هل فكرت يومًا في أن الأرشيف قد يكون أكثر من مجرد مستودع للذكريات؟ في ندوة مميزة على هامش معرض القاهرة الدولي للكتاب 2025، كان التركيز على مفهوم الأرشفة وتطورها وكيف أصبحت أداة حيوية لا تقتصر على حفظ التاريخ فقط، بل تتجاوز ذلك لتساهم في دفع عجلة البحث العلمي والتنمية، كيف يساهم هذا المستودع الذكي في نقل المعرفة عبر الأجيال ويدعم التقدم في عالم سريع التغير؟ الندوة قدمت إجابة شاملة حول دور الأرشيف في تشكيل مستقبلنا.
مفهوم الأرشفة وأثرها في التنمية:
شارك في الندوة كل من سعادة عبد الله ماجد آل علي مدير عام الأرشيف والمكتبة الوطنية، والأستاذ فريد زهران رئيس اتحاد الناشرين المصريين.
أكدت الندوة أهمية الأرشيف في تعزيز الهوية الوطنية ودعم التنمية المستدامة، وأنه أداة أساسية لإنتاج المعرفة وتحقيق التقدم، وأن الاستثمار في الأرشيف وتطويره هو استثمار في مستقبل المجتمع، حيث يُمكن من خلاله فهم الماضي لبناء حاضر ومستقبل أفضل، والاهتمام بالأرشيفات مسئولية وطنية لضمان استمرارية التنمية وصناعة القرارات المستنيرة.
وأكدت الندوة أن الأرشيفات ليست مجرد مستودعات للمعلومات التاريخية، بل هي مصادر رئيسية تُغذي جهود التنمية والبحث العلمي، لا سيما وأن للأرشيف أنواع متعددة أهمها: الأرشيف الوطني، والأرشيف المؤسسي، والأرشيف الشخصي، والأرشيف الرقمي.. وغيره.
اقرأ أيضًا: إلهامي المليجي.. رواية شامة سوداء أسفل العنق والتاريخ المنسي
التكنولوجيا تساهم في تطور الأرشيف:
أشارت الندوة إلى أن البحث العلمي يعتمد بشكل كبير على الأرشيف باعتباره مصدرًا رئيسيًا للمعلومات الموثوقة، وأن الأرشيف مذ تضافر مع التطور التكنولوجي الهائل صار يتضمن أشكالًا رقمية متنوعة تشمل: الوثائق الإلكترونية، الصور، التسجيلات الصوتية والمرئية، وحتى قواعد البيانات الكبيرة، ولم تعد فكرة (المكان) تقتصر على المخازن الفعلية أو الأرفف، بل توسعت لتشمل أنظمة التخزين السحابية والمنصات الإلكترونية التي تتيح الوصول إلى الوثائق عن بُعد.
ولفتت الندوة إلى أن التكنولوجيا أصبحت شريكًا أساسيًا للأرشيف في تحقيق أهدافه، إذ جعلت الوصول إليه أكثر سهولة وسرعة، وصار الأرشيف الرقمي يساعد في الحفاظ على الوثائق القديمة التي قد تتعرض للتلف أو الضياع، ويساعد أيضًا على تحليل البيانات بفضل التكنولوجيا، وصارت التكنولوجيا توفر أدوات بحث متقدمة، مثل الذكاء الاصطناعي، الذي يمكنه تحليل الوثائق والبحث عن الروابط بينها بشكل أسرع وأكثر دقة.
دور الأرشيف في دعم البحث والتنمية:
سلطت الندوة الضوء على دور الأرشيف والمكتبة الوطنية الذي يعد نموذجًا يحتذى به في كيفية توظيف الأرشيف لخدمة البحث العلمي والتنمية، إذ يوفر منصة رقمية شاملة تتيح للباحثين الوصول إلى الوثائق والمخطوطات ذات القيمة التاريخية العالية، ويُقدم دراسات وتقارير موثقة حول تاريخ الإمارات ومنطقة الخليج، ما يثري المعرفة الأكاديمية ويدعم الطلاب والباحثين، ويعزز البحث التاريخي من خلال تنظيم المؤتمرات العلمية مثل مؤتمر الإمارات للتاريخ الشفاهي، مما يساعد في توثيق الروايات التاريخية غير المكتوبة، وفي مجال التنمية فهو يعزز الهوية الوطنية من خلال توثيق التراث الإماراتي والمحافظة على الثقافة المحلية، فالأرشيف يُسهم في تعزيز الانتماء الوطني.
وأكدت الندوة أيضًا أن للأرشيف دوره في التعاون الدولي إذ يُشارك في مبادرات دولية، وفي تنظيم معارض وفعاليات ثقافية، وهناك خدمات أخرى كتوثيق الصحف والمجلات المحلية والدولية التي تتناول تاريخ الإمارات، ورقمنة وثائق الأرشيفات المحلية والدولية، مما يضمن استدامتها وسهولة الوصول إليها، وأكدت الندوة أن الأرشيف والمكتبة الوطنية يولي الأرشيفات الخاصة أهمية كبيرة.
في الختام، نؤكد أن الأرشفة ليست مجرد عملية لحفظ المعلومات، بل هي أداة حيوية لبناء المستقبل وتطوير المجتمعات، من خلال استخدامها الفعال يمكن للأرشيف أن يسهم في توجيه البحث العلمي وتنمية الهوية الوطنية، ويصبح مصدرًا لا غنى عنه للحفاظ على التراث الثقافي وتعزيز التواصل بين الأجيال، إن مفهوم الأرشفة قد تطور ليشمل الأبعاد الرقمية والتكنولوجية، مما يفتح آفاقًا جديدة في حفظ المعرفة وتسهيل الوصول إليها، فاستثمارنا في الأرشيف هو استثمار في المستقبل، وتحقيق التنمية المستدامة التي تستند إلى المعرفة الدقيقة والمبنية على أسس تاريخية موثوقة.
اقرأ أيضًا: رواية شامة سوداء أسفل العنق.. سر الهوية والنضال
كتب: محمد بلال.