“رأينا في الكتب واحة”
عندما كان العيش بجوار واحة أو سهل هو السبيل للحياة؛ فالمكوث في ظل كتاب هو كل الحياة، وتبقى مكتبتك هي واحتك الخاصة أينما كنت، إننا نعشق الأصالة في كل مانفعله ونملكه فإن للكتب أيضًا أصل وتاريخ سموه” تراث” . هل يعلم أحدنا عن تراث الأدب شيئًا؟ أو ماذا كان يفعل السالفين للحفاظ على إبداعهم ويصبح مع مرور العصور ذا قيمة؟ إذًا فلنتجول قليلًا بين الأزمان لنرى عظمة أقلام الأجداد.
” تاريخ الأدب والشعر… البداية”
منذ شرع أهل الجاهلية في نشد أشعارهم في سوق عكاز وقد أصبح للعرب واللغة العربية كيان اسمه “الشِعر” يتبارى في ساحته كل عاشق مبدع ويتباهى به كل صاحب موهبة وتضرب به الأمثال بقوة الإلقاء أو عذوبة ورقة الكلمات، وقد اشتهر فيهم عنترة بالغزل والعشق لمحبوبته وخرج منهم الأعشى وحاتم الطائي وعمرو بن كلثوم، فتفردوا وتميزوا بجمال أشعارهم.
عند وصول الإسلام لم يقل الشعر عن مكانته بل تحول إلى طريقة أخرى لبث الجهاد في نفوس المسلمين ولمدح النبي صلى الله عليه وسلم، وحظت تلك الفترة بشعراء أقوياء كشاعر الرسول حسان بن ثابت والخنساء وكعب بن زهير، وجاء الإسلام بفن جديد إضافة للشعر وهو”الخطابة” وكان من أشهر الخطباء وعلى رأسهم سيدنا محمد بن عبدالله رسول الله، عمر بن الخطاب، علي بن أبي طالب، فقد كانت تلك العقود زاخرة بفن لا زال حتى الآن معشوق الجميع وهو الشعر.
“عصور الخلافة”
زاد العصر الأموي والعباسي من شأن الأدب عندما أخرجوا من بطن الشعر أنواع متعددة كالغزل الصريح ورائده عمر بن أبي ربيعة، أما عن الغزل العذري فلنا قول آخر على لسان قيس بن الملوح ومعشوقته ليلى، وكان أبو الأسود الدؤلي أشهر شعراء الذهد؛ فالعصر الأموي كان زخرًا للشعر والادب، وكان المتنبي والأصمعي ذوا صيت في عصرهما العباسي وكان حكيمهم أبو علاء المعري صاحب بلاغة وحكمة ليس بها منازع، ولن ننسى أبا فراس الحمداني وكانت سمات هذا العصر في الشعر قوة الآداء وجزالة الألفاظ وعمق المعاني.
“العصر الحديث”
في أواخر القرن الثامن عشر وبداية القرن التاسع عشر خرج علينا الأدب بلونين جديدين وهما القصة والرواية والتي برع فيها الكثير وزاد في تلك الحقبة الكُتاب أصحاب الرؤى السياسية والاجتماعية والدينية وعلى رأسهم جمال الدين الأفغاني والشيخ محمد عبده والرائع لطفي مصطفى المنفلوطي، وعن الأدباء كان إبراهيم اليازخي وناصيف اليازخي وحمزة فتح الله.
ولن ننسى الخطباء الذين كان لصوتهم في الخُطب أثر على المجتمع ولبلاغتهم الراقية أثر على المثقفين كعبدالله النديم والزعيم مصطفى كامل والزعيم سعد زغلول، وكذلك الشعراء أصحاب النظم العريق محمود سامي البارودي، إسماعيل صبري، أحمد شوقي وحافظ إبراهيم وهؤلاء كانوا عمالقة لم يأتِ مثلهم الكثير.
و رغم مرور عقود طويلة تم الحفاظ على كل تلك الأصول الأدبية بشكلٍ راقٍ وتناقلها عبر الأجيال بأريحية كبيرة فخرج لنا شكل حواري ثقافي يسمى بالمجالس الأدبية والتي تطور اسمها فيما بعد بالصالون الثقافي، الذي عبر الزمن منذ العصر الجاهلي وحتى عصرنا الحالي والمثقفين جميعهم محافظين على تلك العادة التي تحمل بين طياتها عبق الأصول.
“الصالونات الادبية والمجالس”
وكان أول مجلس أدبي هو سوق عكاز ثم مجالس الأدب الأموية والعباسية وكان أشهرهم صالون سيف الدولة الحمداني، مجالس المأمون، عبدالملك بن مروان والشريف المرتضى، أما في الأندلس كان مجلس ولادة بنت المستكفي ليضم بين ذمرته بن زيدون.. لكن القاهرة كانت من أبرز العواصم العربية التي انصبت فيها جهود المبدعين على مدار التاريخ في إقامة الصالونات الأدبية.
“مشاهير الصالونات الأدبية”
مي زيادة صاحبة أشهر صالون أدبي وثقافي والذي دام عشرين عامًا بلا انقطاع وكان من روادها الأديب عباس محمود العقاد، أحمد لطفي السيد، الرافعي، أحمد شوقي، خليل مطران وغيرهم، كان يُعقد كل ثلاثاء، أما يوم الجمعة فقد كان يجتمع المثقفون في بيت العقاد ليقام صالونه الثقافي والذي ضم بين جلساته أحمد إبراهيم الشريف، محمد طاهر الجبلاوي، أنيس منصور، أحمد حمدي إمام وعبدالرحمن صدقي.
ولقد كانت تلك الصالونات تناقش الفكر والفلسفة والنقد والشعر وكل مايخص الأدب، وفي عام 1987 أقام الشاعر الدكتور أحمد تيمور صالونه الثقافي والذي كان يناقش مكانة الشعر في مجتمعات التقنية والحداثة وما بعدها، كما حضر له عدد كبير من الإعلامين وأساتذة الجامعات والمثقفين ومنهم نادر الطويل، محمد حجي ومحمود الهندي وإسماعيل إمام.
“صالونات الشباب”
توالت الصالونات الأدبية في الظهور عامًا بعد عام؛ فكان هناك عام 1990 صالون وسيم السيسي وصالون محمد حسن عبدالله، وبعد ثورة يناير 2011 قام الكاتب علاء الأسواني في إقامة صالون أدبي وهو مستمر حتى الآن، وصالون الشاعر بشير عياد الذي أقامه منذ عام واحد فقط وهدفه تهذيب الذوق في نواحي الإبداع، ومنذ أيام قلائل لم تتخطَّ شهرًا قام بعض الشباب العاشقين للأدب بمدينة الإسكندرية بتدشين صالون ثقافي أدبي اسمه إنسان يعمل على الكاتب الشاب ومساندته من خلال حوار ثقافي يحة الكثير على الثقافة والأقدام على حياة الأدب بصدر رحب وقلم مستعد دومًا للإبداع.
أخيرًا نصل إلى محطتنا الأخيرة في تلك الجولة الرائقة، فلقد طفنا حول واحتنا الأدبية وشربنا في الجزيرة العربية وركضنا بين الشام ومصر والعراق وأرحنا عقولنا بالأندلس، لننتشي بكل عصر مع مبدعيه ورواده ومشاهيره حتى تعرفنا علي جزء من تراثنا، والمجال مفتوح علي مصراعية لمن يريد الإبحار أكثر وأكثر في تراثنا الأدبي واحتنا الباثقة.