منذ أيام بدأ إعلان جديد للعقارات ينتهي بعبارة “خد مساحتك وقسّمها براحتك”، شعرت للوهلة الأولى أن تلك العبارة أعمق من أن تكون مجرد شعار دعائي استخدمته الشركة لترويج منتجها، صارعت الأفكار ذهني وظلت تتمخض فيه كثيراً حول فن المسافات، هل يجوز لنا أخذ مسافات خاصة بنا؟! هل سنجد بعض الراحة حقاً في تقسيم تلك المساحة الخاصة بعيداً عن فرض آراء الآخريين علينا؟!
فن المسافات:
دعمت تلك الاسئلة وهذا الشعار الدعائي فكرة أعشقها وهي فن المسافات، انها حالة صنعها شخص نضج حتى أدرك قيمة وضع حدود لكل شيء، حدود للأشخاص، للأماكن، للمشاعر وحدود أيضاً لذاته التي تهفو إلى كل بعيد أحياناً.
فن المسافات بين السياسة والعلاقات:
صنع السياسيون خرائط كثيرة، لتعرف بها حدود دولهم ومدى سيادتهم على تلك الأرض، خطوطاً واضحة أو حتى متشابكة هم فقط من يعلمون أين تبدأ وإلى أين تنتهي.
وكما تُرسم حدود للأراضي والبيوت، نستطيع أيضاً أخذ مسافات في علاقاتنا تمنحنا سعادة الخصوصية، نستطيع بها رسم الحدود لأي علاقة، تستنزف منا كل جميل سدى أو تصدر لنا أي طاقات سلبية، فنكون منها في مأمن.
عقبات محو المسافات:
نفتقد هذه الأيام صنع حالة المسافة، ورأينا نتيجة ذلك في كثير من التدخلات، سياسية كانت أو عقائدية أو شخصية، لم نعد نضبط المسافات بيننا وبين أي شيء أو أي شخص، فتجد أن كل شخص يعرف عن كل من حوله كل شيء، كأنه يقيم داخله لا معه، قتل المسافة بينهم جعل ألوف الأنوف تعثوا في حياته عبثاً.
اقرأ أيضا: تعرف على أفضل 5 طرق احترام الخصوصية وأهميتها
اصنعوا المسافات.. تسلموا:
كيف نستمتع بمسافاتنا وكل العالم يعتبر من يعيشون معهم ملكية خاصة حد الامتلاك؟
الزوج يرى زوجته ملكية مباحة، يريد أن يطأ حتى رأسها كي يعرف فيما تفكر، وإن اعترضت فلا يرى من اعتراضها سوى عدم الحب، النفور، عدم الرغبة في تقريبه منها، ثم يتركها في حيرة ونيران، هل تدعه يدخل أرضها ويصبح عليم بخبايا أفكارها أم تتمسك بحقها وتؤكد له أفكاره المغلوطة؟!
الأب يملك زمام نفوس أهل بيته تحت راية إنه ولي الأمر والراعي، وهو لا يعي أن باقتحامه مسافات أبنائه يفقدهم الحق في خصوصية يتمتع هو بقدر كبير بها، لا أعني بذلك أن يبتعد الأب أو الزوج ويخرج من مضمار الحياة ويترك الأبناء والزوجة، لكن لابد أن يدرك أنه كإنسان في المقام الأول، وكراعِ ومسئول في المقام الثاني، عليه أن يتعلم احترام مسافات الآخريين ، كما يريد منهم احترام مسافته الخاصة وخصوصيته، ولذلك يسمى بفن المسافات.
المسافات للجميع:
فن المسافات فكرة لا تستهدف جنس دون الآخر، بل هي لكل إنسان له عقل ناضج، يرى بعين الحكمة أن بعض الوقت الخاص بشركاء الحياة، الأصدقاء، الأبناء، زملاء العمل، لا يعني أبداً عدم رغبتهم فينا أو أننا أصبحنا فجأة غرباء عنهم، لكن النفس تشتاق لبعض الخصوصية والعزلة، لإعادة الترتيب أو التفكير فيما تمضي إليه.
فن المسافات.. منطقة الأمان:
فن المسافات لفظة جميلة سمعتها يوماً عن تلك المسافة الفاصلة، تلك القطعة من الهدوء الرائق والصمت العميق، التي تبتعد فيها عن صخب الحياة الاستفزازي، لتعيد برمجة جسدك وروحك ومشاعرك وأفكارك، تعيد فيها برمجة ذاتك، لذلك كن مغامرا واطلق العنان لنفسك أن تنعم في مسافتها الخاصة، ثم ضع لافتة تقول: (هذه منطقة أماني لا تحتلوها).
اقرأ أيضا: التأمل مفتاح النجاح
كتبت: إيمان الخطيب.