هل تعلم أن هناك تحفة معمارية تاريخية في قلب القاهرة، لا يعلم عنها الكثيرون، ولكنها على وشك أن تعود إلى الحياة؟، هذا المعلم الأثري هو سور مجرى العيون، الذي يعود تاريخه إلى العصر الأيوبي، ويتكون من سلسلة من القناطر التي تنقل المياه من النيل إلى قلعة صلاح الدين الأيوبي، لكن هذا المعلم التاريخي المهم تعرض للإهمال على مدار سنوات طويلة، حتى بات في حالة يرثى لها.
لكن هذا الوضع على وشك أن يتغير، حيث تجري الحكومة المصرية حاليًا مشروعًا ضخمًا لتطوير سور مجرى العيون، بهدف إحيائه وجعله وجهة سياحية وثقافية مهمة، فما هي تفاصيل هذا المشروع؟ وما هي الأهمية التاريخية لسور مجرى العيون؟، هذا ما سنتعرف عليه في هذا المقال.
ما هو سور مجرى العيون؟
سور مجرى العيون أو قناطر الغوري هو عبارة عن سور به قناطر لنقل المياه، طوله حوالي 2800 كم، يمتد من منطقة فم الخليج إلى منطقة باب القرافة في منطقة السيدة عائشة بمحافظة القاهرة.
تاريخ سور مجرى العيون:
سور مجرى العيون من أقدم أسوار القاهرة وتعود فكرة إنشائه إلى عصر صلاح الدين الأيوبي، عندما أرادوا إنشاء قناطر تحمل المياه إلى قلعة الجبل، حيث أقام صلاح الدين الأيوبي سورًا للقاهرة يبدأ من الفسطاط وجعل فوقه مجرى مائي أو قناة للمياه ترفعها السواقي من أحد الآبار لتسير في هذه القناة حتى تصل إلى القلعة، حيث يتم استخدامها في السقاية وري الزرع في منطقة القلعة وما حولها، وفي عصر المماليك بعدما اتسعت القلعة وأقام فيها المماليك وبدأ عددهم في الازدياد، فكر السلطان الناصر محمد بن قلاوون في إنشاء مشروع آخر لزيادة تدفق المياه من النيل إلى القلعة.
وفي عام 1312 أمر السلطان قلاوون بإنشاء برج ضخم يشتمل على أربع سواقي في منطقة فم الخليج وهو (شارع قصر العيني حاليًا) على ضفة النيل لتقوم برفع المياه إلى مجرى أو قناة يتم بناؤها فوق مجموعة من العقود المرتفعة التي تحملها دعامات ضخمة من الحجر، ويتم تصميمها بشكل منحدر لتتصل بعد ذلك بالقناطر التي أنشأها صلاح الدين الايوبي لتتدفق المياه في اتجاه القلعة، وكان هدف السلطان الناصر محمد قلاوون تزويد القلعة بالمياه الكافية لري المزروعات وسقي الجنود والدواب حتى يتمكن من التوسع في منشآته في القلعة وحولها بما فيها القصر الأبلق وجامع السلطان الناصر محمد بن قلاوون.
اقرأ أيضًا: المساجد الخشبية في الأناضول.. جزء مهم من التراث الثقافي والتاريخي
استكمال تاريخ سور مجرى العيون:
كما ذكرنا سابقًا لم يبق من القناطر القديمة والعتيقة التي أنشأها صلاح الدين شيئًا إلا بقايا في بداية المجرى من ناحية القلعة مقابلة لمسجد السيدة عائشة، وتم استغلال سور القاهرة فيها وعمل مجرى المياه فوقه، أما القناطر الموجودة حاليًا فقد أعاد السلطان الناصر محمد بن قلاوون بناءها على مرحلتين، وخلال هاتين المرحلتين تم إنشاء أربع سواق على النيل في منطقة فم الخليج لرفع الماء من خليج صغير عند حائط الرصد المسمى اليوم باسم (اسطبل عنتر) ناحية مسجد أثر النبي.
