فضلت في هذه المرة أن أسرد مقالي عن شيء مختلف، موضوع ليس له علاقة بأحداث الساعة بشكل مباشر، والأمر هذه المرة لا يتعلق بالعلم و لا الثقافة ولا حتى التاريخ، بل هو أهم من كل ما سبق بكثير.

 

إنها الإنسانية يا سادة،فمنذ يوم أو بضعة أيام قررت أن أتحدث عن الإنسانية في مقالي و لكني ظللت أبحث عن معنى تلك الكلمة التي طالما شغلت تفكيري، و سألت في نفسي لماذا لقبنا نحن “بنو آدم” و “حواء” بكلمة الإنسان، أو بالأحرى لماذا كلمة “الأنسانية” تعد صفة إيجابية تحمل معاني “الرحمة” في المقام الأول و تبتعد عن كل ما هو ذي أخلاق غير طيبة، وتقتصر علينا فقط دوناً عن باقي المخلوقات.

فما هي إذاً الإنسانية، و الأهم هو لماذا تقتصر هذه الصفة على البشر؟

 

وبالنسبة الى مفهوم الإنسانية من حيث المعنى الحرفي فإنها نسبة إلى الإنسان حيث جاءت هذه التسمية مرادفة لكل ما هو متعلق بالإنسان.

وأعتبر كثيراً من العلماء الذين أطلقوا لقب الإنسان ، أي الكائن البشري الذي يختلف عن الحيوانات في مظهره الفيزيائي ، وفي ما لديه من مواصفات عامّة مشتركة بين البشر مثل إنتصاب القامة والتحدث للغات وعنده عقل بخلاف الحيوانات .

 

ولكن كلمة إنسانية في البعد اللغوي العربي تختلف كل الإختلاف عن المعنى الذي سبق تفسيره، حيث أن الإنسانية في اللغة العربية تشير إلى الخصائص الجوهرية للبشر ، والتي هي تفسر من خلال علاقة الإنسان بالإنسان وبتعامله (الإنساني) مع الآخرين ،وفي المعنى الغربي : هي مواصفات فردية في كل شخص على حدة والتي تعني الخصائص البشرية .

 

وفي الفلسفة يعد مفهوم الإنسانية هو ما يتَّصف به البشر من منطلقات ومبادئ ومعايير وأخلاقيات تشكل أساس التعامل والمعاملة الإنسانية للعلاقات بين الناس، و يأتي كذلك من خلال وعي البشر في أدائه و في تعاملاته.

 

والآن قد ابدأ في سرد مقالي، فبالطبع إن كنتم تقرأون عباراتي و وصلتم الى هذه الفقرة، فبالتأكيد الشغف و الفضول هو من جذبكم للقراءة لمعرفة ما المقصود من العنوان، خاصةً تلك الكلمة (بس)مات، التي قد تحمل أكثر من معنى.

فإن قَرَأْتُمُوهَا “بسمات” فلها المعنى الطيب، أما اذا حاولتوا ادراك المقصود منها، فربما تشعرون بالإحباط حين تنصدموا بالواقع…ولكن فضلاً اريد كل منكم يسأل في نفسه سؤالاً واحداً فقط: هل الإنسانية فقدت حواسها وأصبحت عاجزة لهذه الدرجة؟

 

ورغم أن التاريخ البشري حافل بالعديد من الجرائم و المجازر، فإن أول ظاهرة عنف ترجع إلى ما قبل الميلاد، وهي قصة الأخوين “قابيل و هابيل” ، و هما أول أبناء لآدم وحواء، وأول من سكن الأرض بعدهما، و هي أول واقعة قتل في التاريخ، عندما قام قابيل بقتل أخيه بدافع الغيرة و الغيظ بسبب تقبل الله قربان هابيل و لم يتقبل منه.

وفي هذا الوقت لم يكن معروف عند البشر عملية الدفن والذى هو في الأساس أمر انساني، فما كان على قابيل غير أن يحمل اخيه في جراب على ظهره حائراً ومضطرباً لا يعلم ما يفعل بعد أن نال منه، إلى أن بعث الله عز و جل غرابين يقتتلان، فقتل أحدهما الآخر، وقام بعمل حفرةٍ في التّراب بمنقاره ليواري فيها جثّة الغراب الآخر ويخفيها تحت التّراب، ومن هذا المشهد قام قابيل بحفر حفرةٍ لأخيه دافناً جثّته تحت التّراب، وهو مستشعراً بشيء من النّدم والحسرة.

وإنْ دَلَّ هذا الأمرُ عَلَى شَيءٍ فإنما يَدُلُّ على أن مفهوم الإنسانية قد لا يقتصر فقط على بنو آدم.

ومنذ هذه الواقعة، الكثير من المجازر والجرائم في حق “الإنسانية” باتت تظهر يوماً بعد يوم، فالقانون الذي قد نشأ و بني على نهج العقد الإجتماعي لم يعد كفء للحد من أشكال العنف التي يتعرض لها و يسببها الإنسان.

 

جرائم تأتي بسبب حروب أنظمة ضد الأخرى، و ما يقع ضحيتها غير الإنسان الذي أنشأ في الأساس نظام غير إنساني، و جرائم أخرى بسبب العنصرية و الطائفية، وعرق ضد عرق، فلا جنس أفضل من جنس ولا طائفة أميز من الأخرى، فكلنا متساوون أمام الله، فالله خلقنا جميعاً سواسية، فما عليا إلا أن نعيش سوياً و ننشر السلام و التسامح و نتقبل الآخر مهما كان اختلافه عنا، و نبتعد عن التمييز و العنصرية و الطبقية و جميع اشكال الهمجية في السلوك و التفكير.

 

وفي النهاية أحببت أن أختم كلماتي بمقولة الراحل “غاندي” حول الإنسانية: «يجب ألّا تفقدوا الأمل في الإنسانية. إن الإنسان محيط، وإذا كانت بضع قطرات من هذا المحيط قذرة، لا يصبح المحيط بأكمله قذراً».

 

كتب:إسلام سامح