يعد عسر القراءة والكتابة (Dyslexia) من أبرز التحديات التي يواجهها الأطفال في مرحلة الطفولة المبكرة، وهو اضطراب يؤثر على قدرة الطفل في تعلم القراءة والكتابة بشكل سليم، يتميز هذا الاضطراب بصعوبة في معالجة الكلمات والأصوات، مما يعيق قدرة الطفل على تعلم القراءة والكتابة بشكل طبيعي، لكن في الوقت نفسه لا يتسبب عسر القراءة والكتابة في انخفاض الذكاء، بل يمكن للأطفال الذين يعانون منه أن يحققوا نجاحًا كبيرًا في حياتهم إذا تم تشخيصهم مبكرًا وتقديم الدعم المناسب لهم.
أسباب عسر القراءة والكتابة:
يمكن أن يكون لعسر القراءة والكتابة عدة أسباب رئيسية، تتمثل في:
العوامل الوراثية:
يعتبر العسر القرائي اضطرابًا ذا صلة بالعوامل الوراثية، حيث تشير الدراسات إلى أن الأطفال الذين لديهم تاريخ عائلي من عسر القراءة يكونون أكثر عرضة للإصابة به، فالعوامل الوراثية تؤثر على طريقة معالجة الدماغ للمعلومات المتعلقة بالأصوات والكلمات.
العوامل العصبية:
تشير الأبحاث إلى أن الأطفال الذين يعانون من عسر القراءة قد يكون لديهم اختلافات في بنية الدماغ ووظائفه، لا سيما في المناطق المسئولة عن معالجة اللغة، قد يواجه هؤلاء الأطفال صعوبة في ربط الأصوات بالحروف، مما يؤثر على قدرتهم في تعلم القراءة.
التأثيرات البيئية:
يمكن أن تؤثر البيئة التي ينشأ فيها الطفل على تطور مهاراته اللغوية، على سبيل المثال إذا كان الطفل ينشأ في بيئة تفتقر إلى التحفيز اللغوي أو لا يتوفر له وقت كافٍ للاستماع إلى القصص أو التفاعل مع الآخرين، فقد يواجه صعوبة في اكتساب المهارات اللغوية الأساسية.
التأخر في تطور المهارات اللغوية:
بعض الأطفال قد يعانون من تأخر في تطور المهارات اللغوية، مثل: صعوبة في التحدث أو النطق، وهذا قد يؤثر على قدرتهم على فهم وتحليل الكلمات بشكل صحيح عند تعلم القراءة والكتابة.
اقرأ أيضًا: تعرف على 7 أسباب تأخر النطق عند الأطفال وعلاجه
كيف يمكن اكتشاف عسر القراءة والكتابة؟
من المهم اكتشاف عسر القراءة والكتابة في مرحلة الطفولة المبكرة، حيث إن التدخل المبكر يساعد في تحسين نتائج العلاج، فهناك العديد من العلامات التي قد تشير إلى أن الطفل يعاني من عسر القراءة، ومنها:
صعوبة في تعلم الحروف والأصوات:
الطفل الذي يعاني من عسر القراءة قد يجد صعوبة في تذكر أسماء الحروف أو ربط الأصوات بالحروف عند تعلم القراءة، قد يظهر ذلك في تأخر تعلم الحروف الأبجدية أو خلط الحروف المماثلة مثل (ب) و(ت).
صعوبة في قراءة الكلمات:
الأطفال الذين يعانون من عسر القراءة قد يجدون صعوبة في قراءة الكلمات البسيطة بشكل صحيح، ويعانون من التكرار أو التبديل بين الحروف أو الأصوات، قد يلاحظ الآباء أو المعلمون أن الطفل يرتكب أخطاء متكررة في قراءة الكلمات التي يعرفها.
مشاكل في الكتابة والإملاء:
قد يواجه الأطفال الذين يعانون من عسر القراءة صعوبة في الكتابة بشكل دقيق مثل: ارتكاب أخطاء إملائية متكررة، أو ترتيب الكلمات بطريقة غير منطقية، قد تكون الكتابة غير واضحة، أو تحتوي على أخطاء في التهجئة.
صعوبة في فهم النصوص:
الأطفال الذين يعانون من عسر القراءة قد يجدون صعوبة في فهم النصوص المكتوبة، حتى وإن كانوا يستطيعون قراءتها، وأيضًا قد يواجهون صعوبة في فهم المعاني أو ربط الأفكار معًا.
