أسير بلا قيود

عزيزي القارئ هل وقعت أسيرًا ذات مرة؟

مهلًا لا تتعجل في جوابك، سيبادر البعض متعجلًا بالجواب الشافي بلا تريث أو تفكير والذي غالبًا ما سيكون سؤالًا استنكاريًا تهكميًا ردًا على سؤالي الذي يبدو لأول وهلة مغلفًا بالحماقة والسذاجة.

سيقول قائلنا: وأي حرب نخوض حتى نصبح أسرى؟ لقد ولى زمن الحروب إلى غير رجعة إلا ما ندر بعدما ذاقت البشرية ويلات الحروب في غير مرة، وأصبحت الحمائم ترفرف في عالم يكسوه الحب والوئام.

أقول لصديقي معك كل الحق فيما قلت، ولكن ألا ترى مثلي أن حروب القذائف والبوارج قد انزوت إلى حد ما، بينما طفقت حروب حديثة تمارس بأسلحة رقيقة فتاكة لا تخلف دماء أو جثثًا سوانا؟!

نعم رفيق دربي فلينظر كل منا إلى راحة كفيه، نعم لا أثر فيها لدم أو سيف أو رمح، ولكن تفحص يديك بتمعن سيجد كل مِنا نفسه أسيرًا مكبلًا بقيود يبدو لنا أنه لا فكاك منها قيود نستعذبها وتحلو لنا، بل نحارب مَن يدعونا لطرحها أو الخلاص منها.

اقرأ أيضًا:مرحلة ما قبل الوصول

مَن مِنا لا تقبض كفاه على هاتف أو اثنين بل ربما ثلاثة أو أكثر، ما بين الحين والآخر في حركات تبدو لا إرادية نحملق في قيودنا أعني هواتفنا بنشوة وسعادة لا توصف، ندنيها من آذاننا نسر لها بأحلامنا.

نصغي إليها بكل ود واهتمام، ننسى معها مَن حولنا بل قد ننسى معها ذواتنا، ننام وهي بين أحضاننا، نكشر عن أنيابنا ونكاد نبطش بمَن يحاول أن يدعونا إلى التحرر من تلك القيود ولو لبرهة أو دقائق معدودات.

فتلك أم يعلو صراخ وليدها أو يتعلق بما لحق من ثيابها دون أن تلتفت إليها؛ فعلى الهاتف صديقتها أو قريبتها أو أنها تسبح في عالمها الافتراضي بكامل جوارحها فلا يوقظها صراخ وليدها أو مشاكسة صغيرها.

وذاك ابن يحادثه أبوه بود ولطف عله يجاذبه أطراف الحديث، ولكن فاه تبعثر لفظة أو اثنتين بين الحين والحين وعيناه لا تفارق شاشة مَن أسره وأحكم قيوده على مشاعره وجوارحه.

وهؤلاء إخوة جمعتهم الصدفة على مائدة الطعام في بيت العائلة، وقد ضم مجلسهم بعض ذوي القربى ممن لا يرون إلا في المناسبات.

وقد خلا كل منهم بمحموله يشكو إليه همه ويبث إليه أحزانه دون التفاتة إلى مَن حوله أو استشعار بهمهمة غيره.

أما هؤلاء الأصدقاء فقد التقوا في إحدى المقاهي حسب الموعد المتفق عليه ولكن هيهات هيهات فقد تجمعت الأبدان وتشتت العيون وانشغلت النفوس بهذا الساحر الفتَّان الذي لا تجدي معه حيلة ولا تخلصك من قيوده فدية.

نعم عزيزي وعزيزتي لقد أصبحنا جميعًا أسرى بيد مَن لا نريد الفكاك من أسره، بل إننا نستعذب ذاك الأسر ونزهو بتلك القيود حين تكون باهظة الثمن.

فهل لنا من مخلص؟ أرجو ذلك.

اقرأ أيضًا:الخروج من المتاهة

كتب: هشام أحمد.