السحر

موضوعنا اليوم شائك وغامض، اختلف حوله الكثيرون، إنه السحر الذي ينكره البعض، وهناك من يؤكده، وآخرون يشككون فيه، وآخر يخشاه ويهرب من مجرد ذكره، والبعض يجده مادة جذابة ومثيرة للحديث والقصص والحكايات، وهناك من يؤمن به بشدة لدرجة أنه يرجع كل أمور حياته إليه، وعلى الرغم من اختلاف الكثيرين حول حقيقته وماهيته، إلا إنه لا يمكن تجاهله، أو التشكيك في وقوعه، وإنه قد يتسبب في تدمير حياة البعض، وانقلابها رأسًا على عقب، فهو حقيقة ذكرها الله تعالى في كتابه الكريم، وذكره الرسول عليه الصلاة والسلام في أحاديث شريفة، تعال معي عزيزي القارئ في السطور القليلة القادمة لنتعرف عليه وكيفيته وأنواعه وآثاره.

السحر بين الوهم البصري والتحقق الفعلي:

يعتبر السحر من الكبائر السبعة التي حذر منها الإسلام، وجاء ذلك في الحديث الشريف، عن النبي محمد -صلى الله عليه وسلم-: {اجْتَنِبُوا السَّبْعَ المُوبِقَاتِ، قالوا: يا رَسُولَ اللَّهِ، وَما هُنَّ؟ قالَ: الشِّرْكُ باللَّهِ، وَالسِّحْرُ، وَقَتْلُ النَّفْسِ الَّتي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بالحَقِّ، وَأَكْلُ الرِّبَا، وَأَكْلُ مَالِ اليَتِيمِ، وَالتَّوَلِّي يَومَ الزَّحْفِ، وَقَذْفُ المُحْصَنَاتِ المُؤْمِنَاتِ الغَافِلَاتِ}، وكلمة الموبقات تعني المهلكات، التي تؤدي بفاعلها إلى النار؛ لأنه من أبغض الأفعال وأشدها خطرًا.

السحر بين الوهم البصري والتحقق الفعلي
السحر بين الوهم البصري والتحقق الفعلي

فهو يعتبر تعديًا على حقوق الله تعالى وتدخلًا في شئونه، فهو سبحانه الذي له حق تدبير أمور البشر والتحكم في حياتهم، كما جاء ذكره في القرآن الكريم، في قوله تعالى في سورة البقرة: {وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُو الشَّيَاطِينُ عَلَىٰ مُلْكِ سُلَيْمَانَ ۖ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَٰكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَمَا أُنزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ ۚ وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّىٰ يَقُولَا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلَا تَكْفُرْ ۖ فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ ۚ وَمَا هُم بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ}، وهذا يؤكد أنه حقيقة وليس خيالًا ولا أوهامًا.

اقرأ أيضًا: عالم الفودو الأسود.. رحلة إلى أعماق السحر المظلم والأساطير الغامضة

تعريف السحر:

  • معنى السحر في اللغة:

هو كل ما يخفى سببه، ويتم تخيله على غير حقيقته، وهو أقرب إلى التمويه والخداع.

  • تعريف السحر في الاصطلاح:

هو التأثير في الأبدان والقلوب عن طريق العزائم والطلاسم والعقد، فيتسبب بعد إرادة الله في المرض أو توقف الحال في أمور الحياة من عمل وزواج ونجاح وغيره، أو التفريق بين المرء وزوجه.

كيف يحدث السحر؟

يحدث السحر عن طريق اتفاق بين الساحر والشيطان، يقوم فيه الساحر بفعل بعض أفعال الشرك بالله والمحرمات، نظير طاعة الشيطان له ومساعدته في تحقيق ما يطلبه من أعمال للأذى.

الفرق بين السحر والشعوذة والكهانة والتنجيم والعرافة:

قد يعتقد الكثيرون أنه نوع من الدجل والشعوذة والتنجيم، ولكنه مختلف عنهم، ويتضح الفرق بينهما فيما يلي:

  • السحر:

يعتمد على الطلاسم والعزائم والتعاويذ غير المفهومة.

  • الشعوذة:

تعتمد على إيهام العين وخداعها، باستخدام حيل وأشياء أخرى مثل: استخدام التمائم، والجماجم، وأجزاء الحيوانات الميتة؛ ليعتقد الآخرون بأنه يمكن تحضير أرواح الموتى، ومخاطبتهم.

  • الكهانة:

هي ادعاء علم الغيب بواسطة استخدام الجن، وحقيقة الأمر أن الجن يخبره بما يحدث في مكان آخر فقط، ويطلق عليه الغيب النسبي، بينما الغيب المطلق فلا يعلمه إلا الله -عز وجل- وحده.

الفرق بين السحر والشعوذة والكهانة والتنجيم والعرافة
الفرق بين السحر والشعوذة والكهانة والتنجيم والعرافة
  • التنجيم:

يعتمد على الاستدلال بالأحوال الفلكية، ومسارات الكواكب والنجوم، وتأثيرها على الحوادث الأرضية، وهو شرك بالله ومن أعمال الجاهلية.