الكسل أو الخوف من القراءة والكتابة:
قد يظهر على الأطفال الذين يعانون من عسر القراءة تجنب للأنشطة التي تتطلب القراءة والكتابة، كما قد يظهرون قلقًا أو إحباطًا عند القراءة بصوت عالٍ.
اقرأ أيضًا: علامات صدمات الطفولة.. كيف تؤثر على نمو أطفالنا وتشكيل شخصياتهم؟
الخطوات الواجب اتباعها لعلاج عسر القراءة والكتابة:
لحسن الحظ هناك العديد من الاستراتيجيات التي تساعد في معالجة عسر القراءة والكتابة لدى الأطفال، ومنها:
التشخيص المبكر:
يعتبر التشخيص المبكر أمرًا بالغ الأهمية في علاج عسر القراءة والكتابة، كلما تم التعرف على المشكلة مبكرًا، كلما كانت فرص نجاح العلاج أكبر، يمكن أن يساعد الأطباء النفسيون، الأطباء العصبيون، أو المعالجون المتخصصون في تشخيص الحالة بناءً على الملاحظات والفحوصات الخاصة.
استخدام أساليب تعليمية موجهة:
يجب على المعلمين استخدام أساليب تعليمية مخصصة للأطفال ذوي عسر القراءة مثل استخدام أسلوب (التعليم المتعدد الحواس)، الذي يشمل استخدام الصوت، اللمس، والرؤية في تعلم القراءة والكتابة، كما يمكن استخدام برامج تعليمية خاصة بتقنيات القراءة الموجهة التي تسعى لتسهيل تعلم الكلمات.
التركيز على المهارات اللغوية الأساسية:
من المهم تقوية مهارات الطفل اللغوية الأساسية مثل: التمييز بين الأصوات (التعرف على الحروف)، الاستماع النشط، والتدريب على الربط بين الحروف والصوتيات، يمكن استخدام الأنشطة التفاعلية مثل الألعاب التعليمية لتعزيز هذه المهارات.
استخدام الأدوات التكنولوجية المساعدة:
هناك العديد من البرامج والأدوات التكنولوجية التي يمكن أن تساعد الأطفال الذين يعانون من عسر القراءة مثل البرامج التي تقوم بتحويل النصوص المكتوبة إلى صوت، أو التي تعرض النصوص بطرق مرئية لسهولة الفهم.
اقرأ أيضًا: التشخيص المبكر هو السر.. تقوس الساقين عند الأطفال خطر يمكن تجنبه
الدعم النفسي والعاطفي:
يجب أن يحصل الطفل على دعم نفسي وعاطفي لمساعدته على التكيف مع التحديات التي يواجهها، وأيضًا يمكن أن يساعد تقديم التشجيع والثناء على محاولاته في تقليل القلق وزيادة ثقته بنفسه.
التعاون بين المعلمين والآباء:
يجب أن يكون هناك تعاون مستمر بين المعلمين وأولياء الأمور لمتابعة تقدم الطفل وتحديد الاستراتيجيات المناسبة لتسهيل تعلمه، كما أن مشاركة الآباء في العملية التعليمية يمكن أن تساعد في تعزيز المهارات اللغوية للطفل في المنزل أيضًا.
التعديل في بيئة التعلم:
قد يحتاج الأطفال الذين يعانون من عسر القراءة إلى بيئة تعلم هادئة وخالية من التشتت، مع تزويدهم بالوقت الكافي لإتمام المهام التعليمية، ينبغي تعديل الأنشطة لتناسب احتياجات الطفل بشكل فردي.
نتيجة لذلك نرى أن عسر القراءة والكتابة في مرحلة الطفولة المبكرة ليس مجرد تحدٍّ أكاديمي، بل هو جزء من رحلة فهم أعمق لما يواجهه الأطفال في عالم مليء بالألوان والأصوات، إذا كانت الكلمات والرسوم هي أدواتنا لفهم العالم، فإن هؤلاء الأطفال يحتاجون إلى أدوات مخصصة تساعدهم على رسم طريقهم الخاص نحو النجاح، بدلًا من أن نرى عسر القراءة والكتابة كعائق، لنتأمل فيه كفرصة لبناء جسر من الدعم والتفهم، حيث نكتشف في كل طفل إمكانيات غير مرئية تحتاج إلى الضوء المناسب لتتجلى.
اقرأ أيضًا: عزز قدرات أطفالك الذهنية.. 5 أطعمة تنمي ذكاء الطفل
كتبت: نهلة سمير.