يولي الشعب السنغافوري أهمية كبيرة للتعليم، حيث كان التعليم دائمًا في مقدمة أولوياته في سنغافورة، خصصت له ميزانية خاصة لضمان تطويره المستمر والارتقاء به، وأثناء فترة الاحتلال شهد النظام التعليمي تنوعًا لغويًا، حيث كانت كل لغة تمثل دولة معينة، وعندما تولى رئيس الوزراء لي كوان يو المسئولية عمل على توحيد النظام التعليمي ليشمل جميع اللغات، مع التركيز على تعليم اللغة الإنجليزية كلغة ثانية حتى عام 1987، حين أصبحت الإنجليزية اللغة الأولى، لتسهيل التواصل مع العالم الخارجي وتعزيز النمو الاقتصادي.
البنية التحتية التعليمية في سنغافورة والتوجه نحو العلوم:
اهتمت سنغافورة بتطوير البنية التحتية التعليمية، حيث تم بناء المدارس مع التركيز على الرياضيات والعلوم التقنية والمهنية، وخصصت موارد ضخمة لدعم ثلاث وزارات رئيسية: التعليم، النقل، والصحة، نظرًا لدورها الحيوي في تحقيق الرفاهية العامة والتنمية المستدامة، هذا التوجه وضع أساسًا قويًا لتخريج كوادر مؤهلة في مختلف المجالات الحيوية.
اقرأ أيضًا: دولة سنغافورة.. كيف تحولت من مستنقع الفساد إلى أسطورة اقتصادية؟
إنجازات سنغافورة العالمية في التعليم:
بفضل الاستراتيجيات التعليمية المتقدمة، أصبحت هذه الدولة واحدة من الدول الرائدة عالميًا في التعليم، حيث تفوقت في اختبارات الرياضيات والعلوم الدولية (TIMSS) التي تُجرى كل أربع سنوات، فأظهرت إنجازات ملحوظة في الأعوام 2003، 2007، و2011، وفي عام 2016 حقق طلابها نتائج مبهرة في برنامج تقييم منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية، متفوقين على دول كألمانيا، كندا، فنلندا، الصين، واليابان، أما على المستوى الجامعي فقد احتلت المرتبة الحادية عشرة عالميًا في جودة التعليم العالي، مما يعكس التزامها بتقديم تعليم متميز.
الرعاية الصحية والإسكان المجهز في سنغافورة:
في مجال الصحة خطت الدولة خطوات كبيرة نحو تحسين حياة مواطنيها، عام 1966 تم نقل السكان من الأحياء الفقيرة والموبوءة إلى مساكن حكومية حديثة مزودة بكافة المرافق الأساسية مثل: المياه، الكهرباء، والصرف الصحي، هذا التحول ساهم في الحد من انتشار الأمراض وتحسين جودة الحياة، ومع مرور الوقت ركزت الدولة على تطوير التعليم الطبي، ما أدى إلى توفير عدد كبير من المتخصصين في المجالات الصحية المختلفة.
إنشاء مراكز صحية متخصصة:
قامت الدولة بتعزيز بنيتها الصحية من خلال إنشاء مراكز طبية متخصصة تلبي احتياجات مواطنيها، وتم افتتاح مركز وطني للعيون ومستشفيات أخرى لتقديم رعاية صحية شاملة، كما تعاونت مع المستشفيات والشركات لتوفير الأدوية والمستلزمات الطبية، هذه الجهود جعلت من النظام الصحي السنغافوري واحدًا من الأفضل عالميًا.
النهوض الاقتصادي والتغلب على التحديات في سنغافورة:
رغم صغر مساحتها التي لا تتجاوز 620 كيلومترًا مربعًا، فإنها تمكنت من التحول من دولة فقيرة تعاني من الجهل والأمراض إلى واحدة من أغنى دول العالم، بدأت قصة نجاحها في عام 1959 حين تولى (لي كوان يو) رئاسة الوزراء بعد الاستقلال عن الاستعمار، فوجد نفسه أمام تحديات اقتصادية واجتماعية كبرى، لكنه اعتمد على رؤية بعيدة المدى لتحقيق التنمية.
مرحلة الاتحاد والانفصال عن ماليزيا:
بدأت المرحلة الأولى من التحول الاقتصادي باندماج سنغافورة مع اتحاد مالايا عام 1963، إلا أن الاتحاد لم يدم طويلًا، حيث تم طردها من البرلمان الماليزي في 1965، رغم ذلك اعتبر رئيس الوزراء هذه المحنة فرصة لبناء اقتصاد مستقل، مستفيدًا من الصناعات منخفضة القيمة مثل: إنتاج الملابس، الأحذية، والألعاب، وبدأ تصديرها للخارج، رغم محدودية الأرباح.
جذب الشركات متعددة الجنسيات:
في عام 1970 تحولت سنغافورة إلى مركز جذب للشركات متعددة الجنسيات، مما ساهم في بناء اقتصادها وتنويع مصادر دخلها، وقد ركزت الحكومة على تطوير الصناعات التقنية والاعتماد على الموارد البشرية المؤهلة، ما جعلها واحدة من أكثر الاقتصادات ازدهارًا في العالم.
تأسيس مستشفيات ومراكز متطورة:
بين عامي 1990 و1997 تم افتتاح مستشفيات ومراكز طبية متخصصة، من بينها: مستشفى العيون، مركز القلب، ومركز الأسنان، بالإضافة إلى ذلك استلهمت الدولة برنامجها الصحي في الثمانينيات، الذي ركز على تخصيص ميزانيات ضخمة لتطوير الخدمات الصحية والتعليمية.
السياسات الاقتصادية والاستقرار المالي:
حرصت الدولة على الحفاظ على استقرارها المالي من خلال تخطيط اقتصادي محكم، منذ عام 2010 لم تشهد ميزانيتها عجزًا، بفضل إدارة مواردها واستثماراتها بفعالية، فأدى هذا الاستقرار إلى انخفاض معدل البطالة من 3% في 1980 إلى 2% في 2024، مع توقعات بمزيد من الانخفاض بفضل التوسع في القطاع الخاص والتكنولوجيا.
النمو الاقتصادي ومستوى المعيشة:
ارتفع الناتج المحلي الإجمالي لسنغافورة من 360 مليار دولار في 2016 إلى 513.97 مليار دولار في 2024، كذلك زاد دخل الفرد السنوي من 4500 دولار في 2016 إلى 88,447 دولارًا في 2024، مما يعكس تقدمًا اقتصاديًا كبيرًا.
رغم محدودية مواردها الطبيعية، استطاعت سنغافورة بفضل رؤيتها الاستراتيجية وقوة شعبها أن تتحول من دولة فقيرة إلى نموذج عالمي للنجاح الاقتصادي والاجتماعي، وقصة نجاحها تُثبت أن التحديات يمكن أن تكون دافعًا للإنجاز إذا ما وُجدت الإرادة والتخطيط السليم.
اقرأ أيضًا: رحلة غامرة.. دولة الرأس الأخضر تكشف عن أسرارها
كتب: دكتور خالد فواز.