إلهامي المليجي.. رواية شامة سوداء أسفل العنق والتاريخ المنسي

مناقشة رواية شامة سوداء أسفل العنق

مناقشة رواية شامة سوداء أسفل العنق

في أجواء مفعمة بالإبداع داخل ديوان سينما، ارتفعت الكلمات لتضيء عتمة الذاكرة، صرح الكاتب الصحفي إلهامي المليجي: “يسعدني أن أشارككم الليلة في مناقشة رواية شامة سوداء أسفل العنق للكاتب جهاد الرنتيسي، هذا النص الذي لا يعكس فقط جماليات الأدب، بل يعيد قراءة مرحلة فارقة في التاريخ الفلسطيني”، فما الذي يجعل من هذا النص مرآة لزمن طمسته الأحداث؟ وكيف تحولت (الشامة السوداء) إلى رمز يستفز الخيال والذاكرة معًا؟

كلمة الكاتب الصحفي إلهامي المليجي أثناء مناقشة رواية شامة سوداء أسفل العنق:

أكد الكاتب الصحفي إلهامي المليجي أثناء مناقشة رواية شامة سوداء أسفل العنق أن هذا النص الذي لا يعكس فقط جماليات الأدب، بل يعيد قراءة مرحلة فارقة في التاريخ الفلسطيني، تلك التي عشنا تفاصيلها وغابت عن السرديات الرسمية، لكنها بقيت حية في ذاكرتنا المشتركة.

واستعرض قراءته للرواية في ثلاث نقاط:

  1. الرواية ليست مجرد سردٍ أدبي، إنها شهادة إنسانية تنقل الصراع بين الخاص والعام، وبين الفردي والجمعي، يقدم الرنتيسي من خلال شخصياته لوحة حية تعكس نضالات جيلنا وأحلامه التي تداخلت مع تحديات الواقع، النص يستعيد أحداثًا وشخصيات تعبر عن روح تلك المرحلة، ليعيدها إلى الواجهة بعد أن همشها التاريخ الرسمي.
  2. ما يضفي خصوصية لهذه الرواية بالنسبة لي هو تداخلها مع حياتنا المشتركة، حيث تسلط الضوء على أحبةٍ نعرفهم، مناضلين وأصدقاء تركوا أثرهم في مسيرتنا، هؤلاء الذين حملوا قضاياهم بإيمان عميق تجدهم في النص كشخوص نابضة بالحياة، ما يجعلني أشعر أنني لا أقرأ مجرد قصة، بل أعيد عيش مرحلة شكلت وعيي ووعي الكاتب معًا.
  3. الرواية تؤكد على أهمية استعادة المرحلة التي غابت عن التاريخ الرسمي، حيث يستحضر الكاتب تلك الأحداث والشخصيات التي شكلت الوعي الفلسطيني، الأدب هنا لا يوثق فحسب، بل يعيد صياغة الذاكرة، مُبرزًا الجوانب الإنسانية التي تُهمل في السرديات الكبرى.

كلمة الكاتب الصحفي إلهامي المليجي

اقرأ أيضًا: رواية شامة سوداء أسفل العنق.. سر الهوية والنضال

وأضاف المليجي: “تبقى رؤيتي لرسالة الرواية:

(شامة سوداء أسفل العنق) هي أكثر من عمل أدبي، إنها دعوة لإعادة التفكير في النضال كمعنى متجدد، وفي الذاكرة كقوة مقاومة تتحدى محاولات الطمس، الرواية تحمل رسالة عميقة مفادها أن الإنسان الفلسطيني لا يناضل فقط بالسلاح، بل بالكلمة والذاكرة التي تحفظ ما أهمله التاريخ”.

واختتم كلمته بقوله: “في النهاية لا يسعني إلا أن أحيي جهاد الرنتيسي على هذا النص الذي يجمع بين الجمالية الفنية والرسالة الفكرية العميقة، وأشكر منظمي هذه الندوة التي أتاحت لنا فرصة استكشاف هذا العمل الأدبي المميز، الرواية ليست مجرد حكاية، بل شهادة على صراع الإنسان الفلسطيني وقدرته على تحويل المعاناة إلى قوة دفع نحو الحرية”.

كلمة الكاتب جهاد الرنتيسي أثناء مناقشة رواية شامة سوداء أسفل العنق:

كشف الكاتب جهاد الرنتيسي أثناء مناقشة رواية شامة سوداء أسفل العنق أن حكاية بدأت في ذلك الصيف الحار، حين تهاوى عالمنا كموقع تصوير فيلم هوليودي، انكفأ الروتين والنمط في حضرة الحروب العبثية، ليقذفننا إلى أنماط أخرى تختلف أو تتشابه حسب مناخات وظروف الشتات الجديد، كان العالم الذي غادرناه يتلاشى تاركًا حسراته في ذاكرة حياة استهلاكية أدمنتها القبيلة الضائعة في بلاد السراب.

وأضاف الرنتيسي: “كنا نسمع من الكهول الذين كانوا شبانًا في يوم من الأيام حكايات الكدح في القرى، تشبه ما قرأناه لاحقًا في روايات أمريكا اللاتينية، تنحو نحو الاسطورة حينا، وتحتفظ بإيقاعها السحري في خيالاتنا”.

