فهرس المقال
في عالم الفلسفة اليونانية، تقف مفاهيم أرسطو شامخة كأحد الأعمدة التي لا يمكن إغفالها، هذا المقال ليس مجرد استعراض لأفكاره، بل هو رحلة استكشافية عميقة في تفكير الفيلسوف العالم، بدءًا من البنية الداخلية للإنسان وصولًا إلى أنظمة المجتمع والدولة، سنتناول أهم مفاهيم أرسطو حول الأخلاق، وكيف رأى السعادة، وما هي رؤيته عن سياسة المجتمعات، وصولًا إلى نقده المثير للجدل حول مكانة المرأة.
علم الأخلاق عند أرسطو: مفاهيم أرسطو حول النفس وتحقيق السعادة
يرى الفيلسوف العالم أرسطو أن الإنسان يجب أن يحوي بداخله نفوسًا عدة: “نفس نبات، نفس حيوان، نفس من عقل”، هذه التركيبة المعقدة هي جوهر مفاهيم أرسطو عن الحياة المتكاملة.
مفهوم أرسطو للنفس: نباتية، حسية، عقلية
- نفس النبات: هي الجسد الذي يلزمه العناية والطعام لينمو ويكبر ويشد عضده.
- نفس الحيوان: هي نفس حسية ويقصد بها إدراك العالم من حوله واستكشاف حواسه وكيفية استخدامها.
- نفس من عقل: يقصد بها النفس الفكرية، وهي العقل الذي حباه به ربه وجعله مميزًا عن بقية خلقه.
يطرح أرسطو كذلك فكرة السعادة للإنسان في شكل سؤال مهم جدًا “كيف يتوجب على الإنسان أن يعيش؟ ما الذي يلزمه ليحيا حياة متفتحة؟” عندما قسم أرسطو السعادة في ثلاثة أشكال مختلفة أجاب على سؤاله بشكل غير مباشر، وقصد بها أن الإنسان لا يكون سعيدًا إلا إذا نمى كل القدرات التي يملكها بالقوة.
أنواع السعادة الثلاثة والعيش المتناغم
أنواع السعادة كما وصفها أرسطو كانت:
- الشكل الأول: الحياة في المتعة والتسلية.
- الشكل الثاني: أن يعيش كمواطن حر ومسئول.
- الشكل الثالث: أن تعيش عالمًا وفيلسوفًا.
يؤكد أرسطو على أن هذه الشروط الثلاثة يجب أن تجتمع كي يعيش الإنسان حياة سعيدة متناغمة، والوسيلة لعيش هذه الحياة هي التوازن والاعتدال، فلا تفرط مثلًا في الطعام فتكون في خطر ولا تقلل جدًا منه فتكون أيضًا في خطر، وهذا المثل يضرب على كل ما نحيا به ومعه.
مفاهيم أرسطو في سياسة المجتمع وأنظمة الدولة
يبدأ أرسطو من جديد فكرة أنه يجب على الإنسان ألا يتوقف عند مظهر واحد من مظاهر الأشياء، فكما يقول: “دون المجتمع حولنا لا نكون بشرًا حقيقيين”.
ضرورة المجتمع والدولة عند أرسطو
الأسرة والقرية تغطيان حاجاتنا الأساسية كالغذاء، الدفء، الزواج وتربية الأطفال، أما الشكل الأعلى للمجتمع فلا يمكن أن يكون إلا الدولة، هذه النظرة تضع الدولة في قمة التنظيم الاجتماعي باعتبارها الكيان الذي يحقق الاكتفاء الذاتي والعدالة.
تصنيف أرسطو لأشكال الحكم الناجحة
نظم أرسطو الدولة في ثلاثة أشكال ناجحة (ولا بد أنكم تتذكروا مدينة أفلاطون الفاضلة):
- الملكية: وهي التي لا يكون فيها إلا رئيس واحد ولا بد أن يكون صالحًا لا يخضع شعبه للطغيان.
