لقد أكرم الله تعالى الدنيا بنور بعد ظلمة، وأمل بعد يأس، عبدَ الناس أصنامًا لا تنفع ولا تضـر، وربما صنعوها من طعامهم وشرابهم فإذا جاعوا أكلوها، وفي رحلة الإسراء والمعراج تتجلى رمزيات التوحيد، وعظمة الرسالة، والاصطفاء الإلهي، حيث شاء الله تعالى أن ينزل على هذه الأمة أشرف كتاب، بأشرف ملَك، في أشرف بلد، في أشرف زمان في رمضان، وفي أشرف ليلة منه ليلة القدر، وعلى أشرف من خلق ربّنا، إنه محمد الصادق الأمين، وبعد اضطهاد وعذاب ناداه ربه لزيارة السماء، وجمع له كل الأنبياء في رحلة الإسراء والمعراج.
وفي هذا الحوار مع الدكتور عادل هندي أستاذ مساعد بكلية الدعوة الاسلامية جامعة الازهر، سوف نتطرق إلى بعض الرموز والإشارات اليانعة، لعلها تكون زادًا لنا في تلك الصحراء القاحلة، حيث تجدها تعمل على إصلاح العقول والعواطف والسلوكيات، وتدعو إلى التغيير الأمثل في كافة جوانب الحياة، وتبقى رحلة الإسراء والمعراج أكبر حدث في تاريخ البشرية، حيث جُمع فيها الماضي والحاضر والمستقبل، والتقى فيه كل أصحاب رسالات الإصلاح.
رمزيات في رحلة الإسراء والمعراج:
رمزية المسجد في رحلة الإسراء والمعراج:
حيث إن رسولنا في رحلة الإسراء والمعراج، انطلق من المسجد الحرام مرتحلًا إلى المسجد الأقصى، ورمزية ذلك في أن أول أعمدة التغيير والإصلاح هي العلاقة الراقية بينك وبين معبودك الحق جل في علاه.
اقرأ أيضًا: فضل شهر رجب.. الأصب والأصم
رمزية المقام العالي لنبينا المعظم:
يرتحل رسولنا الكريم في الإسراء والمعراج لم يسبقه بها أحد، ولم يلحق به أحد، وسُخّر له كل شيء في الكون (دنيا وآخرة، إنس وجن، حيوان وجماد ونبات).
رمزية البراق:
فاسمه البراق من البرق والسرعة، كائن لم يُخلق مثله، وليس في الحيوانات ما يشبهه، خلقه الله خصيصًا لرسول الله محمد ولرحلته الفريدة، وهو الذي يسعى ماشيًا حيث ينتهي به طرفه ونظره، فما أسرعه! وما أرقاه في لونه وهيئته! وما أعلى مقامه؛ فقد امتطاه رسول الله وحده لا غيره.
رمزية وقت الليل:
إنه وقت الصفاء والسكينة، وقت القرب من المحبوب، وقت الخلوة مع من تحب، فأين نحن من محبوبنا سبحانه العلي الذي يتنزل كل ليلة إلى سمائنا، ينادي: هل من سائل؟ هل من تائب؟
رمزية الفتنة:
حياتنا مليئة بالفتن والبلايا، (وما أريناك الرؤيا التي أريناك إلا فتنة للناس) فتنة وابتلاء واختبار وتمحيص وتصفية (إنها مصطلحات وكلمات تختصر طبيعة تلك الحياة التي نحياها)، فوطنوا أنفسكم على ذلك، وتوثقوا بالصبر واليقين في خالق الكون.
رمزية التوكل:
ففي رواية الإسراء والمعراج، قيل: يا رسول الله لم ربطت البراق في الحائط والجدار؟ إنه ما خُلق إلا لك، إنها رمزية أخرى في معنى التوكل والأخذ بالأسباب، وألا تترك شيئًا في حياتك للصدفة أو التوكل الزائف، إنه قانون الأخذ بالأسباب، لا فوضى ولا عشوائية.
رمزية الرؤى والاستفادة من قصص السابقين:
فالسعيد من سعد بغيره، والشقي من اعتبر به غيره، لقد رأى الرسول ما رأى، رأي عين لا رؤيا روحية (على خلاف) إلا أن المعجزة تقتضي أن يكون بالبدن والروح معا، وما تقع الرؤيا إلا من بصر في جسد، فالروح لا ترى إلا المعنى لا المادة المحسوسة.
رمزية الإمامة في البيت:
لقد أمّ النبي كل الأنبياء في المسجد الأقصى الشريف، فلم يتقدم عليه غيره، هنا إبراهيم، وهذا سليمان، وذاك داوود، وها هو موسى، وهذا المسيح عيسى، الكل يتراجع ويتقدم محمد، ولا يُؤمّ الرجل في بيته، فصلى محمد بهم، وانتقلت القيادة إليه، إنها رمزية أخرى يجب أن يفهمها كل الناس، تعني مسئولية وتكليف بحماية بيت المقدس (الأقصى) وما حوله.
رمزية الاستئذان:
قد كان جبريل يستفتح، يستأذن عند كل سماء، حتى يُفتح له، فلا تدخلوا بيوتًا غير بيوتكم حتى تستأنسوا وتستأذنوا، لا تجسس، لا ترصد، لا ترقب لجيرانك.
رمزية إتمام البناء:
الإسلام ما جاء ليهدم ما بناه الغير، بل جاء ليتمم ويكمل كل بناء سابق، فرسالة محمد تبع لرسالات الله السابقة، ومحمد مكمل لأخلاقيات موسى وعيسى، لا يتنكر لجهودهم، “إنما بُعثتُ لأتمم صالح الأخلاق”، “إنما بُعثتُ لأتمم صالح الأخلاق”.
وأخيرًا في رحلة الإسراء والمعراج، رسول الله هداه الله برحمته للفطرة النقية السوية في شُرب إناء اللبن، والأمة مدعوة لاحترام الفطرة ونقائها، وأن من شذ عن الفطرة فقد شذ عن الإسلام والهدى، كما ثبت فيها سنة الصراع والإنكار للحق، فلقد درج أهل الكفر والشرك والباطل على إنكار الحقيقة على مر التاريخ طالما أنها ليست في مصلحتهم.
اقرأ أيضًا: ليلة النصف من شعبان.. بوابة الفضائل والاحتفالات الروحية
كتبت: نيفين رضا الدميري.