اشترك في التمارين العلمية، أو قام بتقديم بحث علمي، وتم تحديد رسوم الدراسة للطالب المنتسب بمائة وعشرين قرشًا في السنة، وضعف الرسوم بالنسبة للطالب المستمع أو المتطوع، واستمر رسم الاستماع للمحاضرة الواحدة خمسة قروش، ورسم الدخول عشرون قرشًا.

نظام الدراسة بالجامعة الأهلية المصرية

نظام الدراسة بالجامعة الأهلية المصرية

وقد أقبل على دروس الجامعة خليط من الطلاب الراغبين في الدراسة كانوا مختلف القطاعات، فكان عدد تلاميذ المدارس 258 طالبًا، ومن موظفي الحكومة 243 طالبًا، ومن المعلمين بالمدارس 69 طالبًا، ومن طلبة الأزهر 42 طالبًا، ومن رجال القضاء 19 طالبًا، ومن الصحفيين 15 طالبًا، ومن التجار 18 طالبًا، بالإضافة إلى عدد محدود من كبار موظفي الدولة، وضباط الجيش والبحرية وأصحاب المهن والحرف، وهذه الأعداد كانت تمثل القسمين من الطلبة، طلبة الانتساب والاستماع معًا، وكان معظم الطلاب من أبناء الطبقة الوسطى بمختلف طبقاتها الاجتماعية؛ لأنها الطبقة صاحبة المصلحة في إنشاء التعليم الجامعي، وهي صاحبة فكرة المطالبة به منذ نهاية القرن التاسع عشر، وحتى إنشائه في أوائل القرن العشرين.

اقرأ أيضًا: اكتشف أنواع الجامعات المصرية.. دليل شامل لأفضل الخيارات الأكاديمية

تطور الجامعة الأهلية المصرية:

الجامعة الأهلية المصرية (جامعة القاهرة الآن) هي من أقدم الجامعات المصرية، وتعتبر الثالثة عربيًا بعد جامعة الأزهر وجامعة القرويين، بدأ أنشاؤها في عهد محمد علي باشا مؤسس النهضة المصرية، حيث أنشأ المهندسخانة (كلية الهندسة 1820م) وكذلك المدرسة الطبية ( كلية الطب عام 1827م)، وفي عهد الخديوي محمد سعيد تم إغلاقها (حوالي 1850م)، وبعد حملة شعبية واسعة بقيادة الزعماء الوطنيين كما ذكرنا تأسست الجامعة الأهلية المصرية في عام 1908م، وعرفت بعد ذلك باسم جامعة فؤاد الأول، ثم بعد ثورة 23 يوليو 1952م تم تسميتها جامعة القاهرة، وتضم عددًا كبيرًا من الكليات الجامعية مثل: الآداب والحقوق والتجارة والعلوم، وكليات الهندسة والطب والعلاج الطبيعي والصيدلة والفنون تقع خارج مبنى الجامعة.

اقرأ أيضًا: أهمية المنح الدراسية.. كيف تستغلها لتحقيق أهدافك الأكاديمية؟

أشهر خريجي الجامعة الأهلية المصرية:

تخرج في الجامعة الأهلية المصرية أو جامعة فؤاد الأول أو جامعة القاهرة كما تعرف الآن عدد من كبار رجال وقادة العرب في عدة مجالات، منهم:

رؤساء دول:

  • صدام حسين.
  • ياسر عرفات.
  • محمد مرسي.

حائزون على جائزة نوبل:

  • محمد البرادعي.
  • نجيب محفوظ.
أشهر خريجي الجامعة الأهلية المصرية

أشهر خريجي الجامعة الأهلية المصرية

علماء:

  • علي مصطفى مشرفة.
  • مجدي يعقوب.
  • سميرة موسى.

كتاب ومفكرون:

  • طه حسين.
    محمد حسنين هيكل.
    زكي نجيب محمود.
    يوسف إدريس.
    لطيفة الزيات.
    حازم صلاح أبو إسماعيل.

وفي الختام، لا شك أن الجامعة الأهلية المصرية كانت وما زالت منارة للعلم والمعرفة، وركيزة أساسية في نهضة مصر العلمية والثقافية، بفضل جهود الرواد الأوائل الذين آمنوا بأهمية التعليم الجامعي، أُسست هذه الجامعة لتحدث تحولًا جذريًا في الفكر والمجتمع؛ لتظل شاهدة على قدرة المصريين على تحقيق أحلامهم رغم كل الصعاب.

اقرأ أيضًا: تعرف على منح افضل جامعات استراليا ( الجزء الأول )

كتبت: سحر علي.