الشبراويشي و كورونا

عندما ضرب هذا الوباء اللعين كوفيد-19 أو كورونا بدأ الناس البحث عن مخلص سواء كان علاج أو مصل وذهب الجميع ليأخذوا بالمبدأ “الوقاية خير من العلاج” واكتشف العلماء أن أهم مضاد لهذا المرض هو الكحول 7% فهو يقتل المرض قبل أن يصل إلي الجهاز التنفسي ، و نصح ألأطباء الجميع بتطهير أيديهم بالكحول ،وبحث الناس عن الكحول في كل مكان ، و تذكر المصرييون تلك الماركة الشهيرة “555” الشبراويشي تلك الماركة وصانعها ذو التاريخ الطويل و الحافل حتي اليوم ..

فهيا نرجع بالذاكرة لنتعرف علي بدايات هذا العطر المعتق برائحة الليمون و التاريخ .

المؤسس حمزة الشبراويشي :

ولد المؤسس حمزة الشبراويشي في قرية شبراويش و كان لهذا الشاب موهبة عظيمة وهي قدرته علي تصنيع أسنسات العطور أو مركزات العطور بمختلف الروائح.

وذهب هذا الشاب إلي حي الحسين العريق و الذي يجمع محلات عريقة و قديمة تخصصت منذ زمن في تصنيع العطور الطبيعية من زهور ومواد طبيعية.

وافتتح حمزة محلاً صغيراً في هذا الحي العريق لبيع العطور التي يصنعها بيده.

وعرف حمزة الشبراويشي النجاح وأعجب المصريون والأجانب علي حد سواء بعطور الشبراويشي ، مما جعل حمزة يفتتح محلاً آخر في الموسكي ثم تبعه بآخر في وسط البلد.

ثم قرر حمزة الشبراويشي أن يحول معمله الصغير إلي مصنع كبير لتصنيع العطور ، فأشتري قطعة أرض في منطقة دار السلام و كلما توافرت معه أموال يشتري قطعة أرض أخري  وكان يزرع بنفسه الليمون الذي يستخدمه في تصنيع الكولونيا”555″ ذائعة الصيت.

و كان الملك فاروق يقدم جائزة كل عام الي أفضل حديقة منزلية في مصر ؛ و حصل الشبراويشي علي تلك الجائزة لعدة سنوات متتالية بفضل عنايته بحديقة منزله بالمعادي .

عيد الأم :

و كانت مصر الملكية تقيم مهرجان كبير في أرض المعارض بالجزيرة إحتفالآ بعيد الأم .
و كان الشبراويشي يقيم بالمعرض نافورة كبيرة تضخ الكولونيا بديلآ للماء طيلة ايام المعرض و يتعطر منها المترددون علي المهرجان كيفما شاءوا.
و أصبحت منتجات مصانع الشبراويشي جزء من حياة المصريين الكولونيا و بودرة التلج و مستحضرات التجميل .
و أصبح لشركة الشبراويشي عدة فروع في الدول العربية و الأفريقية و منها السودان و السعودية و نيچيريا و دول أخري ..

لابد للحلم أن ينتهي ..!

كان حمزة الشبراويشي رجل عصامي نبت من أرض هذا الوطن صنع مجده و شهرة منتجاته بعمله و مجهوده.

و لكن كل ذلك لم يشفع له امام قادة تلك البلد الذين أشعلوا حرب التاميم سنة 1965 ، و لم يفرقوا بين أجنبي و وطني صنع امواله بالشرف أو بالوسطة و الفساد ، فوضعوا الجميع تحت مقصلة الاعدام المعنوي.

وأصيب حمزة الشبراويشي بجلطة سافر علي أثرها للعلاج في سويسرا ، و هناك جاءته الأنباء بتأميم مصانعه و شركاته و محلاته و أراضيه الزراعية ، و تم شراء كل تلك الممتلكات بمبلغ زهيد جداً مقداره ١٦٥,٠٠٠ ألف جنيه مصري لصالح شركة السكر و التقطير الحكومية وصادرت الحكومة المبلغ ، مع أن أحمد عبود باشا الاقتصادي المعروف حينها قد عرض علي حمزة الشبراويشي أضعاف هذا المبلغ قبل ثورة 1952 ؛ و لكن حمزة رفض و تمسك بمشروعه و عماله و محلاته .

و عندما عرف حمزة تلك الأخبار المؤسفة وانتهت رحلة علاجه سافر إلي لبنان ليبدأ رحلة كفاح أخري من الصفر و لم يلبث إلا عدة شهور و توفي بعدها حمزة الشبراويشي وقد أوصي أن يدفن في أرض مصر.
و جاء الجثمان إلي أرض الوطن و حمله عمال مصانعه الأوفياء إلي مثواه الأخير …

و لازالت كولونيا 555 أو 55555 لها جمهورها و قد زاد جداً في تلك الأوقات لأنها تحتوي علي نسبه كحول 70% بالإضافة إلى رائحتها المميزة فهي تجمع بين التعطير و التعقيم .
إنها رائحة الزمن الجميل زمن الحرية و العمل والاجتهاد والنجاح .

 

كتب: أحمد عبدالواحد إبراهيم