وقد قام محمد علي باشا بتحويل هذا المبنى خلال فترة حكمة إلى جبخانة أو مخزن للسلاح، وهذه القناطر معماريًا عبارة عن سور ضخم ممتد من عند فم الخليج حتى ميدان السيدة عائشة، ولكنه كان قديمًا حتى القلعة فقط، وهذا السور تم بناؤه من الحجر المنحوت وتجري فوقه مجموعة ضخمة من القناطر (العقود) المدببة تصب مياهها في عدد من الآبار الضخمة داخل القلعة.
بعد ذلك في عصر السلطان الغوري أقيم لهذه القناطر فرع مياه آخر أنشئ به ست سواق بالقرب من مسجد السيدة نفسية؛ لزيادة تدفق المياه التي تصل إلى آبار القلعة، ويبدأ السور حاليًا من منطقة ميدان فم الخليج ونهايته عند ميدان ومسجد السيدة عائشة، ويفصل السور بين منطقتين يمينًا ويسارًا فمن جهة اليمين (حي مصر القديمة) ومن جهة اليسار (حي السيدة زينب).
اقرأ أيضًا: إليك.. أبرز القصور التاريخية في مصر
مشروع تطوير سور مجرى العيون:
يعتبر مشروع تطوير سور مجرى العيون جزءًا من مشروع كبير ومتكامل لتطوير مدينة القاهرة التاريخية وإحياء الوجه الحضاري والتاريخي للمنطقة، عن طريق إعادة إحياء وتطوير المناطق الأثرية التي كانت لا تتمتع بالاهتمام اللازم والمطلوب لها حتى يتم وضعها على خريطة السياحة مرة أخرى.
ومنذ شهر مارس عام 2021 م ومنطقة سور مجرى العيون أو المسماة (المدابغ)، تشهد مشروعًا ضخمًا لتطويرها، حيث تعتبر أحد أهم المناطق التي تتميز بتاريخ ومكانة كبيرة منذ أقدم العصور، لذلك كانت على قمة المناطق التي اهتمت الحكومة ممثلة في وزارة الآثار والإسكان والمرافق وهيئة المجتمعات العمرانية الجديدة بإحيائها وإعادة مظهرها الحضاري، بعدما فقدت عبر الزمان قيمتها، وتغيرت بشدة عن سالف عهدها.
اقرأ أيضًا: أحياء مصر القديمة.. تاريخ وحكايات
وهذه تفاصيل مشروعات التطوير الجارية داخل منطقة سور مجرى العيون:
- نسبة إنجاز مشروع التطوير بلغت حوالي 65%.
- التكلفة التنفيذية للمشروع تصل إلى حوالى 1.72 مليار جنية.
- مساحة مشروع تطوير منطقة سور مجرى العيون تبلغ حوالي 95 فدانًا.
- يتضمن مشروع التطوير إنشاء مبنى تجاري ترفيهي عبارة عن 163 غرفة فندقية، و7 كافيهات، و41 مطعمًا و16 محلًا تجاريًا، ومسرحًا رئيسيًا مكشوفًا لنحو 570 شخصًا.
- قاعة سينما تستوعب 132 فردًا، وقاعة لعرض الفنون المختلفة.
- مشروع سياحي على الطراز الإسلامي .
- منطقة للفنون ونوافير تراثية.
- مول تجاري ترفيهي على مساحة 12.5 فدان.
- 79 عمارة بإجمالي 1924غرفة على الطراز التراثي الإسلامي، وتبلغ مساحة الوحدة السكنية 150م٢. وفي الدور الواحد للوحدات السكنية يوجد 4 شقق، وكل عمارة يوجد بها مصعدان.
- مباني ثقافية وترفيهية بالإضافة إلى المساحات الخضراء.
- أسواق متنوعة سيتم إنشاؤها لتشمل منتجات الحرف التراثية، مثل: الخيامية، والمغربلين والصاغة والتراث الخشبي والنحاسين.
ختامًا عزيري القارئ، بعد أن عرفنا تاريخ سور مجرى العيون وقيمته التراثية والأثرية لا نتعجب من الاهتمام بمشروع تطويره أو إحيائه؛ لأنه يستحق أكثر من ذلك ليعود مكانًا سياحيًا وأثريًا يعرف العالم كله والمصريون خاصة قيمته التاريخية التي لا تقدر بثمن.
اقرأ أيضًا: أشهر معالم بغداد التاريخية تعرف عليها 2022
كتبت: سحر علي.