وسط صخب القاهرة الحديثة، يقف حصن بابليون شاهدًا على عصور مضت، لكنه نادرًا ما يحظى بالاهتمام الذي يستحقه، يُعتقد أن الحصن شُيد في عهد الإمبراطور تراجان أو ربما قبله، ليكون نقطة ارتكاز رومانية في مصر، ومع مرور الزمن أصبح مركزًا للأحداث الكبرى، حيث شهد دخول الإسلام إلى مصر عام 641م، عندما حاصره عمرو بن العاص قبل فتحه.

يمتاز الحصن بجدرانه الضخمة وأبراجه الشاهقة، التي ما زالت قائمة داخل منطقة مصر القديمة، حيث يحيط بالكنائس التاريخية مثل: الكنيسة المعلقة، ودير القديس جرجس، كما يُعد أحد أقدم القلاع الرومانية الباقية في العالم، لكنه لا يحظى بشهرة توازي تاريخه العريق.

حصن بابليون تحفة معمارية حصينة:

شُيد حصن بابليون من الطوب الأحمر والحجر الجيري، حيث يبلغ سمك جدرانه نحو 2.5 متر، وارتفاعها يصل إلى 10 أمتار، مما جعله منيعًا ضد الغزوات، ويحتوي الحصن على أربعة أبراج رئيسية، بقي منها برجان فقط حتى اليوم، كما كشفت الحفريات الحديثة عن أنفاق سرية كانت تُستخدم لنقل الإمدادات والجنود بين أجزاء الحصن المختلفة، مما يعكس عبقرية التخطيط العسكري الروماني.

حصن بابليون تحفة معمارية حصينة

حصن بابليون تحفة معمارية حصينة

اقرأ أيضًا: حديقة الفسطاط.. تجربة فريدة تجمع بين عبق التاريخ جاذبية الطبيعة

حصن بابليون معبر القوافل والتجار:

لم يكن الحصن مجرد قلعة حجرية صامتة، بل كان مركزًا نابضًا بالحياة، يعج بالجنود والكتّاب والتجار الذين جعلوا منه نقطة استراتيجية لا غنى عنها عبر العصور، فإلى جانب دوره العسكري كان الحصن ملتقى للقوافل التجارية القادمة من الجنوب، حيث وفر الحماية والمسكن للتجار الذين يعبرون نهر النيل، كما احتضن بين جنباته منشآت إدارية ومخازن للحبوب والأسلحة، مما جعله رمزًا للقوة والسيطرة، ومع تعاقب العصور لم يندثر دوره، بل تحول إلى شاهد على تنوع الحضارات التي مرت بمصر حيث امتزجت بين جدرانه التأثيرات الرومانية والقبطية والإسلامية، ليظل صرحًا خالدًا يحمل في أحجاره همسات الزمن وتاريخ مدينة لا تنام.

حصن بابليون معبر القوافل والتجار

حصن بابليون معبر القوافل والتجار

اقرأ أيضًا: قلعة قايتباي قديما وحديثا

حصن بابليون بوابة عبر الزمن:

على الرغم من مرور القرون، ما زال الحصن يحتفظ ببقايا بوابته الضخمة، التي كانت تُعرف بالبوابة الجنوبية، والمواجهة لنهر النيل قديمًا، كما يحتوي على بعض الأحجار الفرعونية التي أعيد استخدامها في بنائه، مما يشير إلى أن الموقع كان مأهولًا منذ العصر المصري القديم، واليوم يقف حصن بابليون شامخًا وسط القاهرة في انتظار جهود جادة لإعادته إلى مكانته كواحد من أعظم القلاع العسكرية في التاريخ المصري.

حصن بابليون بوابة عبر الزمن

حصن بابليون بوابة عبر الزمن

رغم أن الزمن ألقى بظلاله على أسوار حصن بابليون، إلا أن روح المكان ما زالت حية، تنتظر من يعيد إليها وهجها القديم، إن ترميم هذا الصرح التاريخي والترويج له سياحيًا ليس مجرد حفاظًا على حجر أو أثر، بل هو استعادة لصفحة مجيدة من تاريخ مصر، تروي للعالم حكاية أرض كانت دائمًا ملتقى الحضارات ومهدًا للأديان، فهو ليس مجرد أطلال صامتة، بل شاهد حي على قدرة الإنسان المصري عبر العصور على البناء والصمود، كما أنه في انتظار من يمنحه حقه المستحق في ذاكرة الوطن والعالم.

اقرأ أيضًا: المتحف المصري يكتشف نفسه من جديد بعد مرور 120 عاما على افتتاحه

كتبت: ندى رزق.