  • العرافة:

هي ادعاء بعض الأشخاص بالتنبؤ بالمستقبل عن طريق قراءة الكف، أو الفنجان، أو ضرب الرمال والودع، ومن أهم حيل العرافين ما يسمى (القراءة الباردة)، حيث يقومون بالدخول إلى خفايا ضحاياهم والإيقاع بهم وجعلهم يحكون أسرارهم دون شعور، عن طريق قراءة لغة الجسد، من نظرة الاضطراب، أو رعشة اليد، أو التوتر في الحوار، وعادة ما يذكرون جملًا مطاطية أو تحمل عدة معان، مثل: هناك تغيير شامل في حياتك، هناك شخص يكرهك ويتفنن في إيذائك، أنت شخص محبوب وطيب ولكن حظك قليل، وهكذا.

الجدير بالذكر هنا أن معرفة حالة الطقس، ليست نوعًا من التنجيم والعرافة؛ لأنها تتم باستخدام آلات وأدوات علمية خاصة بذلك، وهي أيضًا قد تصيب وقد تخطئ.

اقرأ أيضًا: العلاج بالطاقة هل سحر وشعوذة أم علم ودراسة؟

أقسام السحر:

للسحر قسمان، هما:

  • سحر حقيقي:

أي أن تأثيره واضح للعيان، مثلًا: يحدث المرض، أو يمنع الزواج، أو ينفصل الزوجان، وغيره، كما قال تعالى عن السحرة: “فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ”.

  • السحر التخيلي:

هذا القسم معتمد على الإيهام والتمويه والخداع والتخيل ولا حقيقة له، كما قال تعالى في القرآن الكريم في سورة طه عن سحرة فرعون: “فَإذا حِبَالُهُمْ وَعِصِيُّهُمْ يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِن سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تَسْعَى”.

أنواع السحر:

للسحر أنواع كثيرة، حيث إنها مقيدة بأوامر السحرة، ومن أهم أنواعه الشائعة:

  • سحر التفريق.
  • سحر التعطيل.
  • سحر المحبة.
  • سحر الفشل.
  • سحر الجنون.

أعراض السحر:

أعراضه تتشابه كثيرًا من أعراض العين وأعراض المس أيضًا، ولكن هناك بعض الأعراض الخاصة به، وتتمثل في الآتي:

  • تغير ملحوظ في طباع المسحور، من النقيض للنقيض، فمثلًا من الحب إلى الكراهية، ومن الصحة إلى المرض، ومن الطاعة إلى المعصية، من الفرح للحزن، وهكذا.
  • سرعة الغضب والانفعال على أسباب غير مفهومة.
  • يقوم المسحور بقول أو فعل شيئًا ما بغير إرادته، ثم يندم على ما فعل.
  • الشعور بألم في منطقة الرحم أو البطن، مع قيء وغثيان.
أعراض السحر
أعراض السحر
  • ظهور بريق لامع في عين المسحور، مع عدم القدرة على التركيز في عين الراقي عند قراءة الرقية.
  • البكاء عند سماع القرآن، أو عدم القدرة على سماعه.
  • الألم الشديد في فترة الدورة الشهرية عند النساء.

اقرأ أيضًا: لعنة الفراعنة حقائق وأحداث أم وهم ووسواس؟

طرق علاج السحر:

من أفضل طرق علاجه في البداية أن يتوكل الشخص على الله الحي القيوم، ويحسن الظن بالله، وأن يستعيذ بالله من الشيطان الرجيم، وأن يكثر من الصلوات وتلاوة القرآن الكريم، مع قراءة آيات الرقية الشرعية، والذكر والدعاء، ومن الجدير بالذكر أن المصاب به لا يمكن علاجه بالسحر؛ لأن الشر لا يتم التخلص منه بالشر، والكفر لا تتم إزالته بالكفر، لذلك سبحان الله من سنن الكون أن تتم إزالة الشر بالخير؛ ولأنه يعتبر عبادة للشياطين وتقربًا إليهم بالكفر ومعصية الله.

لذلك فإن إزالته وعلاج المسحور تكون بالقرآن الكريم، ومن أعظم السور سورة الفاتحة التي يتم قراءتها وتكرارها، ويجب أن تكون سورة الفاتحة متبوعة بآية الكرسي، وبسورة الإخلاص “قل هو الله أحد”، ومن ثم قراءة المعوذتين، وقراءة الدعوات الطيبة بالشفاء، التي وردت وثبتت في الأحاديث النبوية الشريفة، مثل: “اللهم رب الناس، اذهب البأس، وأشف أنت الشافي لا شفاء إلا شفاؤك شفاء لا يغادر سقمًا”، مع تكرار هذا الدعاء ثلاث مرات أو أكثر.

وختامًا، يجب أن نعلم جميعًا، إننا لسنا في حاجة إلى السحر، كي نغير العالم من حولنا أو نصلح فساد حياتنا؛ لأننا نمتلك بالفعل بداخلنا كل القوة التي نحتاجها لفعل ذلك، فقط توكل على الله، وثق بقدراتك، ولا تنس أذكار الصباح والمساء ففيها الحفظ والحماية لك طوال يومك.

اقرأ أيضًا: من وادي الملوك إلى قصر دراكولا.. أشهر الأماكن المسكونة حول العالم

كتبت: سحر علي.