اقرأ أيضًا: إلهامي المليجي يستحضر روح غالب هلسا في ندوة رواية السؤال

وأكمل: “تجاورت تلك الحكايات بحياد مع ما صار ذاكرة جديدة، نحج إلى النمط والروتين، محمولين على حنين بجناحين، نتذكر سيمفونية الكهول، ولا تغيب عن أذهاننا الأماكن التي جئنا منها”.

وتابع: “عشنا بذاكرتين مشوهتين، ارتبطت إحداها بوطن تحول الى حكايات مبعثرة لجيل لم يعرف المواطنة، وأخرى بمنفى صحراوي قضينا فيه الطفولة والفتوة وبعض الشباب، وكان علينا أن نواجه العالم بهذه الهشاشة”.

واستكمل: “من يكتب تاريخ تجربة الصحراء، تساءل الصحفي والقاص الغر الذي كنته، ولم يجد الاجابة، إصدارات كتب متقممة تحاول مجاملة هذه الجهة أو تلك طمعًا بما تجود به الخزائن، بعض روايات ثأرية، وأخرى تلامس السطح وتخشى النفاذ الى العمق، هل كان حال نوستالجيا القرويين الذين غادروا أشجارهم بحثًا عن الرزق والأمان أفضل، يلد السؤال آخر، وما زالت الاجابة غائبة، تنتظر ناقدًا يمتلك الجرأة”.

الكاتب جهاد الرنتيسي

وأشار إلى أنه توقف عند عدة محطات منذ بداية التسعينيات وحتى بدء التفكير بمشروع روائي يطمح إلى سد الثغرات الاقرب الى ثقوب قطعة جبن سويسرية، كنا نراها في رسوم الكرتون خلال ملاحقات توم وجيري:

  1. أرشيف مركز الأبحاث الفلسطيني الذي استولى عليه الغزاة عند اقتحامهم لبيروت، وتمت إعادته إلى الفلسطينيين في عملية تبادل بعد تصويره، حاولت العثور على إجابات لمآلاته ولم أصل إلى نتيجة حتى الآن، وما زالت صوره متاحة لباحثي الكيان.
  2. أرشيف السلطة الفلسطينية الذي اختزل تاريخ الحركة الوطنية وابعده عن اهتماماته خشية من مسائلات الاحتلال.
  3. الغبار الذي يعلو يوميات ومذكرات جيل ثلاثينيات القرن ولا يجد من ينفضه، ولكل قاعدة بعض الاستثناءات مجهولة الأغراض.
  4. تلاحق الأحداث التي عصفت بتجمعات الفلسطينيين بفعل الحروب الإقليمية والنزاعات الداخلية، الكويت، العراق، نهر البارد، اليرموك… إلخ، ولم تتح تدوين الحيوات، لم تكن حرب القطاع اندلعت ولا دمرت مخيماته.
  5. الإشارات التي وردت لحياة المهاجرين في روايات أمريكا اللاتينية بدء من جورج أمادو الذي تحدث عن السوري حامل البقجة، ومرورًا بمارثيلا سيرانو التي التقطت قصة ابنة إحدى العائلات الفلسطينية المهاجرة إلى تشيلي.
  6. ضياع الفلسطيني في ثنائية البطل والضحية التي نمطت وشيأت إنسانيته في روايات الكتاب الفلسطينيين.
  7. كان لا بد من سردية مختلفة، خطاب مختلف، وشكل روائي مغاير يتلاءم مع الخيبات المتلاحقة التي تتم الإشارة لها في كتب التاريخ باستحياء دون التوقف عند الحيوات اليومية للبشر.
  8. هل أردت كتابة التاريخ من خلال الروايات عندما شرعت في الكتابة، بالطبع لا، الروائي لا يكتب التاريخ، قد يستخدم الوثائق والشهادات التاريخية، لكنه لا يلتزم بقواعد وقوانين كتابة التاريخ التي يلتزم بها المؤرخ.

اقرأ أيضًا: تعرف على الكتب الأكثر مبيعًا بمعرض القاهرة الدولي للكتاب 2024

وفي ختام مناقشة رواية شامة سوداء أسفل العنق للكاتب جهاد الرنتيسي، تتجلى أمامنا أبعاد النص العميقة التي تعكس جماليات الأدب وثراء الذاكرة الفلسطينية، فهذه الرواية ليست مجرد سرد أدبي، بل مرآة تنبض بالتاريخ والإنسانية، تحفزنا على التفكير في ما طمسته الأحداث وما زال يعيش في ذاكرتنا المشتركة، وبينما تتحول (الشامة السوداء) إلى رمز للذاكرة والمقاومة، يبقى الأدب وسيلة لإحياء ما غاب عن السرديات الرسمية، ودعوة لمزيد من التأمل والتعمق.

اقرأ أيضًا: أوجلان من الاختطاف إلى الإبداع.. إرادة شعبية تضئ ليل القاهرة

كتب: محمد بلال.