- الأرستقراطية: حيث نجد أن عددًا متفاوتًا من المسئولين ولا يجب تحول هذا الشكل إلى لعبة في يد الحكام.
- بوليتي (الديمقراطية): وهو الشعب بجميع فئاته، ويجب أيضًا أن ننتبه حيث لا تتحول الدول إلى مولية بدلاً من ديمقراطية (يقصد تحول الحكم الديمقراطي إلى حكم الغوغاء).
نقد نظرة أرسطو للمرأة: لماذا أخطأ الفيلسوف؟
لم يكن أرسطو مثل معلمه أفلاطون الذي أقر أن المرأة كما الرجل تستطيع أن تصبح رئيسًا أو جنديًا إذا تم تدريبها وتعليمها، أرسطو لم يعبأ بنظرية معلمه وطرح رأيه الخاص، إن أرسطو يقول أن المرأة مخلوق غير كامل، ففي الزواج يرى أن المرأة سلبية تتلقى والرجل إيجابياً يعطي ولا يرث الطفل إلا صفات أبيه، فقد كان يعتقد أن كل صفات الطفل تكون كاملة في مني الرجل، فالمرأة كالأرض تكتفي بتلقي البذور في حين أن الرجل كالفلاح الذي يبذر.
إنه لمن العجيب والمؤسف أن يخطئ رجل ذكي كأرسطو هذا الخطأ الجسيم في فهم العلاقة بين الرجل والمرأة، وما زاد الأمر كارثية هو أن نظريته هي ما سادت حتى القرون الوسطى، حتى في أواسط الكنيسة التي لم تستند في موقفها إلى الإنجيل، حيث السيد المسيح لم يكن عدواً للمرأة، هذا الموقف يبرهن على أن الفلسفة والعلوم عندما يسيطر عليها منظور واحد، قد تقع في أخطاء جوهرية.
ختامًا، نرى أن مفاهيم أرسطو قدمت إطارًا فلسفيًا كاملًا لفهم الحياة الفردية والاجتماعية، من التوازن الأخلاقي إلى التنظيم السياسي، ورغم الأخطاء التاريخية في نظره للمرأة، فإن أفكاره لا تزال تُلهم وتُناقش حتى اليوم، وتلزمنا بالتفكير فيما حولنا بترتيب واضح وشكل محبب كي لا نشبه الحيوانات في حياتهم الذين يحيوها دون تفكير أو عقل.
إذا أثار هذا التحليل شهيتك لمعرفة المزيد عن أصل الفلسفة اليونانية، ندعوك لقراءة الجزء الأول الذي تناول فلسفة أرسطو.
كتبت: إيمان الخطيب.
الأسئلة الشائعة حول نظريات أرسطو
ما هي النفوس الثلاثة التي يرى أرسطو أن الإنسان يحويها؟
يرى أرسطو أن الإنسان يحوي نفسًا نباتية (للنمو والتغذية)، نفسًا حيوانية (للإدراك والحواس)، ونفسًا من عقل (للتفكير والتمييز).
ما هو مفهوم التوازن والاعتدال (الوسط الذهبي) عند أرسطو؟
هو الوسيلة لعيش حياة سعيدة متناغمة، ويعني عدم الإفراط أو التفريط في أي شيء، فالاعتدال هو الفضيلة بحد ذاتها.
ما هي الأشكال الثلاثة للحكم الناجح التي حددها أرسطو؟
حددها في: الملكية (حكم الفرد الصالح)، الأرستقراطية (حكم النخبة الفاضلة)، والبوليتي (نظام الحكم القائم على الشعب المعتدل، أو ما يقارب الديمقراطية المثلى).
ما هو النقد الأساسي الموجه لنظرية أرسطو عن المرأة؟
النقد الأساسي هو اعتباره للمرأة “مخلوق غير كامل” ودوره في الإنجاب سلبيًا (كمتلقية للبذرة)، مما قلل من قيمتها الفكرية والاجتماعية وساد هذا المفهوم لقرون طويلة.

