في كل عام، ومع حلول ذكرى المولد النبوي الشريف، يتجدد الاحتفال بذكرى ميلاد النور الذي أذن الله -سبحانه وتعالى- بقدومه ليبدد ظلمات الوجود، كان ميلاد النبي محمد -صلى الله عليه وسلم- ميلادًا للرحمة التي مسحت دموع البائسين، وجددت الأمل في قلوب اليائسين، فكان مولده بداية حياة جديدة للبشرية كلها.
لقد عاش العالم قبل مولد النبي -صلى الله عليه وسلم- في ظلمات الجهل والظلم، فاستعبد القوي الضعيف، واستأسد الغني على الفقير، وضيّع كثير من الذكور حقوق كثير من الإناث، وانتشرت صور القهر والفساد، لكن الله تعالى شاء أن يمنّ على البشرية بميلاد نبي الرحمة، الذي جاء ليعيد للإنسان كرامته، ويحيي القلوب بمعاني العدل والتسامح والتعايش السلمي، ليقيم ميزان الحق الذي يعيد لكل ذي حق حقه.
هل يجوز الاحتفال بالمولد النبوي الشريف؟
مع حلول ذكرى المولد النبوي الشريف كل عام، تجدد الخلافات حول حكم الاحتفال بالمولد النبوي الشريف، لكن يظل هذا اليوم من أعظم أيام الله، فهو أحد الفواصل الكبرى في تاريخ البشرية، فالعالم قبل مولده ليس كالعالم بعده، والدنيا قبل بعثته لم تكن كالدنيا بعد رسالته، وقد تغيرت الحياة على الأرض بمقدمه تغييرًا جذريًا.
إن الاحتفال بالمولد النبوي الشريف من حيث الأصل أمر جائز لا غبار عليه، إذا كان منضبطًا بالضوابط الشرعية الصحيحة، والمهم ليس في أصل الاحتفال ذاته، وإنما في كيفية الاحتفال، حتى يكون تعبيرًا حقيقيًا عن حبنا لرسول الله -صلى الله عليه وسلم-واتباعنا له.

اقرأ أيضًا: تعرف على مظاهر الاحتفال بالمولد النبوي الشريف في 9 دول عربية وإسلامية
ضوابط الاحتفال بالمولد النبوي الشريف
في حديث خاص لموقعنا، أوضح الأستاذ الدكتور عادل هندي، أستاذ مساعد بكلية الدعوة الإسلامية بجامعة الأزهر، أن الاحتفال الصحيح بالمولد يجب أن يلتزم بالضوابط التالية:
- أن يكون الاحتفال بما يرضي رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، لا بما يغضبه أو يحزنه.
- يجب تحويل الذكرى إلى مناسبة تربوية وعلمية يستفيد منها أبناء الأمة، عبر ندوات ومحاضرات تثقيفية عن سيرة النبي العظيم.
- يجب عدم ارتكاب محرمات فيه بمن جاء لإظهار حلاوة الحلال وشر الحرام.
- تلمس هديه الشريف في القول والسلوك، من صدق وأمانة ورحمة وعدل وكرم وعفة وحياة وتربية وعلم وعمل كريم، قال تعالى: “لقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا”.
- عدم الإسراف في المطعومات أو المباحات، فالإسراف مذموم على كل حال، كما قال المولى -جل وعز- ناهيًا عباده: “ولا تسرفوا إنه لا يحب المسرفين”.
- عدم تخصيص ذكرى الاحتفال والاحتفاء بصلاة معينة أو قربة ما، فالأصل ألا يتعبد المسلم بعبادة إلا إذا ورد بها دليل صحيح صريح.
- تجميع الأبناء والبنات على مائدة المولد (مائدة العلم والسيرة العطرة)؛ تلمسًا للبركة والنماء والتزكية للنفس والغير.
- استغلال ذكرى مولده في التوسعة على عباد الله تعالى بصناعة المعروف، وقضاء حوائج المحتاجين وإطعام الطعام وإسعاد الناس.
إذن، القضية ليست في مشروعية الاحتفال فقط، وإنما في ضبطه بما يتفق مع هدي النبي -صلى الله عليه وسلم- وسنته، وبما يظهر أخلاق الإسلام في أبهى صورها.

كيف نحتفل بالمولد النبوي بصورة صحيحة؟
الاحتفال بالمولد النبوي الشريف ليس مجرد مظاهر شكلية أو طقوس متوارثة، بل هو تجديد للمعاني التي جاء بها النبي -صلى الله عليه وسلم- والالتزام بروحه وهديه في حياتنا اليومية، فإذا أردنا أن يكون احتفالنا صادقًا، فلا بد أن يترجم إلى أفعال وسلوكيات تُرضي رسول الله وتُظهر رسالته في واقعنا، ومن هنا يمكن القول:
- من أراد أن يحتفل بميلاد النور فلا ينشر الظلام.
- من يحتفل بمولد العلم فلا ينشر الجهل والخرافات.
- من يحتفل بميلاد صاحب العفة والحياء فلا يرضى بانتشار الفواحش.
- من يحتفي بنبي العدل والرحمة فلا يشارك في ظلم إنسان أو يقسو على أحد.
- من يحتفل بمولد نبي الإصلاح فلا ينشر الفساد أو يشارك في إفساد البلاد والعباد.
- من يفرح بميلاد الرحمة فلا يكون ذلك بظلم الضعفاء.
فالاحتفال بمقدم الرسول -صلى الله عليه وسلم- ينبغي أن يكون بسمة أمل، ولسان تفاؤل، وحركة بناء وإصلاح في المجتمع، لا بممارسات تخالف هديه أو تشوه صورته.

فيوم المولد النبوي الشريف هو أحد تلك الفواصل التاريخية في حياة البشرية كلها، فالدنيا قبل مولده غير الدنيا التي كانت بعد مولده، والعالم الذي كان قبل بعثته تغير تمامًا بعد بعثته ورسالته، فللتاريخ فواصل كالأزمنة الاستثنائية في حياة الأمم والشعوب، فواصل توقظ الهمم وتجدد العزائم، مع مولده تحول العالم من الظلام إلى النور، ومن الجهالة إلى العلم، ومن الضلال إلى الهداية، ومن الوثنية والشرك إلى العبودية والتوحيد لرب الأرض والسماء، ومن الفُرقة والشتات إلى التآخي والتعاون والتكامل.
اقرأ أيضًا: ذكرى المولد النبوي الشريف.. لحظات غيرت العالم بمعجزات مذهلة
كتبت: نيفين رضا الدميري.

