هل يمكن لدولة بحجم مدينة صغيرة محاصرة بالفساد والجريمة، أن تصبح نموذجًا عالميًا للنهضة الاقتصادية؟ دولة سنغافورة، تلك الجزيرة التي كانت تُعرف يومًا بأرض المستنقعات والمشاكل، تحولت إلى إحدى أغنى الدول وأكثرها استقرارًا وأمانًا، كيف استطاعت هذه الدولة المحدودة الموارد أن تتجاوز كافة التحديات وتصل إلى قمة النجاح في فترة زمنية قصيرة؟ في هذا المقال سنكتشف أسرار النجاح السنغافوري الذي أصبح مثالًا يُحتذى به عالميًا.
نبذة مختصرة عن دولة سنغافورة:
إن دولة سنغافورة غير مدعومة بأي من مقومات النهضة لأية دولة، بالإضافة إلى أن مساحتها صغيرة جدًا فتبلغ مساحتها 720 كيلو متر فقط (مساحة مصر مليون كيلو متر مربع أي أن مصر أكبر من سنغافورة بأكثر من ألف وخمسمائة مرة)، كما إنها معدومة الموارد الطبيعية فلا بترول ولا غاز ولا معادن، لا شيء إلا الإنسان السنغافوري، وهذا الإنسان أيضًا لديه عدة مشاكل، حيث إن الشعب السنغافوري هو شتات من شعوب مجاورة فالجميع وافدون على تلك الأرض، وكانوا يعملون في المعسكرات البريطانية ومصانعها، وهم من أجناس وأديان ومذاهب متناقضة لا يجمعها تاريخ مشترك ولا لغة مشتركة ولا ديانة مشتركة.
اشتهرت دولة سنغافورة في أوائل القرن الماضي بأنها أرض المستنقعات والأوبئة والبعوض، حيث لا يوجد بها نظافة ولا دواء ولا تقدم، وتعد أخطر مكان في جنوب شرق آسيا من حيث الفساد والجريمة والمرض والأخلاق والاختلاف والصراعات العرقية.
اقرأ أيضًا: شبرا ملس.. من قرية مصرية إلى رمز للثراء
لي كوان يو رئيس وزراء دولة سنغافورة:
تولى لي كوان يو رئاسة وزراء سنغافورة عام 1965 في سن 35 عامًا، ووجد البلاد غارقة في الفساد والاختلاف والصراعات يبتعد عنها القاصي والداني، بلد بلا موارد ولا طاقة ليس لديه إلا الإنسان السنغافوري هو وحده المورد الطبيعي للنهضة السنغافورية، فبدأ رئيس الوزراء بإجراءات طارئة بعضها غير ديمقراطي لكنه ضروري لحياة المواطن السنغافوري، ومن تلك الإجراءات القبض على كل الفاسدين في الجهاز الإداري للدولة بلغ عددهم أكثر من 6000 موظف كبير وصغير، وقبض أيضًا على تجار المخدرات والدعارة حتى ولم تتوافر أدلة على ارتكابهم تلك الجرائم.
ولم يكتفِ بذلك بل قبض على كل تجار الدين أو من يدعو لقومية أخرى غير القومية السنغافورية، وقرر أن يقتصر ممارسة العبادات عند أبواب مراكز العبادة، كما أعلن أن اللغة الإنجليزية هي اللغة الرسمية للدولة، وأوقف تعليم المواد النظرية كالأدب والتاريخ والفلسفة وركز فقط على تعليم المواد العلمية كالطب والهندسة بكافه أنواعها وما يماثلها من مواد، وله عبارة مشهورة في ذلك القرار “تدريس الشعر رفاهية لا نملكها”، شجع أيضًا رؤوس الأموال الأجنبية على الاستثمار والعمل والتصنيع في دولة سنغافورة حيث العمالة الرخيصة المتعلمة والمدربة في آن واحد.
كيف أصبحت دولة سنغافورة من أغنى دول العالم؟
اعتزل رئيس الوزراء لو كوان يو بعد ثلاثين عامًا من العمل الجاد والدكتاتورية الإدارية، لكنه ترك الدولة بعد أن أصبحت:
- من ضمن أغنى خمس دول حول العالم.
- دولة تمتلك أكبر احتياطي أجنبي من الدولارات في العالم.
- دولة يعيش فيها أكثر من 250 ألف مليونير، وستصبح في 2030 موطنا لأغنياء العالم.
- دولة تعد رابع مركز مالي في العالم.
- دولة تمتلك أكبر وأفضل مطار في العالم.
- دولة تمتلك مواني توفر لها دخل يبلغ ألف مليار دولار من تبادل الحاويات والتجارة المحلية والعالمية.
- دولة أصبحت أكثر دول العالم محافظة على البيئة، والأكثر آمنًا وأمانا بين دول العالم.
- دولة لديها أكثر من 3000 شركة عالمية متعددة الجنسيات، يعملون في كافة المنتجات العالمية.
- دولة الأولى عالميًا في تعليم الرياضيات والعلوم التطبيقية ونظم المعلومات وتطبيقات الإنترنت.
تلك هي دولة سنغافورة على مساحة 720 كيلو مترًا، استطاعت أن تبني أفضل دول العالم، فلماذا لا نستفيد نحن المصريين من تجارب الآخرين؟ ولدينا كل الإمكانات وأهمها الإنسان المصري صانع الحضارة، إننا شعب لديه تاريخ وثقافة ومصير مشترك وقدرة على التعليم والتعلم والابتكار.
اقرأ أيضًا: رحلة غامرة.. دولة الرأس الأخضر تكشف عن أسرارها
كتب: أحمد عبد الواحد إبراهيم.