في قلب دمشق القديمة، ينبض الجامع الأموي بتاريخه العريق وجماله الساحر، هنا تتجسد أروع الطقوس بصوت الأذان الجماعي، الذي يلفت الأنظار ويجذب القلوب بسحره الخاص، إنه تجربة لا تُنسى تحملنا في رحلة لاكتشاف أعماق التقاليد الدينية وجمالها الروحي في أجواء مليئة بالبهجة والتأمل.
بداية الأذان الجماعي:
يوجد الأذان الجماعي منذ زمن طويل، وهو أذان يأخذ نظامًا إداريًا وضوابط فنية عديدة، وكانت بداياته في تركيا ويعرف هناك بالأذان العثماني، ويتبع قانون أن لكل أذان من الصلوات الخمسة يأخذ مقام موسيقي محدد يختلف عن الآخر ليتسنى للمكفوفين معرفة أوقات الصلاة بعضها من بعض، وما زالت جوامع تركيا تتبع هذا الأذان حتى الآن.
أما في الجامع الأموي في دمشق قام الشيخ عبد الغني النابلسي ببعض التعديلات على الضوابط الفنية والمقامات الموسيقية الخاصة بهذا الأذان وألزم المؤذنين بالالتزام بها، وجعل لكل يوم من أيام الأسبوع مقامه الموسيقي الخاص، ليميز المستمعون بين أيام الأسبوع، وهذا ما يتفرد به الجامع الأموي عن باقي جوامع العالم.
اقرأ أيضًا: العادات السورية في رمضان بين التكرار والتفرد
ما الفرق بين الأذان الجماعي وأذان الجوق؟
يقع الكثير في لغط كبير بين الأذانين وهو إطلاق مسمى الأذان الجماعي الذي يتم أداؤه في الجامع الأموي في دمشق على أذان الجوق أو العكس، بدأ العمل بأذان الجوق أو الأذان السلطاني في عهد الأمويين، وتقوم فكرته على وجود مجموعة من المؤذنين وكل واحد منهم يقوم بأداء مقطع من الأذان.
فيقول المؤذن الأول الجملة الأولى من الأذان (الله أكبر الله أكبر الله أكبر الله أكبر)، ثم يتبعه المؤذن الثاني ويقول الجملة الثانية (أشهد أن لا إله إلا الله أشهد أن لا إله إلا الله)، ثم يتابع المؤذن الثالث بالجملة الثالثة ويتبعه الرابع وهكذا إلى أن ينتهي الأذان ويكون كل واحد من المؤذنين قد قال جملة واحدة من الأذان ليس أكثر، ولا يقوم أي مؤذن بأداء الأذان كاملًا، بقي أذان الجوق متبعًا إلى وقت متأخر في عدد من الدول الإسلامية، ومنع في بعضها في أوقات مبكرة وكانت آخر الدول التي منعت فيها أذان الجوق هي مصر.
أما في الجماعي فالأمر مختلف حيث يقوم مؤذن بذكر عبارة من الأذان وتقوم مجموعة من المؤذنين بإعادة العبارة وراءه وهكذا إلى نهاية الأذان ويكون كل مؤذن قد ردد الأذان كاملًا وليس جزءًا منه، والهدف منه هو إيصال صوت الأذان إلى أبعد مدى، إذ لم يكن هناك جوامع حول مدينة دمشق، وكان الجماعي موجودًا من بداية العصر العثماني في مدينة إسطنبول ثم انتشر في المساجد الكبرى وكان يؤدى في المسجد الحرام والمسجد النبوي والجامع الأموي في دمشق، وتوقف في جميع المساجد وما زال مستمرًا في الجامع الأموي بدمشق.
الأذان الجماعي مصدر بهجة للدمشقيين:
اعتاد الدمشقيون على سماعه من مآذن الجامع الأموي بدمشق في جميع المناسبات الدينية، وإن أكثر الأوقات التي ينتظر فيها أهل دمشق الأذان بفارغ الصبر هو أذان المغرب بشهر رمضان المبارك حيث اعتادوا على بدء وإنهاء صيامهم على سماعه، ويبدأ عيدا الفطر والأضحى في دمشق بسماع الأذان الجماعي في جميع أرجاء دمشق عبر بث مباشر من الجامع الأموي بدمشق إلى جميع الجوامع، وهذا ما يسميه العوام (تكبيرات العيد).
يبقى الأذان الجماعي شعارًا من شعائر دمشق ويتغنى به أهلها ويفخرون به، ومن أهم ضيوف شهر رمضان على سفرة كل دمشقي.
اقرأ أيضًا: 8 طقوس رمضانية مصرية.. خلطة فريدة من التقاليد والاحتفالات
كتبت: هبه حماده.