الأمثال الشعبية تراث ثقافي واجتماعي هام وكبير، نتوارثه جيلًا بعد جيل، ولكن هناك بعض الأمثال والأقوال الخطأ التي يرددها بعض الناس، وهم يظنون أنها أقوال تحمل حكمًا قيمة أو مواعظ، مما يؤدي إلى انتشارها ورسوخها في الأذهان، وهي في الحقيقة تحمل عقائد باطلة، أو تُسبب فسادًا اجتماعيًا، أو فهمًا خاطئًا، يؤدي في النهاية إلى اضطراب علاقتهم بالله وبالآخرين، والخسران في الدنيا والآخرة، فالله تعالى يقول في كتابه العزيز: “يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولًا سديدًا يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم”.
فالقول السديد سبب من أسباب توفيق الله -عز وجل- لعباده حيث يفتح لهم أبواب النجاح في الدنيا والمغفرة في الآخرة، في هذه السطور التالية سنتناول أهم الأمثال والأقوال الخطأ المنتشرة، التي قد يغفل البعض عن خطرها.
الأمثال والأقوال الخطأ:
هناك العديد من الأمثال والأقوال الخطأ، أبرزها ما يلي:
بعد ما شاب ودّوه الكتاب:
هذه مقولة خطأ، ودعوة جاهلة تغلق أبواب العلم والموهبة والمعرفة، وتعطل ملكة القراءة والحفظ عند الكبار، وقد ظل الرسول -صلى الله عليه وسلم- يتلقى العلم والوحي من الله تعالى حتى بعد بلوغه سن الستين، وكذلك بعض الصحابة لقوله تعالى: “وقل رب زدني علمًا”، ومن الأحاديث الشريفة: “من سلك طريقًا يلتمس فيه علمًا، سهل الله له به طريقًا إلى الجنة”.
اقرأ أيضًا: نقبك طلع على شونة وعند أم ترتر.. حكايات من الأمثال الشعبية
السلف تلف والرد خسارة:
هذا القول أيضًا يتعارض مع ما جاء بالقرآن الكريم حيث أباح الله الاستدانة وليس الربا، وأمر بكتابة الدين صغيرًا كان أو كبيرًا، كما جاء في قوله تعالى: “ولا تسأموا أن تكتبوه صغيرًا أو كبيرًا إلى أجله”، وأمر أيضًا بإعطاء فرصة للمعسر، وإمهاله حتى يستطيع السداد، والدليل: “وإن كان ذو عسرة فنظِرُة إلى ميسَرة”.
وفي الحديث الشريف أيضًا: “من يسر على معسر يسر الله عليه في الدنيا والآخرة، ومن فرج عن مسلم كربة من كرب الدنيا فرج الله عنه كربة من كرب يوم القيامة”.
البقية في حياتك:
هذه العبارة يرددها البعض في العزاء لمواساة أهل الميت، وهي عبارة خطأ تمامًا، حيث يدل معناها على أن المتوفي ترك جزءًا من عمره ليطيل به عمر من يقدم له العزاء، وهذا بهتان عظيم وشرك بقضاء الله، حيث أنه لا يموت إنسان قبل أن يستكمل آخر لحظة من عمره، تصديقًا لقوله تعالى: “فإذا جاء أجلهم لا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون”، أما ما يجب أن يقال للعزاء هو “البقاء لله أو عظم الله أجرك” ويكون الرد “شكر الله سعيك أو جزاك الله خيرًا”.
تجوع الحرة ولا أكل بثدييها:
معنى هذه المقولة الراسخ في الأذهان هو أن المرأة الحرة مهما قست عليها ظروف الحياة وازدادت مسئولياتها، فإنها لا تفرط في عرضها للرجال مقابل المال الذي يدفعونه لها للتمتع بجسدها، وذكر الثديين دليل ليتضح المفهوم، وقد تكون هذه المقولة صحيحة من حيث الواقع، إلا أن الحقيقة الغائبة وراء هذا المعنى بعيدة تمامًا عن المعنى الحقيقي وراء قول العرب: “تجوع الحرة ولا تأكل بثدييها”، فقد كانت المرأة العربية قديمًا مصنفة إلى صنفين: حرة، وعبدة، فالحرة هي المرأة ذات الحسب والنسب من علية القوم، أما العبدة والجارية فهما من طبقة أدنى، خلاف الحرة.
وكان من عادات العرب قديمًا أن يستأجروا امرأة لإرضاع أبنائهم مقابل أجر يعطونها إياه، وبالطبع المرأة الحرة هي سيدة في قومها ولا يتم توظيفها لأجل المال، أما الجارية فهي التي تقبل بالوظيفة لأجل المال، ولأن الثديين هما وسيلة كسب الإرضاع، وليسا وسيلة كسب الزنا كما يتخيل السامع، فقال الغرب تجوع الحرة ولا تكسب بثدييها، كدليل أن الحرة مهما قست عليها الحياة فلا يمكن لها أن تعمل بإرضاع أبناء الغير طلبًا للمال.
وفي النهاية، يبقى دورنا في التمييز بين الأمثال والأقوال الخطأ وبين الحكم والمواعظ الصحيحة، ضرورة ملحة للحفاظ على نقاء الفكر وسلامة العقيدة، فليس كل ما نتوارثه جديرًا بالتكرار، ولنجعل قول الله تعالى: “قولوا قولًا سديدًا” ميزانًا نزن به كلماتنا وأقوالنا.
اقرأ أيضًا: “كلنا ولاد تسعة” و”الناس مقامات”.. أشهر أمثال شعبية متناقضة
كتبت: سحر علي.